تعلن الأجهزة الأمنية بشكل دوري، عن وقوع جرائم دامية ينتج عنها سقوط ضحايا، على أيدي مرضى نفسيين، يرتبط عدد منهم بالمجني عليهم بقرابة أسرية من الدرجة الأولى. ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يخسر أطفالا بريئة حياتهم في جرائم يرتكبها الآباء أو الأمهات، لتكتب نهايتهم في ظروف استثنائية بفعل معاناة المرض النفسي بداخل ممن انتظروا منهم الحب والحنان. وفي الأسابيع الأخيرة، وقعت عدد من الجرائم الدموية التي ارتكبها متهمون يعانون من أمراض نفسية، لعل أبشعها ما شهدته قرية على خضر، التابعة لمركز الرحمانية بالبحيرة حين أقدم "نقاش"، على قتل بناته الثلاثة وزوجته بالسم، ثم شنق نفسه. الضحايا هم: "مسعود.ع.غ" 40 سنة، وزوجته "عواطف.ع.ر" 30 سنة، وبناتهما "نورا" 8 سنوات، "ندى" 5 سنوات، "أمل" سنة ونصف. وأظهرت التحريات الأولية من واقع مناقشات الأجهزة المختصة مع الجيران والأقارب، أن الأب مرتكب الواقعة، يعاني من حالة نفسية سيئة منذ فترة زمنية طويلة، وتبين أن الزوج وراء قتل زوجته وبناته، ثم انتحر بعد ارتكابه تلك المذبحة. ضربة "شاكوش"
في كفرالشيخ، لقيت سيدة بمنطقة قلين البلد مصرعها إثر اعتداء ابنها عليها، ب"شاكوش"، حيث يعاني من مرض نفسى منذ 5 سنوات. كانت مديرية أمن كفرالشيخ، تلقت إخطارًا يفيد باعتداء شاب يبلغ من العمر 27 سنة، على والدته (52 سنة)، ربة منزل، تقيم بشقة سكنية بإحدى العمارات بمنطقة قلين البلد، بضربها بشاكوش على رأسها، وعندما سمع الأهالي صراخها ،حاولوا إنقاذها، لكن نجلها قفز من شباك حجرتها بالطابق الثالث، وأصيب بكسور خطيرة بقدميه. ولفظت الأم أنفاسها الأخيرة، فيما تبين أن المتهم مصاب بمرض نفسي، وتم ضبطه ونقله للمستشفى، والعثور على الأداة المستخدمة في الجريمة. مقتل بريئتين
شهدت قرية الرملة بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، جريمة قتل مأساوية، عندما أقدمت ربة منزل تبلغ من العمر 33 سنة، بإلقاء طفلتيها من شرفة الطابق الرابع ثم قامت بإلقاء نفسها إلا أن "حبل الغسيل" أنقذ حياتها. نتج من الحادث مصرع الطفلتين، فيما تم نقل المتهمة للمستشفى، وتبين إصابتها بمرض نفسي وتلقيها العلاج منذ فترة. أشهر حاسمة
قال استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، إن المرض النفسي، مرض عضوي في المخ يحدث تغييرات في النواقل العصبية وتؤثر بالسلب على السلوكيات بحيث يكون كل مرض له الأعراض الخاصة به. وأضاف "فرويز" في حديثه مع "بوابة الأهرام" أن المرض النفسي في الأصل هو مرض وراثي بمعنى أنه لو تعرض 100 شخص إلى ضغوط ما، فإنه قد يتأثر من بينهم بالسلب 5 أشخاص بينما لايتأثر 95 شخصا، موضحا أن الأشخاص الخمسة يمرضون نفسيا لأن بداخلهم استعدادا جينيا للمرض ناتج عن الوراثة، حيث ينتقل لهم المرض من أحد أقاربهم من خلال جين نشط. وتابع: "المرض النفسي يبدأ في الظهور من سن 15 إلى 25 سنة، وينقسم لنوعين الأول عقلي مثل الفصام والهوس والثاني عصبي مثل الاكتئاب والرهاب الاجتماعي، ويندرج تحت كل نوع منهما عشرات الأمراض ولكل منها الأعراض الخاصة به"، مضيفا أن حالة المرض تكون حادة وخلالها لايكون قد مضى على الأعراض 6 أشهر، لكن إذا ما تخطت ظهورها تلك المدة (6 أشهر) فإن المرض تكون حالته مزمنة ومعه تكون رحلة العلاج مرهقة. طريق سهل
وأشار "فرويز" إلى أن من بين الأعراض العامة للمريض النفسي العزلة، والانطواء، وقلة الكلام، والنوم لمدد طويلة أو قصيرة، وتناول الطعام بشراهة أو انسداد الشهية، والمزاج المتقلب، وندرة الاهتمامات أو الهوايات، ويسهم في تفاقم تلك الأعراض تناول المريض للمخدرات. وشدد على ضرورة أن يعرض المريض على طبيب نفسي بشكل فوري قبل انقضاء 6 أشهر من ظهور الأعراض حتى يتم التعافي منها لأن العلاج في البداية طريقه سهل، محذرا من الانسياق وراء الإعلانات التي تبث وتنشر عبر وسائل الإعلام عن فك السحر، لأن المرض النفسي ليس له علاقة بالدين. ونبه "فرويز" على الأسر التي يظهر لديهم مريض نفسي بسرعة العلاج وعدم الخوف من ردود الأفعال السلبية من المجتمع تجاه من يعرف عنه خضوعه للكشف النفسي، مؤكدا أن الإعلام مطالب ببث نشرات توعية للمواطنين عن أن المريض النفسي إنسان طبيعي يمارس حياته مثل أي شخص لكن الأعراض التي تبدو عليه تحتاج فقط للسيطرة عليها مبكرا، حتى لاتزداد الحالة سوءا، وأنه لاحقيقة لما يتردد عن أن الذهاب لطبيب نفسي تظل وصمة تلاحق المريض طوال حياته ولابد للإعلام أن يغير تلك المفاهيم لدى المجتمع بأكمله. اختيار خاطئ
وحذر من الاختيار الخاطئ لأهل المريض النفسي إذا ما رغبوا الاتجاه في طريق العلاج، سواء باللجوء إلى رجال الدين أو تناول عقاقير يكتبها لهم الأخصائيون النفسيون، مؤكدا أن الوحيد الذي يحق له كتابة الأدوية التي يتناولها المريض هو الطبيب النفسي، وأن هناك فارقا بين الطبيب النفسي والأخصائي، فالأول تخرج في كلية الطب وحاصل على ماجيستير ثم دكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية، أما الثاني تخرج في كلية الآداب (قسم علم نفس)، وحاصل على دورات تدريبية علاجية للتعامل وتأهيل كبار السن أو المدمنين أو الأطفال ووظيفته فقط رفع تقرير مبدئي بحالة المريض للطبيب النفسي. وأوضح "فرويز" أن المريض النفسي وأفراد أسرته عليهم ألا يقلقوا أبدا من اتخاذ خطوة العلاج حرصا على صورتهم في المجتمع، أو ربما لاعتقادهم أنه من غير اللائق الخضوع للكشف النفسي أو للمعاندة في الاعتراف بالمرض، مضيفا أن المريض يخضع لإعادة تأهيل نفسي داخل العيادة أو المستشفى حتى يعود للتعامل مع المجتمع بشكل طبيعي.