يا بائعًا في أرض طيبة عنبرًا.. بجوار أحمد لا تبيع العنبرا.. إن الصلاة على النبي وآله تعطرا.. يشدو بها من شاء أن يتعطرا صلوا على خير البرية تغنموا.. عشرًا يصليها المليك الأعظمُ ها قد جاءنا ذكرى مولد خير الناس وأطهرهم، أكثرهم رحمة ورفقًا بالصغير والكبير، الصادق الأمين الذي لم يعرف الكذب ولا الغدر ولا الخيانة أبدًا، العادل المتسامح الذي ذاق الظلم من عشيرته فقابلها بالصفح والإحسان، محمد النبي – صلوات الله وسلامه عليه – والثناء عليه ثناء على الرسالة وعلى من أرسله بها، لذلك فقد كان النبي يفرح حين يمدح، لا لشخصه ولكن لأن المدح لا يصدر إلا من محب صادق ومؤمن كامل الإيمان. بردة "البوصيري" أشهر محبي النبي مولاي صلي وسلم دائمًا أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم لم يشتهر أحد في مجال مدح الحبيب محمد مثلما اشتهر الإمام البوصيري "محمد بن سعيد البوصيري" في قصيدته الرائعة "البردة" أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، والتي كتبها في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي، وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، حتى إنه في بعض البلاد يقرأها محبو رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كل ليلة جمعة ويقيموا لها مجالس عرفت بمجالس البردة الشريفة أو مجالس الصلاة على النبي. وقد اشتملت البردة على جمل من صفاته ومعجزاته وسيرته وأخلاقه – صلى الله عليه وسلم – فكان لها عظيم الأثر في تعريف العامة به – صلوات الله وسلامه عليه – فحرص لذلك علماء الأمة على شرحها. وعنها يقول الدكتور زكي مبارك: البوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلّقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلّقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والصفات والخلال، وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول. حكاية قصيدة البردة يقول البوصيري عن سبب كتابته لهذه القصيدة حينما سدت أمامه كل الأبواب إلا باب عشق رسول الله: فجأة أصابني مرض (الشلل النصفي) فأبطل نصفي وظللت في فراشي بلا حركة لمدة طويلة، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت.. وتوسلت.. ونمت.. فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة (رداء)، فاستيقظت ووجدتُ فيّ رغبة للنهوض من فراشي، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدًا، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا بين الناس. فصول القصيدة تقع قصيدة البردة في عشرة فصول هي بالترتيب الفصل الأول : في الغزل وشكوى الغرام الفصل الثاني : في التحذير من هوى النفس الفصل الثالث : في مدح سيد المرسلين الفصل الرابع: في مولده الفصل الخامس: في معجزاته الفصل السادس : في شرف القرآن الكريم ومدحه الفصل السابع : في إسرائه ومعراجه الفصل الثامن : في جهاد النبي الفصل التاسع : في التوسل بالنبي الفصل العاشر : في المناجاة وعرض الحاجات مقاطع من القصيدة مولاي صلّ وسلّم دائمًا أبدًا على حبيبك خير الخلق كلهم محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عُرْب ومنْ عجمِ هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحمِ فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفًا من البحر أو رشفًا من الديمِ وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكمِ فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبًا بارئُ النسمِ منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفمِ في ذكرى مولدك بأبي وأمي أنت يا خير الورى.. وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا.. يا خاتمَ الرسل الكرام محمدٌ.. صلوا خير البرية تغنموا..