منذ أن اعتزل نيلسون مانديلا العمل السياسي عام 2004، لاتتوقف المحاولات الرسمية والشعبية في جنوب إفريقيا لتكريم الزعيم الذي حمل على عاتقة مهمة تحرير بلاده من الفصل العنصري، وتمكن بعد كفاح طويل أن يؤسس لدولة جديدة تضمن حقوق المواطنة للجميع، دون تفرقة بين لون أو جنس، أودين، ومضى ببلاده نحو آفاق جديدة تحتل فيها جنوب إفريقيا حاليًا موقع الصدارة في مجالات شتى على الصعيد الإفريقي والعالمي. وفي العيد ال94 لميلاد مانديلا الملقب في بلاده ب"ماديبا" وتعني باللغة المحلية "العظيم المبجل" سعت جنوب إفريقيا لأن تحطم أرقام موسوعة "جينيس" تكريمًا واحتفاءً بالأب الروحي للدولة الحديثة، عبر تكوين أكبر فرقة إنشاد في العالم تتكون من 20 مليون منشد حول العالم، يغنون وينشدون لمانديلا في وقت واحد "عيد ميلاد سعيد مصحوبة "بنغمات جنوب إفريقية. يعود أصل الفكرة إلى"مؤسسة نيلسون مانديلا" للأعمال الخيرية ووزارة التعليم الجنوب إفريقية، وبمساعدة عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، الذين وجهوا الدعوة لتشكيل هذه "الجوقة" كما ناشدوا كل سكان جنوب إفريقيا (30 مليون نسمة) إلى أن يحذو حذو فرقة الانشاد، لترتفع الأصوات داخل البلاد وخارجها لتكريم"ماديبا". كانت مؤسسة مانديلا، قد نجحت من قبل في أن تجعل من يوم ميلاد مانديلا (18 يوليو) يوم عالم "مانديلا داي"، تعترف به الأممالمتحدة منذ ثلاث سنوات كنداء عالمي يدعى فيه الناس إلى تكريس 67 دقيقة من وقتهم لمساعدة الآخرين وفقًا للقيم التي دافع عنها أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. والدقائق السبع والستون هذه التي قد يمضيها الشخص في أي عمل خيري يختاره، تشكل السنوات التي أمضاها مانديلا في نضاله السياسي، وزادت جامعة (فيتس) التي نال منها مانديلا شهادة الحقوق في جوهانسبورج على ذلك ودعت طلابها إلى أن يكرسوا 94 دقيقة لهذه الأعمال. ومع بداية التباشير الأولى لصباح اليوم انطلقت الاحتفالات في كل مدارس جنوب إفريقيا، حيث أنشد أكثر من 12 مليون طفل عند الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي أغنية"نحبك أيها الأب". ونظرًا للمكانة العالمية التي يحتلها مانديلا، يحرص زعماء ورؤساء وملوك العالم على أن يشاركوا الاحتفال بالمناضل الإفريقي، سواء عبر الزيارات لمنزل مانديلا أو بالبرقيات. الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون كان من أحرص الزعماء على زيارة مانديلا في ضيعته لمشاركته طقوس عيد ميلاده، أما الرئس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشال فقد أشادا في برقية ب"إرادة مانديلا الحديدية" و"استقامته الكاملة" و"تواضعه". من جانبه اعتبر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، أن "نلسون مانديلا كرس 67 عامًا من حياته من أجل حمل التغيير إلى الجنوب إفريقيين، مطالبًا أن تكون هدية مادنيلا هي تغيير العالم لجعله أفضل. وسائل الإعلام الجنوب إفريقية من جانبها أفردت مساحات واسعة للاحتفال بعيد ميلاد مانديلا، وتصدرت صوره الصفحة الأولى لكل الصحف في جنوب إفريقيا، وتبارى الكتاب في مدح الزعيم، وتعديد خصاله. أما مانديلا فسيحتفل بعيد ميلاده كما تعود في السنوات السابقة، محاطًا بأفراد عائلته في قرية "كونو"، مسقط رأسه حيث بات يمضي غالبية وقته الآن. ولد مانديلا في ال18 من يوليو عام 1918، وبدأ العمل في المعارضة السياسية لنظام الحكم العنصري الذي أنكر الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأغلبية السوداء في جنوب إفريقي، في أربعينيات القرن الماضي. في 1942 انضم مانديلا إلى المجلس الإفريقي القومي، الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء. كان مانديلا في البداية يدعو للمقاومة غير المسلحة ضد سياسات التمييز العنصري، لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في عام 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة. ترأس مانديلا جنوب إفريقيا من 1994 إلى 1994 بعدما أمضى 27 عامًا وراء القضبان، وقد انسحب من الحياة السياسية العام 2004، وبسبب وضعه الصحي الضعيف لا يشارك إلا نادرًا في مناسبات عامة الآن وكان آخرها حضوره المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم في جوهانسبورج في يوليو 2010.