الشيخ عبدالكبير الحيدري، هو قارئ أفغاني بطعم مصري، ركب قطار العالمية من القاهرة ليجوب به بلاد العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ويصدح صوته العذب عاليًا بآيات الذكر الحكيم، وما يذهب إلى مكان وإلا ويذكر فضل الأزهر الشريف عليه وشيخه السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي رحمه الله، الذي تبنى موهبة الحيدري عندما سمعه يقرأ القرآن الكريم في حفل تخرج الطلاب الوافدين بمدينة البعوث الإسلامية، بل أكثر من ذلك؛ حيث أخذه الإمام الأكبر قارئًا خاصًا له، وصرح بأن "عبدالكبير قارئ شيخ الأزهر" وأجرت معه الصحف المصرية على إثر ذلك حوارًا، كان الانطلاقة الحقيقية نحو الشهرة العالمية بين قراء القرآن الكريم. "بوابة الأهرام" قابلت القارئ الشيخ عبدالكبير الحيدري الأفغاني في العاصمة الروسية أثناء حضوره ضيف شرف على مسابقة موسكو الدولية للقرآن الكريم، ليخبرنا عن قصته مع كتاب الله والأزهر الشريف ورحلاته القرآنية والتجارب التي يريد أن ينتفع بها الشباب المسلم، والكثير في سطور الحوار الآتي: أطلعنا على بطاقتك التعريفية؟ اسمي عبدالكبير الحيدري الأفغاني ولدت عام 1983 في كابول عاصمة أفغانستان، منذ صغري وأنا أعشق الاستماع إلى القراء المصريين، وكان على رأسهم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذي كنت أقلده عندما أسمع صوته في الإذاعة الأفغانية وكان عمري وقتها 9 سنوات، وكان والدي رحمه الله يتمنى أن يصبح أحد أبنائه قارئًا للقرآن الكريم مثل الشيخ عبدالباسط ويقلد صوته؛ حيث كان صوته معجزة في هذا العصر. وبجانب دراستي الابتدائية بدأت حفظ القرآن الكريم، وخلال ذلك جرى ترشيحي لدخول مسابقة للقرآن الكريم تنظمها باكستان في العاصمة إسلام آباد للطلاب الأفغان والباكستانيين، وبرغم أنني لم أدرس القرآن الكريم وأحكام التجويد، فإنني فزت بالمركز الأول، ومن ثم كسبت الثقة وتأكدت أنني أملك موهبة وأستطيع أن أنميها. الشيخ عبد الكبير أثناء تكريمه من المفتي الروسي راوي عين الدين في ختام مسابقة موسكو الدولية للقرآن ال وبواسطة بعض الأفغان الذين سمعوني في باكستان تعرفت إلى السفير المصري هناك ففرحت جدًا، لأن زيارة مصر كانت أهم أمنياتي لأنها بلد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وعندما قابلت السفير المصري طلب مني قراءة قصار السور، فلما قرأت من سورة الشمس "والشمس وضحاها" أعجب بصوتي وطلب قراءة سورة طويلة، فأخذ السفير المصري يشجعني على دراسة القرآن الكريم، وبعد سنة ساعدني السفير في الحصول على منحة للدراسة في الأزهر الشريف وكانت هذه هي البداية. وكيف كانت رحلتك في مصر الأزهر؟ رحلتي كانت مثيرة وعجيبة ومليئة بالنجاح والتيسير، وهذه هي بركة القرآن الكريم، ففي سن السابعة عشرة سافرت إلى القاهرة عام 2000، وأقمت في مدينة البعوث الإسلامية، وبرغم أنني لم أحفظ القرآن كاملًا فإن صوتي الجميل كان يجعل المصريين يشجعونني ويطلبونني للقراءة في بعض المناسبات؛ حيث إنه بعد 6 أشهر فقط اختارني المشرف في مدينة البعوث لكي أقرأ أمام شيخ الأزهر السابق الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي - رحمه الله - في حفل الخريجين، فانتابني الخوف أن أقرأ أمام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبحضور سفراء 99 دولة، ولكن الحمد لله ثبَّتني المولى عز وجل، ونجحت وأُعجب شيخ الأزهر بصوتي وسأل عني، وبعد أن سلَّمت عليه قال لي: هذا الشيخ سيكون قارئًا لي، وبالفعل كان لفضيلة الإمام الأكبر كل يوم جمعة درس في تفسير القرآن الكريم في الجامع الأزهر، وكان يأخذني معه لكي أقرأ قبل الصلاة، وكان فضيلة الإمام محمد سيد طنطاوي يقول دائمًا "الشيخ عبدالكبير هو قارئ شيخ الأزهر"، وعلى إثر ذلك التصريح أجرت معي مجلة نصف الدنيا حوارًا، بسببه كان الناس يعرفونني عندما أذهب إلى بعض السرادقات للاستماع إلى بعض الشيوخ، والحمد لله أخذت الثقة في نفسي وكانت البداية على طريق القرآن الكريم ودخلت معهد القراءات لأبحر في آيات الله. الحيدري صغيراً وهو يقرأ أمام شيخ الأزهر السابق وما نشاطك بعد ذلك لنشر القرآن الكريم في أفغانستان والعالم الإسلامي؟ الحمد لله قبل أن أغادر مصر أصبحت مشهورًا وكان الناس يطلبونني للقراءة، ولكن بعد تخرجي في الأزهر عام 2008 قررت الأخذ بنصيحة شيخ الأزهر- رحمه الله - الذي كان يقول دائمًا "يا أبنائي تعلموا القرآن الكريم والدين، وارجعوا إلى بلادكم وعلموا أهلكم القرآن الكريم؛ لكي ينتشر الإسلام"، وقررت الرجوع إلى بلدي لتعليم أهلي ما تعلمته في مصر الأزهر، وكان هناك ناس كثيرة في مصر تتعجب من موقفي هذا، وتقول أنت أصبحت مشهورًا ومطلوبًا هنا، فكيف تترك كل هذا وتذهب، ولكن حبي للقرآن الكريم ونشره وتعليم أخلاقه لأهلي جعلني أرجع لأفغانستان؛ حتى أنفع شعبي وأخدم الشباب الذي يحتاج إلى ذلك هناك، وبالفعل بعد سنتين من رجوعي دعونا بعض القراء المصريين من المشاهير للمساعدة في نشر القرآن الكريم، وحب تعلمه مثل الشيخ الدكتور عبدالفتاح الطاروطي، والشيخ رأفت حسين، والشيخ محمد يحيى شرقاوي.. وغيرهم، وفرح الناس بهذا الأمر وشكروني عليه؛ لأن الشعب الأفغاني يعشق القراء المصريين، وسبحان الله بعدها تجمع الشباب حولي لكي يستفيدوا من تجربتي. هل كانت هناك نتائج لهذا النشاط، وتخرج من تحت يديك حفاظ للقرآن الكريم؟ الحمد لله بدأت بعد ذلك في تدريس القراءات، والمقامات والأصوات، وفي عام 2012 افتتحنا مجمعًا كبيرًا باسمي بحضور محبي القرآن الكريم وقرائه وكان من بينهم فضيلة الشيخ عبدالفتاح الطاروطي، والآن يدرس فيه على يدي أحكام القرآن الكريم أكثر من 2000 طالب. هل هناك جهات في العالم الإسلامي تدعم مشروعك هذا؟ المشروع مازال وليدًا وجديدًا على المجتمع الأفغاني الذي اعتصرته المحن وجماعات التشدد والتطرف، وهو يحتاج إلى دعم مالي كبير، ويوجد بعض الدول في العالم الإسلامي على رأسها مصر تتابع المجمع، ومسئولو وزارة الأوقاف يحضرون دائمًا الفعاليات القرآنية التي ننظمها. الشيخ عبدالكبير الحيدري خلال حواره مع محرر "بوابة الأهرام" في موسكو هل لك تجربة في تسجيل المصحف المرتل؟ بالطبع، سجلت المصحف المرتل في مصر عام 2010، ولذلك قصة جميلة، حيث ذهبت إلى فضيلة الدكتور أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية في هذا الوقت، فأخبره أحد المقربين أن هناك شخصًا أفغانيًا يريد أن يأخذ منكم إجازة، فرَدّ الشيخ المعصراوي متعجبًا "أفغاني يأخذ تصريحًا من الأزهر هذا شيء صعب" فقال لا بد أن أسمعه أولًا، وفجأة وأنا في الأستوديو دخل مولانا المعصراوي فقال لي كيف حالك يا عبدالكبير؟ قلت له الحمد لله يا مولانا وقبلت يده، قال اقرأ قوله تعالى "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا" فوجدني أقرأ كلمة مرض بالتجويد والنطق الصحيح فأيد قراءتي، وقال ابدأ في تسجيل المصحف، وأنا خلال اللجنة سوف أجيزه لك. والحمد لله بعد سنة خرج التصريح من الأزهر بالموافقة على المصحف، لأكون بذلك أول القراء العجم الذين يحصلون على إجازة للمصحف كاملًا من الدكتور المعصراوي، وهذا تشريف لبلدي، وفرح الشعب الأفغاني بهذا الإنجاز وأقمنا حفلًا كبيرًا بهذه المناسبة، وفي عام 2016 أخذت إجازة من الشيخ الطبلاوي لقراءة حفص عن عاصم، كما أخذت إجازة في القراءات السبع عن الشيخ محمد بن علي بن أحمد من كبار علماء الأزهر الشريف. هل تدرّس تلاوة القرآن الكريم في بعض دول العالم الإسلامي؟ نعم، فالجاليات المسلمة في بعض الدول غير الإسلامية تدعونني لكي أدرس لهم القراءات المتنوعة للقرآن الكريم وأحكام التجويد والمقامات، مثلًا سوف أزور بعض المقاطعات الروسية على هامش حضوري ضيف شرف لإحياء الحفل الختامي لمسابقة موسكو الدولية للقرآن الكريم، كما أذهب أيضًا إلى دول شرق آسيا مثل بنجلاديش، وأيضًا أذهب إلى المحافظات المختلفة في أفغانستان لأعلم الناس. هل تنظمون مسابقات دولية للقرآن الكريم في أفغانستان؟ أتمنى أن يحدث ذلك، ولكن الظروف الاقتصادية لا تسمح؛ فكما تعرفون أن أفغانستان مرت بمراحل عصيبة تلقي بظلالها إلى الآن على مختلف المجالات، وعلى الرغم من أنه لا يوجد متسابقون أفغان كثيرون ينافسون في المسابقات الدولية للقرآن الكريم، فإنه بحمد الله، فاز في السنة الماضية المتسابق الأفغاني بالمركز الأول في مسابقة إيران الدولية للقرآن الكريم، وفي العام قبل الماضي أيضًا فاز بالمركز الثاني في مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم أفغاني، والحمد لله نحن لدينا استعدادات جيدة للمنافسة في المسابقات الدولية، حتى القراء المصريين والمشاهير يثنون علينا في ذلك ويقولون إن الشعب الأفغاني لسانه مختلف عن كل ألسنة العجم؛ فهو أقرب إلى النطق الصحيح للقرآن الكريم، فضلًا عن إشادتهم بجودة الأداء. كيف ترى تأثير المسابقات الدولية للقرآن الكريم في الشعوب المسلمة وغير المسلمة، وما فائدتها من وجهة نظرك؟ طبعًا تأثيرها مفيد وكبير جدًا؛ فاليوم ونحن نحضر مسابقة موسكو الدولية للقرآن الكريم نرى اجتماعًا كبيرًا جدًا للقراء من كل دول العالم وهم من الشباب، وهذا معناه أن الشباب اليوم يقبل على حفظ القرآن الكريم ويتنافس في مضماره، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن الشباب يتفهمون الوجهة الصحيحة لممارسة الدين الإسلامي الوسطي الذي لا يعرف التشدد ولا الإرهاب ولا التطرف ولا الغلو ولا العنف، ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر على الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية ويُظهر سماحة الدين الإسلامي وحقيقته المضيئة، من ناحية أخرى أنا جئت هنا كضيف شرف في مسابقة موسكو الدولية للقرآن الكريم، وهذا تمثيل لشعبي الذي سيفرح بهذا، علاوة على أن هناك شبابًا كثيرين سيسعون إلى أن يفعلوا مثلي وهذا تأثير إيجابي جدًا على المجتمع الأفغاني الذي مر بمراحل عصيبة، أما تأثير مثل تلك المسابقات على الشعوب غير الإسلامية فيؤكد أن القرآن معجزة، أتذكر عندما ذهب الشيخ عبدالباسط عبدالصمد إلى جنوب إفريقيا وقرأ القرآن الكريم أسلم ما يقرب من مائة شخص، والحمد لله أسلم بسبب قراءتي ثلاثة أشخاص. كلمه للشباب المسلم تريد أن توجهها له؟ أهم شيء في هذا العصر هو الوحدة الإسلامية، وأن يتوحد المسلمون على كلمة واحدة وعلى كتاب واحد وهو القرآن الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.