مسابقات القرآن الكريم ليست منافسة على حفظ كتاب الله وتلاوته فحسب، بل تتخطى ذلك بكثير، فهي تسلط الضوء على حالات تحدّت الصعاب وتغلبت عليها، فيكفي أن تجد متسابقين غير ناطقين باللغة العربية تحدوا عُجمتهم وحفظوا القرآن بروايات مختلفة وتلوه بلسان عربي مبين، بل أكثر من ذلك فازوا بمسابقات دولية كثيرة، كما أن هناك متسابقين من ذوي الإعاقة، أو بالأحرى من ذوي الهمم تحدوا إعاقتهم ونافسوا بقوة على المراكز الأولى. ومن الحالات التي توقفت عندها "بوابة الأهرام"، المتسابقة العراقية زينب علي حسن الدليمي "كفيفة البصر" البالغة من العمر تسعة عشر عامًا، التي منحها الله نور البصيرة بالقرآن وقوة الحفظ لآيات الذكر الحكيم، فوصلت إلى منصة أكبر جائزة دولية للقرآن الكريم. تكلمت زينب علي حسن بلغة فصيحة راقية أدهشت وأخجلت كلّ من يدعي أن ظروفه لا تسمح بحفظ كتاب الله، فعلى الرغم من عدم وجود مراكز التحفيظ الخاصة بالمكفوفين بالعراق، فإنها اجتهدت في الحفظ، وبعد رحلة طويلة قضتها معه وهي صغيرة، ازدادت عزمًا أكبر ورغبة أكثر في حفظه وهي في عمر الخامسة عشرة، وكان عونها بعد الله في ذلك هاتفها الصغير، وما تجوده عليها الشبكة العنكبوتية من مختلف المقرئين، فكان السماع وسيلتها، ومختلف القراء شيوخها؛ حيث حفظت نصف القرآن عن سماعها لتسجيلات الشيخ أبوبكر الشاطري، وموجّهها والمصحح لقراءتها متابعتها لبرنامج الإتقان لتلاوة القرآن الكريم. أتمّت زينب حفظ القرآن الكريم، ولم يتسنّ لها قراءته أو عرضه على أحد إلا عندما انتقلت وعائلتها إلى كردستان، وهي في سن السابعة عشرة؛ حيث التحقت هناك بمركز مخصّص لاختبار حفاظ كتاب الله، وهناك عرضت حفظها واختبرت، فنجحت هي وأختها الكبرى (فاطمة) التي تعاني من الحالة نفسها، إلا أنها تحدّت الظروف الشخصية والخارجية، وتجاوزتها؛ حيث حفظت القرآن الكريم بعد ذلك كاملا بطريقة برايل. وعن تحديها قالت زينب: كنت أحفظ القرآن الكريم وما كنت أحس بصعوبة، وإن أحسست بها استقويت بقوله تعالى: "ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر"، مضيفة أن هذه أول مشاركة دولية لها بعد اجتيازها للمسابقة المخصصة لحافظات العراق كل عام في شهر رمضان، وكذلك الاختبارات الدورية التي تجرى أسبوعيًا. واختتمت الحافظة العراقية زينب علي حسن حديثها بتشجيع كل من يتذرع بالظروف والأسباب التي تمنعه عن تعلم القرآن وحفظه، قائلة: يجب أن نسعى إلى القرآن، حتى إن كنّا في بيوتنا، ونحن بعصر وفّر لنا كل شيء، ومن غير المعقول ألا نحسن استغلال حسنات هذا العصر من تقدّم وتقنية في حفظ القرآن الكريم وخدمته. أما والدها الشيخ علي حسن الدليمي ففاجأ جميع الحضور عندما كشف عن أن لديه خمسة من الأبناء مكفوفين: زينب وفاطمة، وحارث وصلاح ومنار، كلهم يحفظون القرآن من خلال الاستماع إلى قراءات الشيوخ الكبار، معتبرًا أن هذه منحة خصه الله بها لينول شرفًا في الدنيا والآخرة، داعيًا الله عز وجل أن يوفق القائمين على المسابقة وجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم برئاسة المستشار إبراهيم محمد بوملحه مستشار صاحب السمو حاكم دبي، والفوز لجميع المتسابقات اللائي هن فائزات بالفعل. ويشهد اليوم الثلاثاء، تاسع أيام مسابقة الشيخة فاطمة بنت مبارك الدولية للقرآن للإناث، آخر مرحلة في اختيار المتسابقات، والتي يتنافس فيها ممثلات خمس دول هي: الإمارات العربية المتحدة، وتشاد، وبروناي، وتوجو، وطاجكستان، والتي انتابت ممثلتها على منصة الاختبار حالة نسيان كامل للقرآن الكريم، مما دفع الجميع للتعاطف معها، وشجعتها لجنة التحكيم وشدت من أزرها وطمأنتها بأن هذا أمر طبيعي، وبشرتها بأن الله يدخر لها فوزًا أعظم. المستشار إبراهيم بوملحه يكرم المتسابقة العراقية وأسرتها الشيخ علي الدليمي مع ابنتيه زينب وفاطمة بمعرض الصور الخاص بجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم