ما إن يحل الصيف ويكتوى الجميع بلهيب موجاته الحارة، حتى يحن الناس إلى الشتاء ودفئه، وشتان بين موجة برد أو دور إنفلونزا يُعرقل خروجك من المنزل ليوم أو يومين، وبين موجات حارة متوالية تؤثر فى "حرارة عقلك" وتعيق أداء عملك.. لذا، فلا غرابة أن نسمع كلمات مثل "مخى سايح" أو "مهنج" بلغة الكمبيوتر، من فرط الحرارة.. فهذه الكلمات اتضح أن لها أصلا علميا.. لكن.. كيف تؤثر حرارة الصيف على عقولنا؟ دراسة أمريكية فى جامعة هارفارد، تقول إن الموجات الحارة لها تأثير كبير على عمل الفرد وإنتاجه، إذ أنها تجعل تفكيره أبطأ مما يؤدى إلى فقدان التركيز وتشتت الانتباه. الدراسة تمكنت لأول مرة من رصد تأثير ضار للموجات الحارة حتى على الشباب، حيث أجريت على طلاب يقيمون فى مساكن غير مزودة بأجهزة لتكييف الهواء أثناء موجة صيفية حارة، حققوا نتائج أقل بنسبة 15% فى اختبارات على مهارات الإدراك لمدة أسبوع تقريبا، مقارنة بطلاب مقيمين فى مبان مكيفة. وقدمت الدراسة تبريرا علميا لتراجع معدل أداء ومهارات الناس فى الطقس شديد الحرارة، مشيرة إلى أن السبب قد يكون قيام الجسم بسحب الدم من مناطق معينة فى المخ وهو يحاول خفض درجة حرارته. هذه النتائج تعد إضافة مهمة، لأن معظم الدراسات السابقة المتعلقة بالطقس شديد الحرارة كانت تركز فقط على المعرضين لخطر الموت وهم الأطفال الصغار أو كبار السن، فى حين أن الملايين يتأثرون بالموجات الحارة. بالطبع، قد يكون النوم خلال الموجات الحارة مهمة مستحيلة، فتجد نفسك فى بحث دائم عن وسائل لتعديل الحرارة والحصول على نسمة هواء، بما فى ذلك استخدام المروحة أو التكييف طوال الليل.. وقبل أن تفكر فى "تركيز " هواء المروحة أو موجات التكييف الباردة نحوك وأنت نائم، عليك أن تعلم أن المروحة قد تسبب مشكلات صحية مثل الحساسية، والربو، والتهاب العضلات، لأنها تؤدى الى إثارة الغبار فى الغرفة، وتُخفض درجة الحرارة إلى مستويات قد تكون مُضرة.. لكن هل يعنى ذلك التخلى عن المروحة أو جهاز التكييف للاستمتاع بنوم هادئ، والذى يصبح مهمة مستحيلة فى الطقس الحار؟ الدكتور لين هوروفيتز، أستاذ أمراض الرئة فى مستشفى لينوكس هيل بمدينة نيويورك يرى أن المروحة ليست بهذه الخطورة إذا ما اتبعت بعض الخطوات لتجنب مخاطرها، وإن كان يوضح أولا أن أى شيء يتسبب بحركة هوائية سريعة، مثل المروحة، من شأنه أن يؤدى لجفاف الفم وممرات الأنف، مما يسبب الإزعاج، وخصوصا لمن يعانون من الحساسية. ويشرح بعض الأمور التى قد تجنبك الآثار الضارة للنوم أمام المروحة، أهمها أن تجعلها على مسافة آمنة من سريرك، وألا تكون موجهة إليك مباشرة، وأن تواظب على غسل الجيوب الأنفية بالرذاذ الملحى يوميا، للمساعدة فى علاج الممرات الأنفية الجافة، والاحتقان، بالإضافة إلى شرب كمية كبيرة من المياه. تبقى مشكلة، أن الهواء البارد يسبب تقلصات فى العضلات، وأن التعرض له ليلا يؤدى إلى تصلب العنق فى الصباح، هذه المشكلة قد تكون أكبر عند تشغيل أجهزة التكييف طوال وقت النوم أكثر من المراوح، ولتجنب ذلك، يجب ألا يكون الهواء موجها عليك مباشرة، وألا تقل درجة الحرارة عن 18 20 درجة مئوية، وهو المعدل الطبيعى لنوم الإنسان. والسؤال المهم هنا.. هل جهاز التكييف ضار بالصحة؟ لا يمكن القول إن المكيفات غير ضارة، وينصح الخبراء بألا يزيد الفرق فى درجة الحرارة داخل المكان وخارجه فى وجود مكيف عن 6 درجات مئوية، سواء كان المكيف فى المنزل أو فى السيارة أو فى المكتب، وإلا فإن الفروق الكبيرة فى درجات الحرارة أثناء التنقل بين الداخل والخارج قد ترهق الجسم وتؤثر فى الدورة الدموية. صحيح أن جهاز تكييف الهواء ينتج هواء باردا، لكن الجهاز نفسه يصبح ساخنا أثناء تشغيله، كما أنه يسحب الرطوبة من الهواء، وبالتالى فإن سخونة الجهاز ورطوبته توفران ظروفا مثالية لنمو الفطريات والبكتيريا والفيروسات. وكانت دراسة نشرتها مجلة "لانسيت" الصحية الشهيرة فى عام 2003 حول المعالجة الإشعاعية لأنظمة تكييف الهواء الملوثة فى مكاتب الشركات، تم خلالها باستخدام الأشعة تدمير الجراثيم الموجودة فى مكيفات الشركات بالكامل تقريبا، ورصدت النتائج أن موظفي هذه الشركات التى شملتها الدراسة أصبحوا بعد ذلك أقل مرضا، ما يعنى أنه لولا مثل هذه المعالجات لأجهزة التكييف لانتشرت الآفات فى الأماكن المكيفة وازدادت أمراض الجهاز التنفسى.. لذا، فإن الصيانة الدورية للمكيفات إجبارية، ويجب أيضا استبدال مرشحات الهواء الموجودة فيها بانتظام. بقى أن تعرف أن أكثر أنواع المكيفات تأثرا بالتلوث الميكروبى هى أجهزة تكييف الهواء فى السيارات، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال الشعور برائحة عفنة عند تشغيل السيارة. الخلاصة أنه لا نوم آمنا 100%، أو حتى اقتصاديًا في ظل هواء "مُصطنع".. كفاية الدنيا حر!