قال حمادة إسماعيل شعبان، مدرس اللغة التركية بجامعة الأزهر، والباحث في الشئون التركية، إن الانتخابات التي جرب بتركيا، الأحد، كشفت هشاشة قوى المعارضة، أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم، بقيادة الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، فضلًا عن أنها أظهرت قوة الأكراد، حيث حصل مرشحهم صلاح الدين تميرتاش على نسبة مقبولة في الانتخابات، بالنظر إلى أنه خاض الانتخابات من المعتقل، الذي دخله بناء على اتهامات من الحكومة التركية بأعمال تتعلق بالإرهاب، كما أن حزب الشعوب الديمقراطية المحسوب على الأكراد، نجح في تخطي عتبة ال 10%، والتي سمحت له بالحصول على مقاعد في البرلمان الجديد. ثقافة سياسية لم ترق لمصاف الدول المتقدمة وأضاف في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، أن الدروس المستفادة من هذه الانتخابات، تتمثل في أن تركيا، بالرغم مما شهدته من تطورات اقتصادية، وتأثير في الساحة الدولية والإقليمية في الخمس عشرة سنة الأخيرة، لا تزال حتى الآن في ثقافتها السياسية لم تصل بعد إلى مصاف الدول المتقدمة التي تحكمها سياسات ولا يحكمها أشخاص، وقد ظهر هذا جليًا في قضية اللاجئين السوريين، سواء في اتفاقية "داود أوغلو" التي وقعها مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، أو في الانتخابات الأخيرة، وحملات المرشحين الذين اختلفوا في خطاباتهم عن موقفهم من اللاجئين وتحديدًا السوريين، مضيفًا أنه في حين أعلن أردوغان الإبقاء عليهم في البلاد، أعلن منافسه من حزب الشعب الجهوري، "محرم إينجه"، أنه سيعيدهم إلى بلادهم مرة أخرى، كما أكدت "ميرال أكشنار" مرشحة حزب الخير اليمين المتشدد، أن أول عمل ستقوم به إن فازت في الانتخابات هو إعادة السوريين إلى بلادهم. عدم وعي سياسي في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين وأوضح حمادة إسماعيل شعبان، أن قضية اللاجئين السوريين، ليست قضية بسيطة أو صغيرة بل أزمة إنسانية عالمية يعاني العالم كله منها، وينبغي أن تحكمها سياسات ثابتة أو متغيرة تغيرات طفيفة، وليس تغيرات جوهرية من الضد إلى الضد، وأن الأمر ذاته في قضية التعليم التي تعتبر من أهم قضايا الأمن القومي، تعامل معها المرشحون بعدم وعي، وعدم مراعاة لطوائف الشعب المختلفة، ففي حين أعلن "محرم إينجه"، أنه سيقوم بعملية تغيير شاملة في النظام التعليمي سيتحول بموجبه إلى تعليم علماني، أهمل من جهة أخرى طمأنة الشعب على وضع التعليم الديني في البلاد، حيث مدارس الأئمة والخطباء وكليات الإلهيات في الجامعات المختلفة، بالرغم من أنه خطيب مفوه وسياسي قوي في حزبه، ويوصف بأنه من العلمانيين المعتدلين. وأشار أيضًا إلى موضوع النظام السوري، والتعامل معه، مؤكدًا أن هناك تناقضًا كبيرًا بين المرشحين للرئاسة، ففي حين أعلن "أردوغان" مقاطعته، أكد كل من "إينجه" و"أكشنار" إقامة علاقات طيبة معه، كذلك أيضًا النظام البرلماني والرئاسي كان محل تناقض كبير بين المرشحين، ففي حين أعلنت "أكشنار"، و"إينجه" إلغاءه، أكد تحالف الشعب ومرشحه الحفاظ عليه باعتباره مستقبل الحياة السياسية في البلاد. سذاجة المعارضة دفعتها للتفكير في إزاحة أردوغان فقط دول حلول إصلاحية حقيقية وأوضح، أن الفجوة كانت شاسعة بين جميع المرشحين بصورة واضحة، لدرجة تشعر أنه لم يكن هناك وجه شبه بين بعضهم بعض، ولا نقاط اتفاق، وأن التغيير سيكون جذريًا، وأن تركيا دولة الفرد الواحد والحزب الواحد، وهو الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على نتائج الانتخابات. وأكد الباحث المتخصص في الشئون التركية، في تصريحاته ل"بوابة الأهرام"، أن الانتخابات التركية كشفت أن المعارضة القوية هى المعارضة الواثقة من نفسها، والمستعدة دائمًا لتولي المسئولية في أي وقت، وتعرض برامجها القوية التي تجذب الناخب إليها، وأن تكون برامجها وخططها قائمة على مصلحة شعبها، وليس من أجل إزاحة فرد، أيًا كانت قوته، مشيرًا إلى أن هذا ما وقعت فيه المعارضة التركية التي وضعت نصب أعينها إزاحة "أردوغان" من السلطة كهدف أساسي، ومن ثم تحالف المختلفون حول هذا الأمر، وبحثوا في جعبتهم عن بديل ل"أردوغان" فلم يجدوه إلا في "عبدالله جول"، الذي هو و"أردوغان" قد خرجا من عباءة واحدة، يحملان نفس التوجه ونفس الأيديولوجية، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، مضيفًا أنه لو رجعنا إلى الماضي عشرين عامًا، واقترح أحد من حزب الشعب الجمهوري التحالف مع حزب السعادة، أو غيره من الأحزاب التي تحمل نفس الأيديولوجية، لقيل عنه مجنون، وبهذا كتبت المعارضة وثيقة إخفاقها، وأرسلت إلى شعبها برسالة أننا نتحالف ليس من أجل مصلحتكم ولكن من أجل خصومة سياسية، وأن المعارضة لو كانت قد استفادت من الانتخابات الرئاسية الماضية التي دفعت فيها ب"أكمل الدين إحسان أوغلو" الأقرب فكريًا لأردوغان وحزبه، من قربه للأحزاب التي قامت بترشيحه، لكانت نتائج الانتخابات الحالية قد تغيرت تمامًا. لذلك نستطيع القول بكل ثقة أن هشاشة المعارضة وضعفها هما السبب الرئيس في فوز العدالة والتنمية. قوة الأكراد وأشار مدرس اللغة التركية، إلى أن الانتخابات كشفت قوة الأكراد في تركيا، وقوة حزب الشعوب الديمقراطية الذي استطاع تجاوز نسبة العشرة في المائة، ودخوله البرلمان للمرة الثانية على التوالي، موضحًا أن الحزب المعارض والممثل للأكراد، تفوق ومرشحه للرئاسة صلاح الدين تميرتاش، في الولاياتالجنوبية بنسب كبيرة عن أقرب المنافسين له وهو العدالة والتنمية الحاكم، ففي ولاية "وان" حصل "تميرتاش" على 57% مقابل 36% لأردوغان، وفي "ديار بكر" حصل "تميرتاش" على 63% مقابل 27 لأردوغان، وفي "شيرناق" 71% لتميرتاش مقابل 21% لأردوغان، وكذلك في ولايات "ماردين"، و "إغدير". وأضاف، أن حوالي 50 مليون ناخب تركي، قد توجه أمس، الأحد، إلى 180 ألف صندوق انتخابي للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة، التي دُعي لخوضها قبل موعدها المحدد بعام ونصف، وأنها الانتخابات الأولى في تاريخ الحياة السياسية التركية التي يُسمح فيها بتحالفات حزبية لخوض الاستحقاق الانتخابي. خريطة التحالفات الانتخابية وأوضح، أن التحالفات الانتخابية تمثلت في تحالف الشعب، وهو الأقوى، ويضم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية، ويمثلان اليمين المحافظ بجناحية الإسلامي والعلماني، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الكبير ذي الخلفية الدينية، بالإضافة إلى تحالف الأمة الذي يشمل أكبر حزبين معارضين هما الشعب الجمهوري، وحزب إيي (حزب الخير)، ويحويان تيارات أيديولوجية قومية وعلمانية وتوجهات ليبرالية يمينية، بالإضافة إلى حزب السعادة الممثل لتيار الفكر الوطني، والحزب الديمقراطي. وأكد، أنه تنافس في انتخابات الرئاسة ست مرشحين، ثلاثة منهم ترشحوا عن أحزابهم، وثلاثة عن طريق جمع 100 ألف توقيع، وهم "أردوغان" مرشح تحالف الشعب، و"محرم إينجه" مرشح حزب الشعب الجموري، و"ميرال أكشينار" مرشحة حزب إيي "الخير"، و "صلاح الدين تميرتاش" مرشح حزب الشعوب الديمقراطية، و"تمل قاره ملا أوغلو" مرشح حزب السعادة، و"دوغو بارينجاك" مرشح حزب الوطن. أما في الانتخابات البرلمانية، فأكد أنه تنافس فيها إحدى عشر حزبًا، أهمها تحالف الشعب وأحزابه الثلاثة "العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير"، في قائمة موحدة يتنافسون على 600 مقعد برلماني، أمام تحالف الأمة الذي يضم أحزاب "السعادة، الشعب الجمهوري، وحزب إيي "الخير"، والحزب الوطني"، في حين خاض حزب الشعوب الديمقراطية الانتخابات البرلمانية بقائمة خاصة به، وأن هناك أحزابًا أخرى مثل حزبي الوطن، والدعوة الحرة. الانتخابات التركية تختلف عن سابقتها وأكد حمادة إسماعيل شعبان، في تصريحاته ل"بوابة الأهرام"، أن هذه الانتخابات تختلف عن غيرها من جميع الانتخابات السابقة، حيث إنها الأولى بعد التعديلات الدستورية التي حولت تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، يكون رئيس الجمهورية فيه هو رئيس الحكومة، على أن يختار جميع وزرائه من خارج البرلمان، وإذا وقع الاختيار على أحد أعضاء البرلمان فيجب أن يستقيل قبل تولى الوزارة، وبذلك يعتبر منصب رئيس الوزراء قد ألغي تمامًا في البلاد، مضيفًا أن النظام الرئاسي يسمح لرئيس الجمهورية الحق في إعلان حالة الطوارئ، والموافقة على الاتفاقيات الدولية مع الدول الأخرى، وتعيين نواب له، إضافة إلى رؤساء الجامعات، والمناصب العليا في السلطة التنفيذية. وأضاف، أن النظام الجديد يلغي المحاكم العسكرية، ويسمح لرئيس الجمهورية بتعيين أربعة قضاة من ثلاثة عشر قاضيًا في أعلى هيئة قضائية في البلاد، كما يحق للبرلمان محاسبة رئيس الجمهورية، ونائبه، ووزرائه، وهو ما لم يكن في النظام البرلماني السابق الذي لم يكن الرئيس فيه تحت طائلة المحاسبة إلا في حالة الخيانة، وأنه بسبب هذه الصلاحيات الكثيرة لمنصب رئيس الجمهورية، اكتسبت الانتخابات الرئاسية أهمية أكبر في تركيا من الانتخابات البرلمانية، ولذلك تنافست عليها الأحزاب بقوة وشراسة منذ إعلانها وحتى انتهائها، والذي يبدو أنه لن يمر مرور الكرام في أحزاب المعارضة التي ظهر بوضوح هشاشتها في مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم. تلاعب بالنتائج واتهامات بالتزوير وأوضح، أنه تم إغلاق الصناديق في الساعة الخامسة مساءً، وبدأت عملية الفرز على الفور، وقامت وكالة الأناضول للأنباء بنشر النتائج أول بأول، وقد انتقدت أحزاب المعارضة النتائج التي عرضتها الوكالة التركية الرسمية، وتليفزيون (TRT) الحكومي، وذلك فقًا لبعض الصحف والمواقع التركية، حيث اتهمهما حزب الشعب الجمهوري بالتلاعب بالنتائج، وأنهم بدأوا بعرض نتائج الأماكن التي صوتت بكثرة للحزب الحاكم ومرشحه، وأن الحزب طالب مندوبيه في اللجان بعدم مغادرة اللجان وترك الصناديق أيًا كانت الظروف، وأن الأمر ذاته قام به حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، وحزب إيي "الخير"، وأن "أيخون بيلجن" انتقد انقطاع الكهرباء في مدينة "قارس" أثناء فرز الأصوات، كما أدلى "كمال قليجدار أوغلو" بتصريح أمام المقر الرئيسي لحزبه بعد إغلاق الصناديق شكر فيه جميع من أدلى بصوته في الانتخابات، وطالب بعدم ترك الصناديق إلا بعد الفرز وكتابة المحاضر، داعيًا القائمين على عملية الفرز بالحيادية، وفرز الأصوات بدقة ووضوح، معربًا عن ثقته في غد أفضل لتركيا. مشاهد من الانتخابات وألمح، إلى أنه بعد البدء في الفرز، أخذ أنصار الأحزاب يتابعون نتائج الفرز أول بأول على الشاشات، وعبر المواقع الإخبارية، وقد نشرت بعض الصحف التركية احتفالات أنصار حزب الحركة القومية أمام المركز العام للحزب في أنقرة بمجرد إعلان تجاوز الحزب لعتبة العشرة في المائة، والتي ستجعله يدخل البرلمان،. كما وجهوا انتقادات لحزب الشعب الجمهوري، متهمين إياه بمساعدة حزب الشعوب الديمقراطية على تجاوز عتبة العشرة في المائة، ودخول البرلمان، أما أنصار حزب الشعب الجمهوري فقد تجمع عدد كبير منهم أمام المقر العام للحزب، وأخذوا يتابعون النتائج، رافعين شعار "سنقاوم وسننتصر"، منتظرين قدوم "محرم إينجه" الذي أعلن أنه لن يتحدث إلا بعد إعلان اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية. ولفت، إلى أنه في شوارع مدينة "ديار بكر" جنوبتركيا تجمع أنصار حزب الشعوب الديمقراطية للاحتفال بتجاوز حزبهم عتبة العشرة في المائة، ودخول البرلمان، وفي مدينة "نيده" وسط الأناضول شب حريق في الطابق الأرضي في المحكمة المخصصة للجنة الانتخابات في المدينة، وذلك أثناء فرز الأصوات، وأنه جرى استدعاء فرق الإطفاء إلى مقر المحكمة، كما ذكرت صحيفة "يني شفق" أن "محمد صادق دورماز" أحد أعضاء حزب إيي "الخير"، قد قتل ومعه اثنان آخران في معركة بالأسلحة النارية اندلعت خارج مركز اقتراع في ضاحية "كاراكوبان" بولاية "أرضروم"، وأن رئيس الوزراء "بن علي يلديرم" أكد، أن هذا الحادث لا علاقة له بالانتخابات، كما ذكرت إحدى وكالات الأنباء الكردية، أن أحد نواب العدالة والتنمية قد اعتدى على موظفي مركز اقتراع في مدينة "سروج" ذات الغالبية الكردية. وقد فاز الرئيس الحالي "أردوغان" بالرئاسة بنسبة تزيد عن 52%، مقابل ما يقرب من 31% لمحرم إينجه، و8% لصلاح الدين تميرتاش، و7% لمرال أكشينار، أما في الانتخابات البرلمانية فقد تصدرها تحالف الشعب بنسبة 53%، يليه تحالف الأمة بنسبة 34%، كما استطاع حزب الشعوب الديمقراطية تجاوز نسبة العشرة في المائة.