كثيرون لا يعلمون أن مدينة بورسعيد التى تعانى حاليًا من حالة اضطهاد تسببت فيها مجزرة مباراة كرة القدم التى أقيمت بين ناديي الأهلى والمصرى البورسعيد، إحدى أهم المدن التى انتصرت لها السينما بل وقد تكون هى ثانى مدينة تقدم لها السينما أفلامًا باسمها بعد القاهرة، التى قدم لها نجيب محفوظ روايته الشهيرة "القاهرة 30" وصورتها السينما فى واحدة من روائعها، إذ قدمت السينما فيلما من إنتاج وبطولة النجم الكبير الراحل فريد شوقى وهو "بورسعيد" عام 1957. فيلم "بورسعيد - المدينة الباسلة" للمخرج عز الدين ذو الفقار عرض في 8 يوليو عام 1957 بسينما ريفولي، أي بعد جلاء العدوان الثلاثي على مصر في 23 ديسمبر 1956 بأقل من 7 أشهر. وقد صورت مشاهد الفيلم الخارجية في أماكنها الطبيعية في مدينة بورسعيد الباسلة سواء في وقت العدوان أو عقب الانسحاب كما كانت مشاهده الداخلية في ستوديو مصر، وكان الفيلم "سكوب" أسود وأبيض ومدة عرضه علي الشاشة 130 دقيقة، وتم بإشراف وربما بتكليف مباشر من رأس الدولة حيث اجتمع جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات مع فريد شوقي وتم الاتفاق على صناعة الفيلم. بدأ فريد شوقي إنتاج الفيلم في نهاية عام 1956 من خلال شركته (أفلام العهد الجديد) وأشرف علي الإنتاج المنتج والمخرج المعروف حلمي رفلة، وبلغت تكاليف إنتاجه حوالي 35 ألف جنيه واشترك في الفيلم عدد كبير من نجوم الخمسينات من بينهم: فريد شوقي، هدى سلطان، ليلى فوزي، شكري سرحان، زهرة العلا، أمينة رزق، حسين رياض، زينب صدقي، رشدي أباظة، توفيق الدقن، عدلي كاسب، نعيمة وصفي، نور الدمرداش، سراج منير، أحمد مظهر الذي كان في أدواره الأولي وعز الدين ذو الفقار. وقد أهدى فريد شوقي نسخة من الفيلم إلى الرئيس جمال عبد الناصر وكتب فريد شوقي رسالة إلى "زعيم الحرية جمال عبدالناصر" نشرتها جميع الصحف حينها بنفس العنوان قال فيها: إن اللحظات التاريخية التي اجتازها شعب مصر خلال العدوان الثلاثي الغاشم أثبتت للعالم أننا شعب مجيد، قاوم بربرية المستعمرين ببسالة، وسطر في التاريخ بنصره أروع مواقف البطولة، وهو يكافح من أجل القيم الإنسانية والحضارة والمستقبل، ومن أجل أن يسود السلام والحرية والطمأنينة والخير. والفن المصري الذي كان مجرد وسيلة للتسلية في العهود البائدة، التي ساندت الاستعمار ضد الشعب، عرف دوره في هذه المعركة الوطنية فساهم في صناعة الساعات التاريخية بما وسعه الجهد، من أجل انتصار الإنسانية على البربرية، وانتصار الخير على الشر، وانتصار الحرية على الاستعمار.. كان هناك دور ينتظر الفن، دورًا أكبر مما قام به خلال المعركة وهو يسجل وحشية المستعمرين وبربريتهم وخستهم وفظائعهم.. قررت أن أنتزع للفن شرف القيام بهذه المهمة الجليلة، فأنتجت فيلم بورسعيد؛ الذي أقدمه اليوم مسجلاً فيه ما ارتكبته قوى البغي والعدوان من همجية وبربرية ووحشية. إن فيلم بورسعيد سيقول للعالم الحر المؤمن بحق الإنسان في أن يعيش في سلام، بأنه رغم ما ارتكبته قوات الاستعمار الغاشم في المدينة الباسلة بورسعيد، إلا أنها عاشت لتعلن العالم أن الحرية ستنتصر في النهاية.. إننا نؤمن اليوم بأن الفن رسالة ضخمة في الطريق الذي تسعي إليه البشرية من أجل اقرار السلام والحب والطمأنينة والخير، ولهذا جندنا كل قوانا ومواهبنا لتحقيق هذا الهدف السامي. وأخيرًا أرجو أن أكون قد أديت بهذا الفيلم بعض ما ينبغي أن اقوم به كمواطن مصري يؤمن بالحرية وحق الشعوب في أن تعيش حرة كريمة آمنة. هذه الرسالة المعبرة كتبها فريد شوقى منذ أكثر من 50 عاما، ليعبر عن دور هذا الشعب البورسعيدى الذى يتعرض للظلم حاليا، بل إن الرئيس السادات كتب بنفسه مدونا بخط يده مقدمة فى كتيب الفيلم. ويبدو أن ما تعيشه بورسعيد حاليا يحتاج إلى مبادرة مثل التى قام بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عندما أوعز إلى عامر والسادات بضرورة أن يكون للسينما دور فى هذه الحرب الدائرة على أرض بورسعيد، بل وأن يكون لمدينة بورسعيد الباسلة نوع خاص من الاحتفاء والتكريم، ومن هنا اقترحوا أن يقوم النجم الأكثر شهرة وحبا بين الجماهير آنذاك والمسمى "ملك الترسو" بالإشراف وبطولة الفيلم. ظل فريد شوقى حتى رحيله يفتخر بأنه قدم هذا الانجاز السينمائى الكبير، فلم يخل حديث له عن تجربته فى صناعة عمل سينمائى لشعب باسل. هذا الشعب الذى ظلمته كرة القدم وظلمته البلطجة والفلول يحتاج إلى مبادرة كتلك التى قام بها بعض الفنانين مثل محمد رياض والمخرج سمير العصفورى للتعبير عن تضامنهم مع شعب بورسعيد، بل يحتاج لحملات إعلامية ودعم من نوع خاص ليس كتلك الحملات المغرضة التى يقوم بها الإعلام الرياضي بل حملات تعرف هذه الأجيال بقيمة هذه المدينة وهذا الشعب. هذه المدينة التى نشأ فيها فنانون كبار أمثال الفنان الكبير محمود ياسين والمخرج سمير العصفوري.. وقد حكى لى الفنان محمود ياسين الكثير عن هذه المدينة وكيف كان والد المخرج سمير العصفورى يمتلك مجمعًا مدرسيًا خاصًا، وكان ياسين يتعلم فيه، وكيف كان أهالي بورسعيد يعيشون تحت غطاء المحبة، لأن الحروب التى تعرضوا لها جعلتهم يتعلمون كيف يصبحون يد واحدة وأسرة واحدة.