أربعون عامًا بالتمام، هو العمر الفني الذي أمضته الفنانة الكبيرة شادية لرسم أيقونة "الدلوعة"، منذ انطلاقتها الفنية في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، وبالتحديد في ظهورها الأول مع محمد فوزي في فيلم "العقل في أجازة" عام 1947م، وحتى اعتزالها، بعد أن شدت برائعتها الدينية "خد بإيدى" في احتفال الإذاعة بالليلة المحمدية عام 1987م. وعلى مدى عقود، نجحت شادية في رسم صورة الفنانة الشاملة، تمثيلا وغناءً، لدرجة حار معها النقاد والجمهور، هل تألقت الممثلة على حساب المطربة في السينما، أم انتصرت المطربة على الممثلة في المسرح، ففي كل تفوقت شادية على نفسها لتقديم روائع خالدة يفخر بها الفن . لكن المسيرة الغنائية لشادية قد مرت بعدة مراحل، عكف على تشكيلها عظماء الملحنين، الذين أدركوا القدرات الصوتية لها، واستغلوا طاقتها الكامنة بدرجة أفضت في نهاية المطاف، لأن تكون شادية هي "صوت مصر" الخالد بين بنات جيلها من مطربات زمن الفن الجميل . 1 محمد فوزى لقد حتم الظهور الغنائي لشادية في نهاية الأربعينيات في عصر طغى فيه الأوبريت، والفيلم الاستعراضي على الأغنية الكلاسيكية التطريبية، أن تصبح مطربة الأغنية القصيرة الرشيقة بلا منافس، وكان ظهور شادية إلى جانب الموسيقار محمد فوزي، وهو فارس من فرسان الأغنية الاستعراضية في الأربعينيات والخمسينايت كفيلاً بتوجيهها إلى ذلك، ولا أدل على ذلك من اشتراكها في البطولة الغنائية لفوزي في 4 أفلام هي "العقل في أجازة" و"صاحبة الملاليم" و"حمامة السلام" و"الروح والجسد" بين عامي 1947 و1949م. أراد فوزي أن يغير الواقع الموسيقى بألحانه المتجددة، التي تجمع بين الإيقاع الراقص المنفتح على الموسيقى العالمية دون الإخلال بالنزعة الشرقية، ولعل أبلغ دليل على هذا أوبريت "الربيع"، والتى تقول كلماته "الحب له أيام وله شهور ومواسم.. بين صيف وشتا ياغرام.. ييجى الربيع الباسم" من كلمات أبو السعود الإبياري، حيث غنت شادية بمشاركة فوزى وإسماعيل يس من فيلم الروح والجسد عام 1948. 2 منير مراد لم يبلغ أحد من الملحنين الذين تعاملت معهم شادية ما بلغه منير مراد، ولا أدل على ذلك التعاون الفنى من عدد الأغنيات التى جاوزت 500 أغنية، مما يعكس مدى تفهم منير مراد لطبيعة صوت شادية، وكيفية استغلال كامل طاقته الموسيقية، بدأ التعاون بأغنية "واحد اتنين" من فيلم ليلة الحمنة عام 1951من كلمات أبو السعود الإبيارى. وفى عام 1953، شاركت شادية فى بطولة أول أفلام منير مراد "انا وحبيبى"، وهو نفس عنوان الدويتو الشهير التى غنته مع منير "أنا وحبيبى.. ومحدش قدي.. والدنيا ديه على قده وقدى" من كلمات جليل البنداري. غير أن الرعاية الفنية التى أولاها منير مراد لشادية، لم تكن لتكتمل دون معاونة فرسان الأغانى المرحة التى تتناسب مع صوت شادية، فتنقلوا بين كلمات أبو السعود الإبيارى، وفكهانى الكلمات فتحى قورة، والناقد الفنى والصحفى الكبير جليل البندارى. تمخض عن هذا التعاون الفنى، العديد من الأغانى القصيرة والناجحة، مثل "يا دبلة الخطوبة، ألو ألو.. احنا هنا، شبك حبيبى.. شبك قلبى وشبك روحى، مش قولتلك يا قلبى.. مش قولتلك يا عينى.. يا سارق من عينى النوم، أوعى تسيبنى.. دور عليه تلقاه.. دور عليه دور، يا دنيا ذوقوكى بالفرح والهنا، القلب معاك ثانية بثانية، يا حبيبى عودلى تانى.. خلى عينى تشوف مكانى، إن راح منك يا عينى.. هيروح من قلبى فين"، وغيرها العديد من الأغانى. ظل هذا التعاون الفنى قائمًا بين شادية ومنير والشعراء الثلاثة، طيلة فترة الخمسينيات، وخلال فترة الستينايت انتقل إلى فارس آخر من فرسان الأغنية، هو الشاعر حسين السيد ، فغنت من كلماته وألحان منير مراد بعض الأغانى، التى حققت نجاحا كبيرا، مثل "خمسة فى ستة بتلاتين يوم"، و"فارس أحلامى"، و"حاجة غريبة" مع العندليب الأسمر فى فيلم معبودة الجماهير. 3 محمود الشريف ومن بين عظماء الملحنين الذين قاموا برعاية صوت شادية في مرحلة صباه المبكر، ملحن الشعب، محمود الشريف، فقد تميز هذا الموسيقار القدير بالخط الموسيقى الشعبى المحبب، وهو ما توافق مع صوت شادية المرح، الذى لا يخلو من خفة ظل "أبناء البلد"، مثل أغنية "حبينا بعضنا"، و"الهوا ما لوش دوا"، كما شدت له فى فيلم "لحن الوفاء" عام 1953، بأغنية "شبكت قلبى وروحى وعينيا.. عقبال ما تشبك كمان إيديا". 4 رياض السنباطي إمبراطورالقصائد العربية، رياض السنباطى، كان له منطقه الموسيقى الخاص للتعامل مع صوت شادية، فظهر بشكل مغاير عن ألحان تلك القصائد والأغانى العاطفية التى لحنها لسيدة الغناء العربى أم كلثوم، التى تمتاز بالقوة والفخامة، ويبدو ذلك واضحًا من الأغاني المرحة التى لحنها السنباطى لشادية مثل "أحب الوشوشة.. أنا وأنت لوحدنا.. ولاحدش فى الهوا له حاجه عندنا"، و"3 شهور ويومين اتنين.. ونصف ساعة ودقيقتين"، من فيلم "ليلة من عمرى" عام 1954. غير أن التعاون بين السنباطى وشادية قد بلغ مداه حين لحن له أوبريت "لحن الوفاء"، والتى شاركها الغناء فيه العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ومن كلمات الشاعر السكندرى الكبير محمد على أحمد، وقد سُمى الفيلم باسم الأغنية. وضع السنباطى لهذه الأغنية مقدمة موسيقية رائعة، قبل أن يشرع فى تلحين الأوبريت الغنائى الذى تنقل فيه السنباطى ببراعة شديدة بين المقامات الموسيقية، مستغلا الإمكانات الكبيرة لصوتى "العندليب" و"الدلوعة". 5 محمد عبدالوهاب شكل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، محطة هامة فى المسيرة الفنية لشادية، فى وقت كان فيه التعاون مع عبدالوهاب بمثابة تأشيرة نجاح، وعبور لعالم الموسيقى والغناء. وبالفعل حققت شادية نجاحًا كبيرًا حين لحن لها عبدالوهاب أغنية "أحبك.. أحبك.. وأضحى لحبك بأعز الحبايب" خلال الخمسينيات. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت شادية قاسمًا مشتركًا فى نجاح الأوبريتات الوطنية التى لحنها عبدالوهاب خلال فترتى الخمسينيات والستينيات، مثل "قولوا لمصر تغنى معايا فى عيد تحريرها، وطنى الأكبر، الجيل الصاعد، صوت الجماهير"، وقد كان لهذه الأغانى أكبر الأثر فى مسيرة الغناء الوطنى لدى شادية فيما بعد. 6 فريد الأطرش لا يمكن فصل التعاون الفنى بين شادية وفريد الأطرش، عن تلك العلاقة العاطفية الملتهبة بينهما خلال تصوير فيلمى "ودعت حبك" و"أنت حبيبى"عام 1957، وفى نهايتها شدى فريد الأطرش برائعته الخالدة "حكاية غرامى". وخلال الفيلمين، غنت شادية من ألحان الأطرش لعدة شعراء تعاونوا كثيرا مع فريد مثل أنور عبدالله فى أغنية "يا مجربين الهوا.. العشق سر إيه"، ومحمود فهمى إبراهيم فى أغنية "يكونش ده اللى اسمه الهوا"، و"زينة"، وغنت من كلمات فتحى قورة مع فريد الأطرش الدويتو الشهير "يا سلام على حبى وحبك". 7 بليغ حمدى أبحر صوت شادية مع ألحان بليغ حمدى، كما لم يبحر مع أحد غيره، فتنوع العطاء الغنائى بين العاطفى، والشعبى، والوطنى، وفى كل بلغ الثنائى قمة المجد الفنى. شكلت أغنية "آه يا اسمرانى اللون" 1966، والتى كنبها الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، باكورة التعاون الفنى بين بليغ وشادية، وكانت شادية قد صامت فنيًا عن الغناء قبل ذلك بعامين، فضمنت تلك الأغنية لها عودة قوية إلى الساحة الغنائية. هنا عزف بليغ على وتر "الحس الشعبي" لمصريين، فوضع لها عدة أغانٍ عاطفية لامست مزاج المصريين، مثل "حبة حبة يا حبيبى"، "الحنا يا حنا.. يا قطر الندى"، "معلش النوبة دي"، "رنة قبقابي". لكن بليغ لم يقف عند هذا الحد مع شادية، فوضع لها الموسيقى التصويرية لفيلم "شيء من الخوف" عام 1969. أغانى "الغربة" كان لها نصيب وافر من الجهد الفنى لبليغ وشادية، وقد حققت نجاحًا باهرًا مثل أغنية "قولوا لعين الشمس" من كلمات مجدى نجيب، "قطر الفراق"، و"خلاص مسافر" من كلمات عبدالرحمن الأبنودى، و"آخر ليلة" من كلمات محمد حمزة. الرومانسية لم تغب عن ذلك التعاون بين شادية وبليغ، ولعل أشهر تلك الأغنيات "أنا ياروحى أنا"، وأغنية "عالى" من كلمات محمد حمزة"، و"ليلة سهر" من كلمات سيد مرسى . 8 – محمد الموجى فرض الموجى لنفسه خصوصية شديدة للتعاون مع شادية تميزه عن غيره، حيث بدأ إنتاجه اللحني مع شادية من خلال أغنية "شباكنا ستايره حرير". نافس الموجى تجربة شادية وبليغ، فوضع الألحان لأغنيات مثل "قالى الوداع"، و"غاب القمر يا ابن عمى"، مستغلا ظهور جيل جديد من شعراء الصعيد فى فترة الستينيات، من أمثال عبدالرحمن الأبنودى، وعبدالرحيم منصور، ومجدى نجيب، وهو ما جعل الأغانى العاطفية تفيض بالموروث الشعبى. لكن المزاج الموسيقى للموجى ظهر بوضوح من خلال أغانى مثل "التليفون"، والتى تقول كلماتها "مخاصمنى بقاله مدة.. وفى ليلة الشوق ندانى.. كلمته سمعت حسه، وقفلت السكة تانى"، فهذه الأغنية التى تدور فى فلك "القصة" سرعان ما حققت نجاحًا كبيرًا بفضل ألحان الموجى. تكنيك "صدى الصوت" الذى فرضه الموجى فى أغنية "بوست القمر" كان له أثر كبير فى نجاح تلك الأغنية. 9 كمال الطويل على الرغم من أن النتاج الفنى بين شادية وكمال الطويل لم يكن عامرا بالروائع مثل غيره من الملحنين، لكن أثر الطويل كان واضحا فى أغنية "قل أدعو الله إن يمسسك ضر.. ووجه ناظريك إلى السماء"، وهى أولى الأغنيات الدينية التى غنتها شادية، وهى من كلمات زكى الطويل، والد الملحن. وقد عكست هذه الأغنية ما تتمتع به شادية من طاقات موسيقية من خلال "المناجاة" التى تفرضها كلمات الأغنية وألحانها. لاحقًا غنت شادية من ألحان الطويل "وحياة عينيك وفداها عينيا" فى فيلم "الزوجة رقم 13"، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا. 10- خالد الأمير مع بزوغ نجم السبعينيات كان سلطان "الأغنية الطويلة" يفرض نفسه وبقوة على الساحة الغنائية، بفضل كبار نجوم زمن الفن الجميل مثل أم كلثوم، وعبدالحليم، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، وغيرهم، ما استلزم على شادية أن تتعاطى مع هذا التغيير، على الرغم من أنها ظلت طيلت 20 عامًا، تدافع عن الأغنية المرحة القصيرة. كان الموسيقار الشاب خالد الأمير، لا يزال يخطو أولى خطواته فى عالم التلحين، وكان قدر هذا الملحن أن يولد كبيرا، حين قررت شادية أن تغنى له أغنية "اتعودت عليك يا حبيبى" لتبدأ مسيرتها مع الأغانى الطويلة. وطيلة فترة السبعينيات غنت له شادية أشهر أغانيها العاطفية الطويلة مثل "الحب الحقيقى" و"أما عليك يا حبيبى كلام".