بينما كانت أحداث يناير في 2011 تضع أوزارها، وتتلاشى إيذانًا بعصر جديد، وبينما كانت الصيغة الأسهل لتكوين الأحزاب هي الائتلافات والجبهات تجمع نفر من النخبة المصرية، وأسسوا حزبًا أسموه "المصريين الأحرار"؛ فيما يبدو كرد سريع ومباشر على تغول "جماعة الإخوان" في مشهد ما بعد يناير، وكان أن انضم عدد من الشخصيات لهذا الحزب من بينهم "محمد سلماوي" و"الغيطاني" و"هاني سري الدين" و"أحمد فؤاد نجم"، و"خالد يوسف" و"نحيب ساويرس: و"فاروق الباز". وبالفعل وافقت لحنة الأحزاب على التأسيس في أبريل عام 2011؛ كحزب ليبرالي كانت مصر في أمس الحاجة إليه، بعد وئد حزب "الوفد" الضال في أتون السياسة، برغم أنه كان هو الممثل الشرعي لليبرالية المصرية. وفِي أول انتخابات بعد التأسيس تحالف مع بعض الأحزاب فيما عرف ب"الكتلة المصرية" لمواجهة الإسلاميين، وحصل التكتل في انتخابات 2012 على 34 مقعدًا من أصل 498 أي نحو 7٪ غير أن الحزب أعلن عدة مواقف متميزة مبكرًا بعدم الترشح أو مساندة أي مرشح لانتخابات الرئاسة، والتي خاضها وقتها 13 مرشحًا، ثم أعلن انسحابه من الجمعية التأسيسية الأولى المكلفة بإعداد الدستور نتيجة انفراد "الإخوان" بأغلبية الجمعية التأسيسية. ثم اتخذ مواقف مهمة تجاه السلطة تعلن انحيازها للحرية والديمقراطية، وظل ينادي بوقف العنف.. وهكذا سجل الحزب مواقف متميزة جعلت الكثيرين يراهنون عليه لدرجة حصوله في انتخابات 2015 على 65 مقعدًا تحت شعار "المستقبل نصنعه معًا"، وكان الشعار اختيارًا ذكيًا يدعو للمشاركة بعد سنوات طويلة من احتكار الحزب الوطني ورفاقه العمل السياسي فيما يشبه الوصايا، وربما كان التمايز لأعضاء وبرنامج وممارسات الحزب، والحنين ل"الوفد" القديم قد أزعجت البعض ممن لا يريدون للتجربة الحزبية في هذا البلد أن يكتمل نموها؛ لتعيد للشارع اعتباره في صنع القرار، ويعيد للانتخابات معناها في التعددية، غير أن البعض عمد إلي الخلط بين مؤسس الحزب "نجيب ساويرس" والحزب كله، على الرغم من إصرار نجيب على عدم رئاسة الحزب، واكتفى بموقعه عضوًا في مجلس الأمناء؛ حيث تم انتخاب "أحمد سعيد" في 2013 ليكون أول رئيس منتخب، غير أنه استقال بعد عام لأسباب عائلية؛ ليشغل موقعه مؤقتًا "عصام خليل" حتى تم انتخابه للرئاسة. وخلال تلك الفترة الغامضة تسلل للحزب أعضاء ليس لهم علاقة بالليبرالية، ولا العمل السياسي البعيد عن أحضان السلطة، وكان أن راح فيروسه ينخر في الحزب - الذي كان الرهان عليه كبيرًا - ولم يعد في البرلمان أي معارضة منظمة ل"تكتل دعم مصر" لكي تظل التجربة الديمقراطية في هذا البلد تقف على رجل السلطة وحدها، وتم إعادة إنتاج منظومة الانشقاقات عبر الصراع بين "ساويرس" و"خليل"، وبالفعل انقسم الحزب لجبهتين الأولى لأنصار "عصام خليل"، والثانية من أنصار "ساويرس"، فيما شكل نكسة كبيرة، وتمت الإطاحة ب"ساويرس"، ووصف ذلك بأنه انقلاب غير مشروع، ودخل الفرقاء في جدل بين "قوة الشرعية" و"شرعية القوة". وتسللت نيران "المصريين الأحرار" لبعض الأحزاب الأخرى، ساهم في ذلك إرجاء انتخابات المحليات، وبالطبع توقف دعم "ساويرس" للحزب ماليا؛ مما خلق صراعًا فيما بعد للملاك الجدد، ولم يعد هناك ما يغري بعض الذين راهنوا على السلطة والثروة في الحزب، وبعضهم معروف عنه عدم استقراره في أي موقع يطأه، وتنكره لمن يقف معه والإساءة إليه، خاصة ممن عرفوه وهو صغير، أو في مواقف ضعف، ولم تتورع جبهة "عصام خليل" في اتهام "ساويرس" بالخيانة، وخلط الخاص بالعام، ولصق أبشع الاتهامات بالمؤسسين، والمصيبة أن تأتي تلك الاتهامات ممن ليسوا فوق مستوى الشبهات. وكان من الطبيعي أن تظل مفرمة التخلص من هؤلاء وأولئك، بعد أن أدى كل منهما الدور المكلف به، وهو قانون الممارسة الحزبية، غير أن هناك بعض الأمل في عودة حزب "المصريين الأحرار" للساحة، ليس لصالح أحد من المتنازعين، ولكن لصالح التعددية، والتجربة الحزبية، والدولة المدنية، التي تستوعب الاختلافات بدون انشقاقات واتهامات.