أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية يضمن الحفاظ على سيادة ووحدة سوريا أرضا وشعبا، وألا يكون هناك مكان للميلشيات الأجنبية أو المقاتلين الأجانب والجماعات الإرهابية في سوريا المستقبل. وقال أبو الغيط - في كلمته اليوم الثلاثاء، أمام الجلسة الافتتاحية للدورة ال148 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب برئاسة جيبوتي - "إن سوريا المستقبل ينبغي أن تكون صاحبة سيادة حقيقية على أراضيها.. ولا مكان فيها للميلشيات الأجنبية أو للمقاتلين الأجانب.. ولا وجود على أرضها للجماعات الإرهابية، مؤكدا أن هذه نقطةٌ فاصلة في المشهد السوري". وأضاف أن أي استقرار على المدى الطويل في سوريا يستلزم خروج كافة الميلشيات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من أراضيها تماما كما يتطلب القضاء على الجماعات الإرهابية.. لافتا إلي أن الأزمة السورية مازالت تمثل جرحا غائرا في قلب الأمة وهما مقيما يكابده كل عربي يحزنه أن يرى أمة عريقة تتفكك ويتمزق نسيجها الاجتماعي على النحو الذي نشهده، فيتشرد نحو نصف أبنائها بين المنافي ومحال اللجوء والنزوح.. وتعيدها الحرب أعواما بل وعقودا إلى الوراء". ونبه أبو الغيط إلى أن البعد الإنساني، على أهميته وأولويته، يظل واحدا من الأوجه المختلفة للأزمة السورية، التي هي في جوهرها أزمة سياسية، وبالتالي فإن حلها الدائم لن يكون إلا من خلال السياسة، وهو حل يستلزم تنازلات متبادلة من مختلف الأطراف، كما يستوجب اعترافا من الجميع بأنه لا رابح من وراء استمرار هذه الحرب.. مؤكدا أن الكل مهزوم والكل خاسر، وأن من يظن أنه انتصر يخطئ في قراءة الواقع السوري وما حل به من تشريد وضحايا وتدمير وتخريب وتمزيق. وشدد علي أن المرحلة الحالية من الأزمة السورية تتطلب من النظام العربي تقييم الموقف بصورة دقيقة ومسئولة وواقعية، متابعا "منطلقنا هو مصلحة الشعب السوري أولا وأخيرا".. معلنا تأييد الجامعة العربية لأي ترتيب أو اتفاق يكون من شأنه حقن الدماء وحفظ الأنفُس، وخفض التصعيد العسكري، وحماية المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. واستطرد أبو الغيط "برغم أن الوضع في مناطق خفض التصعيد ليس مثاليا، إلا أن الظروف تُعد أفضل بالنسبة للسكان المدنيين، معربا عن أمله في أن يستمر تثبيت الأوضاع في هذه المناطق، وبما يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى السكان عبر نظام مستمر ومتواصل، خاصة إلى هؤلاء الذين عانوا من ويلات الحصار والضربات الجوية لفترات طويلة". وقال "أجد لزاما علي، ومن واقع مسئوليتي كأمين عام للجامعة العربية، التأكيد على أن هذه الترتيبات هي في غايتها وأهدافها تظل ترتيبات مؤقتة، ولا ينبغي أن تمثل - بأي حال - تمهيدا لاستدامة أوضاع تنطوي على تقسيم فعلي للوطن السوري.. فنحن لا يجب أن نقبل إلا بسوريا الموحدة بحدودها التي عرفناها طوال القرن الماضي". ونبه أبو الغيط إلى أن الترتيبات المؤقتة، على أهميتها الشديدة في وقف نزيف الدم، لا ينبغي أن تكون بديلا عن المسار السياسي لتسوية الأزمة السورية بصورة شاملة، ووفقا لمقررات جنيف 1، وعلى أساس قرار مجلس الأمن 2254. وأضاف أن هناك نقاط ضوء متناثرة في ظل واقع عربي صعب، منوها - في هذا الصدد - بالاستجابة السريعة لمجلس الجامعة العربية ومن جانب القيادات العربية جمعاء، لما قامت به إسرائيل من إجراءات استفزازية وباطلة في الحرم القدسي الشريف في منتصف شهر يوليو الماضي، مشيرا في الوقت نفسه إلى التدخل الناجز لعدد من القادة العرب باعتباره نقطة ضوء تستحق الإشادة بها. كما نبه أبو الغيط إلى أن إسرائيل ترمي إلى تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك، وهي تسعى لتقسيمه زمانياً ومكانيا توطئة لفرض القانون الإسرائيلي عليه، وتكثيف ما تقوم به بالفعل من حفريات خطيرة أسفل المسجد وتحت أسواره، لافتا إلي أن إسرائيل تباشر خطتها الاستيطانية في مدينة القدس عبر هدم البيوت وطرد السكان للحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة، محذرا من أن هذه المخططات الإسرائيلية المعروفة والمكشوفة للكافة، تهدف إلى القضاء فعليا على أية إمكانية لتطبيق حل الدولتين في المستقبل. وأشار أبو الغيط إلي أن هناك حالة من الإحباط واليأس لا تخطئها عين، تسيطر على الشارع الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، معربا عن الأسف لأن الإرادة الدولية مازالت واهنة في مواجهة دولة الاحتلال.. مشددا علي أن هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ تولي السلطة في إسرائيل هو إحباط أية محاولة جادة للتوصل إلى تسوية على أساس حل الدولتين، وأنه صار مقتنعا للأسف بغياب إرادة دولية حقيقية لكشفِ مناوراته ومماطلته وتفننه في إضاعة الوقت. وأضاف "على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يدرك أن العقبة الرئيسة أمام أي جهد حقيقي تنوي القيام به من أجل إحياء عملية التسوية السلمية تتمثل في المفاهيم التي يتحدث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، معربا عن استغرابه من سعي إسرائيل، وهذه هي مواقفها وتلك هي سياستها، إلى العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن وهي الدولة الأكثر انتهاكا لقرارات مجلس الأمن وللشرعية الدولية بوجه عام بل دأبت على التشكيك في نزاهة المنظمة الدولية وحيادها.. والأعجب أن تجد إسرائيل من يؤازرها في مسعاها هذا". وشدد أبو الغيط على أن إسرائيل مازالت تشعر بأن في إمكانها استدامة احتلالها للأراضي العربية، وتطبيع علاقاتها مع العالم في نفس الوقت، محذرا من أن هذه المعادلة للأسف سوف تقود في النهاية إلى تقويض حل الدولتين، وإلى انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة، ومن ثم في المنطقة بأسرها. وحول تطورات الأوضاع في العراق بعد دحر تنظيم "داعش" الإرهابي من الموصل، قال أبو الغيط "إن من أشعة النور التي لاحت في المنطقة ما يجري في العراق من دحر للتنظيمات الإرهابية وسحقها، مشيرا إلى أنه منذ عامين فقط كانت "داعش" تحتل نحو ثلث مساحة العراق، أما اليوم فقد خسرت أكثر من 90% من الأراضي التي كانت تسيطر عليها.. واصفا ما تحقق بأنه "إنجاز" يحسب لكل من شارك فيه من رجالات العراق". وأضاف "ولكن لا يكفي أن تجتث "داعش" من مدننا بل يتعين العمل في أسرع وقت على إعادة الحياة إلى طبيعتها في هذه المدن من أجل استعادة الاستقرار، موضحا أن هناك نحو 700 ألف من النازحين من الموصل، الذين لن يعودوا لبيوتهم قبل نهاية العام الجاري، لافتا إلي أن العدد أكبر بكثير فيما يخص المحافظات والمدن الأخرى، الأمر الذي يتطلب دعم الجهود الدولية والعربية التي تبذل على الصعيد الإنساني في المشرق العربي سواء من أجل إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار في العراق أو من أجل دعم اللاجئين وتقديم المساعدة للسكان المدنيين فيما يتعلق بسوريا، وبخاصة اللاجئين في لبنان والأردن". وأكد أبو الغيط أن القضاء على "داعش" هو بداية استعادة الوطن بعد استرداد الأرض، مشيرا إلى أن الوطن إيمان بالمصير الواحد ووعي بالماضي المشترك واستعداد للتعايش من أجل العبور إلى المستقبل. وأعرب عن ثقته في أن العراقيين بعدما نجحوا في اختبار التحرير سوف ينجحون في اختبار التغيير، مؤكدا أنه لا يكفي استئصال شأفة "داعش"، وإنما يتعين مواجهة الظروف التي خلقتها من الأصل، كما ينبغي أن يكون هذا الانتصار فاتحة فصل جديد في تاريخ الجمهورية، فصل تكتبه كافة مكونات الدولة العراقية بلا إقصاء أو استثناء أو نبذ، وأن يكون عنوانه الحفاظ على الوطن بكيانه وحدوده ووحدة ترابه. كما أكد أبو الغيط أن العرب يمدون أيديهم إلى إخوتهم الأكراد، قائلا "إنني استشعر رغبة صادقة في بقاء الأكراد كمكوّن أصيل في المجتمع العربي، سواء في العراق أو في سوريا، مشيرا إلى أن زيارته يوم السبت الماضي إلى كل من بغداد وأربيل كانت محاولة للحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة بين الجانبين، والعمل على تعزيزها". وتابع "لمست فجوة في الثقة بين الحكومة المركزية والإقليم، برغم أن القيادات على الجانبين لديها تقدير كبير لبعضها البعض، وبرغم المعركة المشتركة التي خاضوها ضد عصابات "داعش"، مشددا علي أن بقاء العراق الموحد الفيدرالي متعدد الأعراق والمكونات هو مصلحة للعراق، بعربه وكرده، وللأُمة العربية كلها". ووجه أبو الغيط نداء إلى الأخوة الأكراد بإعطاء فرصة للحوار، حفاظا على الدستور الذي شاركوا في صياغته، وصونا للنظام الذي يحفظ للعراق وحدته. وبشأن الأوضاع في اليمن، أكد أبو الغيط أن تلك الأوضاع تكشف عن تمترس القوى الإنقلابية خلف مواقفها النابعة من مصالح ذاتية وتوجهات أنانية، مشيرا إلي أنه صار واضحا اليوم من هو الطرف المسئول عن تعطيل أي حل سياسي محتمل. وأشار إلى رفض الحوثيون لكافة المبادرات المتوازنة التي تقدم بها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، وكانت هذه المبادرات ترمي كما نعلم جميعا إلى تجنيب البلاد الانزلاق إلى المزيد من الخراب، وكذا إلى احتواء الآثار المروعة للحرب على السكان المدنيين، وعلى الوضع الإنساني الذي يثير انزعاجنا جميعا. وقال "حان الوقت لكي تدرك الجماعات الإنقلابية، التي تتشبث بالسلطة أنها تلحق الدمار ببلدها، وتهدد حياة الملايين من اليمنيين الأبرياء". وفيما يتعلق بليبيا، قال أبو الغيط "إن الجامعة العربية تتابع الوضع بدقة عبر مبعوثي الشخصي، ومن خلال عضويتها في المجموعة الرباعية المعنية بليبيا، لافتا إلى أن الأوضاع هناك مازالت بعيدة عن الاستقرار الذي ننشده جميعا، إلا أن محاولات صادقة تبذل من أجل لم الشمل والوصول إلى كلمة سواء بين الفرقاء". وأضاف "ما أرصده اليوم هو أن هناك تقاربا أكثر مقارنة بما مضى، بين المواقف الدولية والعربية إزاء الأزمة الليبية وسبيل الخروج منها". وتطرق أمين عام الجامعة العربية إلى ملف تطوير وإصلاح الجامعة، قائلا "إن ثمة نقاش جار ومستمر حول تطوير وإصلاح الجامعة وتفعيل دور الأمانة العامة للجامعة، معبرا عن تأييده بشكل كامل لكافة الجهود المخلصة والأفكار البناءة التي يمكن أن يترتب عليها إصلاح وتطوير عمل المنظومة العربية". وأعرب عن أمله في أن يجري هذا النقاش على أساس موضوعي، وألا نسمح أبدا بوجود فجوة في الثقة بين الأمانة العامة والدول الأعضاء، لافتا إلي أن الأمانة ليست سوى معبر عن إرادة هذه الدول، وهي المفوضة من قبلها بإدارة دفة العمل العربي المشترك، مؤكدا أن هذا التفويض ينطوي على منح الأمانة مساحة من الحركة والعمل تعرف حدودها جيدا ولا تتخطاها.. مضيفا "وإن كان يزعجني أن يسعى البعض للافتئات على هذه المساحة". واختتم أبو الغيط، كلمته، بالقول "إن النظام العربي الذي تجسده هذه الجامعة يتأسس على قيم وقواعد أراها راسخة مستقرة، أولها عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وعلى رأسها احترام السيادة، مؤكدا أن هذه القواعد وتلك القيم هي عماد ذلك النظام وجوهر الرابطة بين دوله الأعضاء". وشدد علي أن المنظومة العربية كلها تزدهر ويشتد عودها عندما تحترم قيم وقواعد النظام العربي، لأن الاستهانة بهذا النسق المستقر من القواعد والقيم يؤذي أمننا الجماعي، ويضعف لحمتنا وصورتنا أمام العالم.