البريد الخاص أو صندوق الوارد أو –الماسينجر- هو ذلك التطبيق الخاص ب"الفيسبوك" يخفي وراءه عالما كبيرا وسريا قد تؤدي بضعة رسائل عليه إلى جريمة شنيعة كالقتل أو الاغتصاب، أو السرقة أو الخيانة، أو حتى النصب والاحتيال والتنصت والتلصص على الآخرين، فقد يقضي على حياة أسرة بأكملها أو يفرق بين زوج وزوجه. مشكلات كثيرة كان البريد الخاص سببًا فيها والتي تبدأ عادة بالتطفل على حياة الآخرين، والتدخل في تفاصيلها، ومعرفة نقاط ضعفهم بالترقب ومتابعة ما يكتبون عبر صفحاتهم الشخصية على الفيسبوك من أمور حياتية وشخصية ونشر الصور والفيديوهات الخاصة بهم، ومن ثم التراسل برسائل نصية ضاغطة على الطرف المتلقي من أجل إيقاعه في خيانة، أو ابتزاز بصور وفيديوهات ربما كانت ملفقة، أو مصنوعة ببرنامج الفوتوشوب، أو حتى حقيقية. الفتيات الصغيرات هن ضحايا من السهل إيقاعهن في فخ تلك الرسائل وابتزازهن، حيث يكون من السهل الوصول إلى صورهن، والفيديوهات الخاصة بهن عن طريق صفحاتهن الشخصية، في حالة إذا لم تحم كل منهن صفحتها بوسائل الأمان التي يضعها "الفيسبوك". نهيرة أمين (16 عاما)، التي وقعت يومًا في فخ تلك الرسائل، تقول ل”بوابة الأهرام” جاءتني يومًا رسالة من فتاة أمريكية سمراء أرادت التعرف بي، وقالت إنها معجبة بالبروفايل الخاص بي، وأنها تعرفت علي من خلال المعلومات الشخصية التي أُعرف بها نفسي، وترغب في الصداقة معي لحبها الشديد للغة العربية والتي بدأت في تعلمها. وأضافت نهيرة، ولكي أتأكد من صحة المعلومات التي أخبرتني بها تلك الأمريكية دخلت إلى صفحتها، وتأكدت من صحة المعلومات التي أخبرتني بها، ولكني لاحظت أن أصدقاءها على الصفحة قليلون ولا يدور بينهم حديث يؤكد شخصيتها. وأوضحت، أنها تواصلت معها وتبادلا معًا رسائل باللغتين العربية والإنجليزية، ثم تفاجأت نهيرة بتغير في الرسائل، وأن صديقتها الأمريكية تطلب منها التواصل بالفيديو، وتبادل الصور بينهما بطريقة لا تليق بحوار بين فتاتين، لافتة إلى أنها لما شكت في الأمر أخبرت أمها والتي بالبحث في البروفايل الخاص بتلك الفتاة وبالتواصل مع مباحث الانترنت، علمت الأم أن تلك الصديقة ليست أمريكية، وأن الحساب لشاب مصري، كما أنه جارهم ومنزله على بُعد خطوات من منزلهم وكان طوال الفترة السابقة يراقب الفتاة، وعرف عنها كل شيء، وقامت الأسرة بتحرير محضر ضد الشاب ومقاضاته. سلوى عثمان سيدة عراقية متزوجة بعد قصة حب شهد عليها الأهل والأقارب، أنجبت ثلاثة أطفال أكبرهم كان عمره عشرة أعوام والصغرى ثلاثة أعوام، سافر زوجها للعمل لتوفير المال اللازم للإنفاق على أسرته التي باتت أحمالها تزيد يومًا بعد يوم. بعد عام كامل من الغياب شعرت الزوجة بالوحدة، ورغم أن الزوج كان يرسل إليها المال الكافي لإعالة الأسرة مع وعد بأنه سيرسل لهم ليأتوا إليه في أقرب إجازة صيفية، إلا أنها كانت خطواتها أسرع لتدمير الأسرة، وكان السبب هو البريد الخاص على حسابها الشخصي "الفيسبوك"، حيث استغل أحد أصدقاء الزوج فرصة عدم وجوده وبدأ يرسل إليها رسائل يستدرجها من خلالها، في بادئ الأمر لم تستجب ثم سرعان ما كان اللقاء الأول بينهما ثم توالت اللقاءات بينهما، لتبدأ رحلة الخيانة ثم طلب الطلاق من زوجها ووالد أبنائها. ويمكن توصيف الجرائم التي تبدأ برسائل البريد الإلكتروني "الشات" بالجرائم الإلكترونية والتي توفر مناخًا جيدًا لأصحاب النفوس المريضة لبث سمومهم في البيوت بغرض تخريبها، ففي أحد الأيام وجدت زوجة رسائل من مجهولة تبث في نفسها الريبة وتؤكد لها خيانة زوجها لها مع أخريات على صفحته الشخصية، وقد طرحت عليها أسماء حقيقية، حيث اختارت تلك المجهولة أسماء لصديقات للزوج من على صفحته الشخصية، حتى تتقن فعلتها وتجعلها تبدو حقيقية في نظر الزوجة. وتقول الزوجة والتي رفضت ذكر اسمها، في البداية صدقت تلك المجهولة ودخلت على صفحتها الشخصية بالفيسبوك لأعرف عنها معلومات ربما توصلني لحقيقتها وماهية علاقتها بزوجي، ولماذا دخلت لتنصحني؟ لأجدها من جنسية أخرى ولديها عدد أصدقاء قليلين، وكانوا دائمًا ما يقومون من خلال تعليقاتهم المكتوبة، ودعوتها للتحلي بالصبر عقب وفاة حبيبها، أو خطيبها ربما. تشير، إلى أنها حينما واجهت زوجها بتلك الرسائل أقسم بأن ما تقوله تلك المجهولة أكاذيب والهدف منها هدم منزلهما، لافتة إلى أنها بعد فترة من البحث والتروي وعدم الاستعجال في الحكم على زوجها خصوصًا وأنه طيب الخلق ولم يقترف طيلة حياتهما الزوجية أي أخطاء من هذا النوع أو خانها ولو لمرة واحدة، الأمر الذي أنهى المشكلة سريعًا وجعلها تتأكد من صدق زوجها، هو معرفتها بأمر تلك المجهولة وبمرضها النفسي، وتأثرها بفقد حبيبها لدرجة تريد معها أن تدمر كل قصة حب ناجحة. حتى الآن لا يوجد إحصاء حقيقي ودقيق لتلك الجرائم المترتبة على استخدام رسائل البريد الخاص، والتي لم تضع لها إدارة فيسبوك أي حماية باستثناء، خانة الآخرين والتي تتدفق إليها الرسائل من غير الأصدقاء على صفحتك الشخصية، وحتى إذا تم تجاهلها فإن الفضول سيجعل مستخدم الحساب يتطلع إليها من وقت لآخر، وربما تجاوب معها في لحظات ضعف بعينها. خالد البريماوي خبير الإعلام الرقمي، أكد ل”بوابة الأهرام”، أنه لا توجد طريقة لحماية البريد الخاص بمستخدمي الفيسبوك سوى أيكونة رسائل "الآخرين" هي الوحيدة التي تحميهم من المتطفلين أو المرسلين لرسائل محتواها سيئ أو غير أخلاقي. ويشير إلى أنه من السهل تجنبها وعدم فتحها، وبإمكان عمل "بلوك" لأي متطفل أو يقوم بالمراسلة من حساب وهمي، أو أنه يستعير اسما وصورة لامرأة وهو في الحقيقة رجل يدخل لخداع الفتيات والسيدات. هناك عدة دعاوى قضائية، مرفوعة بهذا الصدد، وقد صدر في إحداهم الحكم لأول مرة، حينما تقدمت سيدة ببلاغ ضد أخرى بعد أن أرسلت الأخيرة لها رسائل نصية وصوتية بشتائم للأولى، وقد حكم القاضي وقتها طبقًا للمادة 76 فقرة 2 من القانون المصري رقم 10 لسنة 2003، بشأن تنظيم الاتصالات. وأشار مصدر بمباحث الإنترنت بوزارة الداخلية ل”بوابة الأهرام”-رافضًا ذكر اسمه-إلى أن مثل تلك الجرائم كثيرًا ما تعرض علينا ويتم مراقبة تلك الحسابات التي ترُسل رسائل تحريضية أو قذف أو ابتزاز أو نصب أو خيانة أو محاولة إشراك في ارتباك جريمة. ويلفت، إلى أنه في حالة الرسائل "المعاكسات" والتي لا تتعدى الألفاظ، ومحاولة اجتذاب الفتاة أوالسيدة، فإنه في هذه الحالة تكون النصيحة بعمل "ريبوتات" لإغلاق هذا الحساب وعمل "بلوك" له حتى لا يستطيع الإرسال مرة أخرى، مؤكدًا أن عقوبة إرسال رسائل ابتزاز بصور أو فديوهات تصل إلى السجن والغرامة، وهناك من يطالب بأن تصل العقوبة إلى السجن المشدد. سهلت مواقع التواصل الاجتماعي على إبراز الظواهر الاجتماعية خصوصًا المرضية، الطامحين لاصطياد الفرائس السهلة والتي تستجيب لها سريعهم وتكون الظروف مهيئة لذلك، الغريب أن هناك أناسا قد تحسبهم معتدلين اجتماعيًا ولا ينقصهم شيء، وتجدهم إما مرسلين لتلك الرسائل أو مستقبلين. الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، تؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي، يستغل جانبها السيئ الكثيرون، يبثون أفكارهم من خلال ما يسمى ب"الشات" أو البريد الإلكتروني والذي أضيف له الصوت والصورة، مما سهل عليهم عمليات الابتزاز لضحاياهم خصوصًا من الفتيات الصغيرات، والسيدات الواهمات الفاقدات للحب في حياتهن، أو استغلال الشباب الذي يبحث عن فرص عمل، بعرض مشاريع واهمة عليه. وتؤكد سامية خضر، أنه لا سيطرة على ذلك البريد سوى بالأخلاق والتحلى بالقيم والمبادئ كمجتمع شرقي محافظ، ناصحة الفتيات والسيدات بعدم فتح رسائلهم سوى لمن يثقون بهم، أما من أرادت التواصل مع أحدهم فلن تجني سوى ما زرعت، وستندم في النهاية. ولامت خضر، بشدة الأمهات اللاتي يتركن بناتهن يقضين ساعات طويلة على "الشات" دون مراقبة، أو اقتراب منهن لمعرفة مع من يتحدثن، كما أنهن يتركن العنان لبناتهن لنشر الصور والفيديوهات بشكل مرضي، مما يسهل الأمور على أصحاب النفوس المريضة بالاستيلاء على تلك الملفات الشخصية وابتزاز الفتاة بها مقابل أن يقمن بفعل ما يريده " المتلصص ." يؤكد خبراء علم النفس أن هؤلاء الرجال الذين يتخذون لأنفسم مسميات وصورا نسائية لحساباتهم الشخصية ما هم إلا مرضى يبحثون لأنفسهم عن متعة مزيفة وقد تؤدي بهم إلى الهلاك، ويدمرون كذلك أشخاص آخرون لا ذنب لهم سوى أنهم صدقوهم أو وقعوا في فخ أكاذيبهم. الدكتور جمال فرويز أستشاري الطب النفس يشير إلى أن هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يعانون من مشاكل أسرية في الصغر أدت بهم إلى ما هم عليه، لافتًا إلى أنهم ربما ينتمون لطبقة اجتماعية مرموقة، أو في مناصب كبيرة، أو أنهم على درجة علمية عظيمة، كل ذلك لا يمنعهم من أن يتلصصوا على الحسابات الشخصية للأشخاص والدخول إلى البريد الخاص لرمي شباكهم لاصطيادهم. ويؤكد، أن الطرف الواقع عليه اللوم هو المستقبل أيضًا، مشيرًا إلى أن الفتاة أو السيدة التي تتلقى رسالة من شخص غريب، وتكون مريبة، أو أنه يطلب منها أشياء غير أخلاقية، أو حتى أنه يبتزها بصور شخصية لها عليها باللجوء إلى تقديم بلاغ ضده، وألا تنصاع وراءه، لافتًا إلى أن رضوخها لهؤلاء الأشخاص لا يدل سوى على أخلاقها المتدنية، وأنه لا وجود لرقابة الأسرة في حياتها. البريد الخاص أو صندوق البريد، أداة يمكن استغلالها من ضعاف النفس، ولكنها تبرهن بشكل واقعي على ما آلت إليه المجتمعات العربية في ظل استخدام التكنولوجيا استخدام خاطئ، بشكل ينأى عن الأخلاق والقيم التي تربت أجيال عليها.