د.سعيد اللاوندي يخطئ من يعتقد أن استطلاعات الرأي التي تدنت كثيرًا بشأن "إيمانويل ماكرون" (الشاب الذي يحكم فرنسا)، يمكن أن تضع حدًا لحكمه، هذه المسألة مُستبعدة باعتراف الأوروبيين أنفسهم، ففي واقعة مشابهة - ولكن على مستوى الاتحاد الأوروبي – أكدت استطلاعات الرأي أن إسرائيل تحول دون استباب الأمن والسلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت النسبة لا تقل عن (59%) من الشعوب الأوروبية، وأذكر أن أحد موظفي الاتحاد الأوروبي الكبار أصدر تصريحات قال فيها "إن سياسة أوروبا مع العالم الخارجي لا تُبنى على استطلاعات الرأي!". الشيء نفسه حدث مؤخرًا في باريس ففي الدائرة الضيقة لماكرون بقصر الإليزيه لم يتحرك أحد بشأن هذه النتائج التي تؤكد أن الرئيس "ماكرون"، قد انخفضت شعبيته؛ لأنه أخفق في سياسته الصحية والاجتماعية ومحاولته إعطاء زوجته فرصة في العمل العام وتخصيص أموال لها. المهم أن الرجل واثق من نفسه ويحرص على تطبيق سياسته التي أعلن عنها عندما كان مرشحًا للرئاسة الفرنسية، سيما السياسة التي تصب في اتجاه أوروبا العظمى التي يؤمن بها. فكان أول لقاء مع المستشارة الألمانية "ميركل"، وتحدثا أكثر من مرة عن التحديات التي تواجه أوروبا والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، وقوات التدخل الأوروبية السريعة، وحلم أوروبا العظمى بشكل عام، وعلاقات أوروبا الخارجية. أقول الحق إن ماكرون لم يهتم لا من قريب ولا من بعيد باستطلاعات الرأي التي تُظهره مرة متقدمًا ومرات أخرى منخفضًا. المهم من وجهة نظره أن يكون صادقًا مع شعبه وخصوصًا أنه قريب من شريحة الشباب الذين يقفون معه في سياساته الداخلية والخارجية، ولابد أن نذكر أن الأشهر الثلاثة الأولى، ومحاسبة الرئيس "ماكرون"، عن توجهاته السياسية هو تفكير غربي يحدث في دول كثيرة بأوروبا وأمريكا، والسبب هو أن يلتزم كل رئيس بما سبق أن وعد به في البرنامج الانتخابي؛ حتى لا يتحول هذا البرنامج إلى "كلام في كلام". وماكرون على الأقل في توجهاته الأولى قد التزم بسياسته تجاه أوروبا العظمى، وكذلك بالنسبة للشباب الذين ينتظرون منه الكثير. والحق يُقال إن "ماكرون" الذي ضرب عرض الحائط بالأحزاب الكثيرة التي أفرزت لنا الكبار، مثل "فرانسوا ميتران"، "جاك شيراك"، "فيليب ساجان"، و"باسكوا"، وتقدم على الأحزاب كافة، بحزبه الصغير "فرنسا إلى الأمام" هو قادر على أن يهزم التحديات التي تواجهه. وقديمًا قال "ساركوزي" عبارة عندما كان رئيسًا لفرنسا لفترة واحدة، إنه وُلد بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يطلب منه أحد أن يحكم فرنسا بمعايير كانت معروفة قبل الحرب العالمية الثانية.. أقول ذلك وفي ذهني أن "ماكرون" أصبح رئيسًا لفرنسا وسنه لم يبلغ الأربعين. نحن إذن أمام شاب طموح لنفسه ولبلاده إما أن يهتز عرش حكمه بسبب بعض استطلاعات الرأي فهذا لن يكون، وحسبه أنه جاد في سياساته التي يتبعها حتى الآن. ناهيك عن أنه من الصعب الحكم على رئيس دولة كبرى في حجم فرنسا من خلال حكم ثلاثة أشهر فقط. صحيح أنه قامت بعض المظاهرات، وكشفت بعض الأحزاب تباينًا في السياسات، ووقف البعض طويلًا بضجيج مفتعل أمام رغبة "ماكرون" في توسيع مساحة زوجته على ساحة السياسة العامة. لكن يبقى أن ماكرون هو مفتون الشباب والرجل الذي حطم "أقانيم" السياسة الدولية والداخلية المتعارف عليها منذ الجمهورية الأولى. ولن ينسى السجل السياسي لهذا الرجل أن أول زيارة خارجية كانت إلى "مالي"، في إفريقيا، وأنه أول من قال إنه لن يتكلم كما الأمريكان عن ضرورة رحيل الرئيس "بشار الأسد"، وإنما سيتكلم عن الشعب العربي السوري، وضرورة مكافحة الإرهاب المتمثل في "داعش"، ورفض ماكرون أن يسير معصوب العينين وراء أمريكا، ففرنسا شيء وأمريكا شيء آخر! ولا شك أن "ماكرون" يعتزم أن يرسخ اسم "فرنسا الجديدة" أو"فرنسا إلى الأمام"، دون التقيد بأجندة أحزاب أخرى قديمة أو حديثة، وإنما هو يعرف جيدًا أنه يحكم بلد "الحرية والإخاء والمساواة"، ولابد أن تكون النتائج مختلفة عن ذي قبل. ولقد تصور البعض أن انخفاض شعبية "ماكرون" في استطلاعات الرأي سوف يٌعجل برحيله! لكن الحق يُقال أن من بين الدروس التي علمنا إياها الرئيس ماكرون أن الأفعال وليس الأقوال هي المحك الحقيقي لأي عمل سياسي، والذي يجب أن يرجح هنا هو "الإنجاز". ناهيك عن اقتراب الرجل من الفئات الفقيرة، فقد اختار "مارسيليا"، لتكون وجهته في قضاء الفاكانس أو إجازته السنوية، ولم يتجه إلى الكوت دي زور؛ مثل الأغنياء والموسرين، وهو يعلم يقينًا أن الشعب الفقير عندما يجده في مصيفه ويلتقي البعض به وربما يتحدث إليه، سيعرف إلى أي حد هذا الرجل صادق مع الناس، وصادق أيضا مع نفسه. لابد أن نعترف بأن الهالة التي كانت مرسومة حول قصري "الإليزيه" قصر الرئاسة "وماتينيون"، وقصر الحكومة، قد انهارت تمامًا فالإليزيه يسكنه رجل من الشعب. والحق أن "ماكرون" واضح وشفاف في تحركاته السياسية، ويرفض أن يعزل نفسه عن الشعب وفئة الشباب الذين وقفوا بجانبه وتبنوا أفكاره ورسموا حياة فاعلة لبلدهم فرنسا، وحلمهم الكبير بالنسبة لأوروبا خصوصا: "حلم الولاياتالمتحدة الأوروبية" الذي يعمل عليه ماكرون منذ البداية. وهناك حلم آخر يعمل عليه "ماكرون" وهو حلم "المواطن الأوروبي"، وليس "المواطن الفرنسي"، وأعتقد أنه يبذل جهودًا مضنية مع المستشارة "ميركل" التي تؤمن بحلمه والذي يصادف هوى لدى الشباب في فرنسا وفي ألمانيا معًا، سيما وأنه يعلم أن الحديث عن أوروبا الموحدة لن يتحقق مادام الثنائي الأوروبي المعروف (الفرنسي - الألماني) ليسا على وئام؛ لذلك فالرجل يؤمن تمامًا بأن أوروبا يجرها حصانان الفرنسي إلى جانب الألماني، ولابد من تقوية هذين الحصانين. باختصار تدنت نتائج استطلاعات الرأي أو ارتفعت، فعجلة العمل بالنسبة لماكرون ومستشاريه تدور، فالأعمال وليس الأقوال هي طريقه الوحيد.