هند عبدالستار التي انتصرت لكرامة النساء المصريات بحصولها على أول حكم مشدد – الحبس خمس سنوات – ضد الشاب سائق "التوكتوك" الذي تحرش بها، هي بالفعل ليست الأولى التي تقف في صفها العدالة، ولكن سبقتها نهى رشدي التي تعرضت لحادث تحرش هي الأخرى من سائق سيارة ربع نقل بمنطقة مصر الجديدة، وأصرت على تحرير محضر بالواقعة، وصدر حكم ضده بالحبس ثلاثة أعوام، وأحدث هذا الحكم وقتها جدلًا كبيرًا في المجتمع المصري، ما بين مؤيد ومعارض ومهاجم للفتاة التي قضت على مستقبل الشاب "المؤدب!!". ومن أسوأ ما رأيت وقرأت على السوشيال ميديا هي ردود أفعال الشباب الغاضبة بسبب الحكم الصادر ضد الشاب المتحرش، وتعليقاتهم الساخرة والمستنكرة التي وصلت حد السباب ل"هند عبدالستار"، بل وصفوها ب"القبيحة التي لا تستحق حتى أن يتكرم "المتحرش" وينظر إليها "!، وب"غير المؤدبة"، وأن أهلها لم يحسنوا تربيتها لمجرد أنها أصرت على حقها، وانتصرت لكرامتها كأنثى تسير في الشارع في "حالها"، وبالطبع كانت هناك الشماعة التي لم تنكسر.. تلك التي يعلقون عليها مبررات التحرش، وهي "أكيد كنتي لابسة ضيق وعريان". الغريب والمثير مهاجمة بعض الفتيات والسيدات ل"هند"، وهذا ما لا نستطيع تفسيره سوى الخوف من كون أن هؤلاء سيكونون أمهات أو بالفعل هن أمهات ويربين "متحرشين". وبرغم أن الفتاة ترتدي "حجابًا" وملابسها كذلك محتشمة، فإنني لن أناقش هذه الفكرة طويلًا، خاصة أن المتحرش لا يترك سيدة أو فتاة إلا وتحرش بها، سواء طفلة أو شابة أو حتى سيدة مسنة في عمر جدته، ويتحرش بالمحجبة و"المنتقبة"، إذن فإن تلك الحجج واهية وضعيفة. وبمراقبة نفسي وكل فتاة أو سيدة تسير بالشارع لاحظت خطوتها السريعة الخائفة، تخشى أن يلامس جزءًا منها أحد.. تمر سريعًا عبر الطرقات وتخشى الأزقة الضيقة، تقف في مصعد العمل وهي تتلاشى النظرات التي تتفرسها في هدوء، وفي التاكسي تتعمد ألا تنظر في المرآة الأمامية فقط تتطلع إما في هاتفها أو النافذة الجانبية، حتى وهي تقود سيارتها تتعمد ألا تلتفت للنظرات، أصبحت لديها الرهبة من كل النظرات حتى ولو كانت "عادية" أو بالمصادفة.. المتحرشون أصابوها بمرض الارتياب في كل المحيطين. وفي الأمثال الشعبية المصرية يقولون "اضرب المربوط يخاف السايب"، أرى أن هذه الأحكام القانونية الصادرة، وإن كانت متباعدة، إلا أنها بشكل أو بآخر ستكون يدًا من حديد ثقيلة وغليظة وجرس إنذار لكل من فكر أو يفكر في التحرش بفتاة أو سيدة أو طفلة أو حتى رضيعة يتم اغتصابها وهي ترتدي "البامبرز"، فهذا ما نتمناه ونحلم به أن تكون تلك الأحكام الرادعة هي السوط الذي يضرب في الهواء فيكون صوته صرخة كبيرة ومدوية في آذان كل شاب تسول له نفسه اقتحام مساحة أي أنثى وخصوصيتها، ومحاولة فرض غبائه وتربيته الخاطئة وأفكاره المسمومة على المرأة. والقانون الذي قام بتعديله وتغليظه المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية الأسبق، في يونيو 2014، على ألا يقل السجن للمتحرش عن ستة أشهر وغرامة يمكن أن تصل إلى 50000 جنيه، يمكن أن يكون رادعًا قويًا، وبدأ تطبيقه في حالة هند عبدالستار، وهناك مطالبات أيضًا ومشروع مُعد في مجلس النواب يطالب بتغليظ عقوبة التحرش أكثر من ذلك. نتمنى أن تنتبه الدولة إلى خطورة تلك الظاهرة التي جعلت مصر في الترتيب الثاني عالميًا بعد أفغانستان في أعلى نسب التحرش.