عن بسمارك داهية السياسة الأوروبية فى القرن التاسع عشر وملهم وقدوة السياسى الأمريكى الشهير هنرى كيسنجر-صدر مؤخرا كتاب "حياة" لجوناثان شتاينبيرج أستاذ التاريخ فى جامعة بنسلفانيا. ونجح المؤلف فى الإفلات من فخ الانبهار باوتو فون بسمارك رجل الدولة الأريب ليستخدم مقاربات ومناهج متعددة من بينها النهج السلوكى-النفسى لتحليل ظاهرة أحد أكثر الساسة تعقيدا ومراوغة وازدواجية فى التاريخ. ويقول هنرى كيسنجر فى سياق تقديم وتعليق على هذا الكتاب الذى جاء فى 577 صفحة وصدر عن منشورات جامعة أكسفورد أن الداهية بسمارك تمكن خلال تسع سنوات فقط من حل معضلتين كانتا من أعقد التحديات فى أوروبا على مدى جيلين وهما: كيفية توحيد ألمانيا وإعادة تنظيم أوروبا الوسطى. ويبدو أن هذا الإنجاز الفذ كان وراء الوصف الذى خلعه مؤلف الكتاب على هذا السياسى الداهية، حيث ذهب إلى أن بسمارك هو "صاحب أعظم إنجاز دبلوماسى وسياسى حققه أى قائد أو زعيم خلال القرنين الماضيين". ويبدى كيسنجر دهشته فى سياق تناوله لهذا الكتاب بصحيفة نيويورك تايمز حيال ما فعله بسمارك وما حققه من إنجازات رغم أنه لم يكن يتمتع بمساندة أى قوى نافذة أو حركة شعبية منظمة ولا خبرات عريقة أو متراكمة فى الحكم. وفى صيف عام 1862 عين بسمارك كرئيس لوزراء بروسيا التى نهضت بمهمة توحيد المانيا التى كانت مشرذمة بين 39 ولاية وكيانا مستقلا، ويدعى السيادة فيما كانت القوى المهيمنة على أوروبا بل وحتى الأطراف الضعيفة فى القارة العجوز تسعى للحيلولة دون ظهور دولة ألمانية موحدة وقوية بالقدر الذى يمكنها من تغيير معادلة توازن القوى . وبالحرب والحيلة والإقناع واستمالة الرأى العام، تمكن بسمارك من توحيد ألمانيا وتحييد روسياوفرنسا ومنعهما من التدخل فى العملية الوحدوية الألمانية فيما كان قد شغل من قبل منصب سفير بروسيا لدى روسيا التى تقاسمت مع فرنسا الهيمنة على أوروبا الوسطى. ومن الطريف أن بسمارك "ثعلب الدبلوماسية ومهندس السياسة الواقعية" كان حريصا بعد أن وصل للحكم على ارتداء الزى العسكرى رغم أنه لم يخدم أبدًا فى الجيش، لكنه يبقى أحد أساطير فن استخدام القوة فى هذا العالم.