هذا التصريح كان يستحق الاحتفاء به بأكثر مما ناله من اهتمام، فقد صرح المهندس حسن عبد العزيز رئيس اتحاد المقاولين للأهرام الأسبوع الماضى أن عدد شركات المقاولات المسجلة فى الاتحاد قفز إلى 30 ألف شركة حاليا وهو ما يمثل ضعف الشركات المسجلة فى عام 2014. وفضلا عن كون هذا التطور الإيجابى يعكس نقلة نوعية فى نشاط التشييد والبناء فإن هذه الطفرة فى عدد شركات المقاولات تعد كذلك دليلا عمليا على صحة المسار الذى تنتهجه الدولة على طريق الإصلاح الاقتصادى، رغم كل الصعوبات التى تواجه برنامج الإصلاح والآلام المصاحبة له. رئيس اتحاد المقاولين عزا الارتفاع القياسى فى عدد شركات المقاولات إلى عودة النشاط بقوة إلى السوق وتنوع فرص العمل والاستثمار أمامها سواء فى المشروعات القومية التى تنفذها الدولة من مدن جديدة وطرق ومرافق، فضلا عن نمو الاستثمار العقارى وزيادة الطلب على مختلف وحداته، وقال إن هذه الطفرة فى نشاط التشييد والبناء دفعت آلاف الشركات التى كانت قد أغلقت أبوابها وانسحبت من السوق إلى إعادة تسجيل نفسها واستئناف النشاط بعد أن وجدت أعمالا كثيرة تطرح تباعا فى السوق، وقد أصبح معروفا الآن أن هذا القطاع يعد الأكثر أهمية فى توفير فرص العمل لشرائح عديدة من العمال والمهنيين بجانب ارتباط نحو 100 نشاط صناعى متنوع بأسواق التشييد والبناء. هذا الشكل من أشكال التعافى الذى تنعم به شركات المقاولات حاليا يعد نموذجا للتعافى الاقتصادى الذى نتمنى أن تنتقل آثاره إلى بقية القطاعات الإنتاجية والخدمية وفى مقدمتها الصناعات التحويلية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والسياحة والخدمات المالية وغير المالية بحيث يصبح التعافى شاملا ولتصل معدلات النمو إلى ما فوق 8% فى أقصر وقت ممكن كما تعد الحكومة، وحينئذ يبدأ الناس فى جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى.. ويستفيد منه الجميع. رئيس اتحاد المقاولين قال إن المشروعات القومية ونشاط أسواق التشييد والبناء لم تكن السبب الوحيد فى ازدياد عدد شركات المقاولات وقرار المتوقفين باستئناف النشاط، حيث أشار إلى سلسلة من الإجراءات الإدارية التى اتخذتها الحكومة لحل المشكلات التى تواجه هذه الشركات وفى مقدمتها التأثيرات الناتجة عن تغير أسعار الصرف، وبصفة خاصة صدور القانون رقم 84 لسنة 2017 بشأن التعويضات فى عقود المقاولات، أى أن العاملين تضافرا معا لإنعاش شركات المقاولات.. تنشيط السوق بطرح مئات المشروعات القومية والخاصة، وإصلاح قانونى وإدارى أزال المعوقات التى كانت تواجه هذه الشركات. هذا المنهج فى إصلاح الأحوال ينبغى أن يسرى على مختلف القطاعات الاقتصادية التى نسعى لتفعيلها وتنميتها لأن العقارات والمشروعات الممولة من الدولة لن تكفى وحدها فى تحقيق النمو المنشود، وإنما ينبغى «تصميم» برامج منفصلة للنهوض بكل قطاع على حدة حتى ترتفع مساهمته فى النمو المنشود. القطاعات الاقتصادية كلها تحتاج إلى إجراءات لتسريع النمو، ولكن هناك قطاعات تكون أكثر سرعة فى جنى ثمار الإصلاح عن غيرها وأسواق التشييد من بين القطاعات سريعة العائد والمردود وكذلك أسواق الاتصالات، وهما بالفعل اللذان يقودان النمو حاليا، ومع ذلك فلازالت هناك فرصة لتسريع النمو بالاهتمام بقطاعات موازية هى أيضا سريعة العائد والمردود وفى مقدمتها المشروعات المتوسطة والصغيرة. آخر تعداد لجهاز التعبئة والإحصاء ذكر أنه لدينا نحو 2.5 مليون مشروع صغير بينما ذكر أحد المصرفيين الأسبوع الماضى أن عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ارتفع إلى 3.5 مليون وربما تتضارب الأرقام لأن نسبة مهمة من هذه المشروعات تعمل خارج الاقتصاد الرسمى وبالتالى يصعب حصرها حصرا دقيقا. المطلوب الآن أن نقفز بهذا الرقم إلى 10 ملايين مشروع فى أقصر وقت ممكن وهذا أمر ليس بالغ الصعوبة لو توافرت الإرادة وحسن الإدارة لأسواق المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنحها التسهيلات اللازمة التى تجذبها للعمل ضمن الاقتصاد الرسمى، وهذه أيضا أصبحت مسألة أكثر يسرا بعد أن تراكمت خبرات الدولة فى وسائل دمج الأسواق السوداء فى الاقتصاد الرسمى. نحن نعرف أن هناك جهودا تبذلها البنوك لتيسير القروض للباحثين عن تمويل لمشروعاتهم الصغيرة وأفكارهم التقليدية وغير التقليدية، وربما نحن نحتاج إلى أن تصبح الإجراءات أكثر يسرا، وأن تمتد جهود الحكومة لكى تشمل الراغبين فى إنشاء مشروعاتهم الخاصة برعاية تقنية واجتماعية وربما بالمساعدة على تسويق بعض إنتاجهم محليا وخارجيا، وعندئذ سيتضاعف عدد هذه المشروعات تماما كما حدث لشركات المقاولات مع ما تضيفه هذه المشروعات من نمو سينعكس فى النهاية على النمو الكلى وما توفره من فرص عمل للشباب بصورة أسرع وأسهل مما يمكن أن يوفره أى قطاع اقتصادى آخر.