تُنسب إلى الشعب المصري جسارة منقطعة النظير لصبره وتحمله وتضحياته تجاه صدمات الإصلاح الاقتصادي الجاد والجريء الذي تنفذه الإدارة المصرية منذ أكثر من عامين بدايةً من تنظيم موازنة الدعم مروراً بتحرير العملة المحلية وصولا إلى إدارة السياسات المالية والتعامل مع أزمة التضخم الجامح بأسواقنا المصرية. وقد تحمل الشعب بقطاعاته المختلفة فاتورة الإصلاح الاقتصادي كاملاً، وظهر هذا جلياً في الموازنة العامة للدولة وتحسُّن ميزان المدفوعات والميزان التجاري واحتياطي سلة العملات الأجنبية لدى البنك المركزي .. إلخ. كما ظهر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في العديد من المناسبات مشيداً بصبر وتحمل وشجاعة وإرادة الشعب المصري وإصراره على نجاح خطط وسياسات التنمية الاقتصادية واعدً إياهم بتحسين الأحوال الاقتصادية في وقت وجيز بإذن الله والجميع يتوقعون هذا التحسن على المدى القصير. ولعل كثيرًا من المتابعين والمتخصصين يوافقونني الرأي في أن نجاح سياسات الإصلاح الاقتصادي بمثابة انتصار في معركة لا تقل شراسة عن معارك الجيوش العسكرية في الميادين دفاعاً عن شرف الأمة وحفاظاً على حدودها والنَيْل من هويتها وسيادتها. لكن ومع كل ما سبق أرى تضحيات اقتصادية أخرى – بخلاف التضحيات بحياة شبابنا ورجالنا الشهداء الأبرار التي لا تقدر بثمن ولا يحصيها اقتصاد- وهي التضحيات المرتبطة بتمويل الموازنة العامة للدولة الموجهة لمحاربة الإرهاب الذي يهدد حياتنا ووجودنا ومستقبلنا والقضاء عليه، فالأموال الضخمة التي خصصتها الدولة لمواجهة الإرهاب – والتي تُقدر بالمليارات - هي أيضاً ضاغط على خطط التنمية ورفاهية المواطنين. وتخيلوا لو وجهت هذه الأموال إلى التنمية الشاملة في مصر وأثر ضخها في استثمارات حقيقية وآثار ذلك على معدلات النمو والتنمية. إن الشعب المصرية يحارب في جبهتين الأولى اقتصادية والثانية إرهابية. وفى ظني أن موارد الوحدات الاقتصادية للمؤسسة العسكرية الوطنية الشريفة بالإضافة إلى ميزانيتها الأساسية ودعم الأصدقاء من دول محبة وراغبة ومؤمنة بمصر القادرة الرادعة، جميع تلك المصادر تمثل موازنة محاربة الإرهاب من ناحيه والاستعدادات للتهديدات المحتملة (حمى الله مصر منها) من ناحية أخرى. إن وعى وإرادة القيادة السياسية المصرية الواعية الصلبة في إدارة ملف التنمية بشقيها: الاقتصادي العام والخاص بمحاربة الإرهاب بمهارة وجسارة، هو أمرٌ مشهودٌ ومُقدَّر. لذا أدعو الجميع عدم نسيان أن لدينا موازنة أخرى ضخمة يجب تمويلها واستمرار دعمها وفقاً للتحديات المحيطة والموجهة لحماية وجودنا وسيادتنا وهي موازنة الإرهاب. إن شعب مصر الجسور هو بحق من أعرق وأقوى شعوب الأرض، ليس فقط لتاريخه التليد وإنما لحاضره المُعاش الذي يحارب فيه هذا الشعب تحت لواء قيادته الحكيمة معرَكَتَي التنمية والإرهاب في آن واحد، وهما معركتان يصعب على شعوب كثيرة وأمم عريقة تحمل تبعات واحدة منهما والصمود أمام تحدياتها، تحية إجلال وتقدير لهذا الشعب الأبي الصابر رائد الحضارات وملهم الأمم.