حققت انجيلا ميركل سبقا آخر على صعيد المسرح السياسى الالمانى,لم تكتفى بان تكون اول امراة تتولى منصب المستشارية, او انها دخلت مضمار السياسة وافدة من الشطر الالمانى عام 1989 لتتولى منصب وزارى فى الحكومة الفيدرالية عام 1991 ,او انها تولت زعامة الحزب المسيحى الديموقراطى فى عام 2000 متجاوزة الجميع لتكون خلفا لاقوى مستشار فى تاريخ المانيا وهو هلموت كول ,لقد اضافت الى ذلك,منافسة المستشار الاسبق فى سنوات تولى منصب المستشاريه ,لاربع فترات متتاليه على مدى 16 عاما,حيث كان كول –مهندس الوحدة لالمانية- الاستثناء الوحيد فى تاريخ المانيا منذ عهد بسمارك وجاءت انجيلا لتنزع عنه التفرد كما نزعت عنه زعامة الحزب . ويعد الاقتصاد هو العنصر الاساسى الذى دعم جبهة ميركل من اجل الاستمرار,كما ان الاقتصاد نفسه,هو الذى غلف الانتصار فى الانتخابات , بمرارة الانذار الذى انطوى عليه فوز الحزب اليمينى المتطرف ودخوله البوندستاج لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية , فى حين فقد حزب ميركل وجناحه البافارى جزء من الاصوات وكذلك الحزب الاشتراكى المعارض ,انه الاقتصاد الذى جعل المانيا تتربع على عرش القارة الاوروبية والاتحاد الاوروبى ,ويزاحمها الجميع فى جبهة الصادرات العالمية وصاحبة اكبر فائض تجارى فى العالم بلغ 310 مليار دولار فى عام 2016. فقد اظهرت النتائج الاولية للانتخابات حصول الحزب المسيحى وجناحه البافارى على 32،9 % من الاصوات بانخفاض 8،6% ,اما الحزب الاشتراكى فقد خسر 5،2 %من الاصوات ليسجل 20،5 %,بينما فاز حزب البديل من اجل المانيا ب12،6% بزيادة 7،9 %عن الانتخابات السابقة واستقرت نسبيا الاحزاب الثلاث الاخرى لياتى الحزب الحر ثم اليسار الرديكالى فحزب الخضر.وقد فسرت هذه النتائج على انها انذار لكل من الحزب المسيحى والاشتراكى فى ظل تحالفهما فى الحكومة الاخيرة وعدم رضاء بعض القطاعات عن السياسة الاقتصادية وقضية المهاجرين,ومن الملفت للنظر ان الولاياتالشرقية والجنوبية هى التى صوتت للبديل ذو الاتجاه اليمينى المتطرف مدعومة فى ذلك بالاتجاهات السياسية الشعبوية التى شهدتها الانتخابات الفرنسيه ,بينما الولاياتالشماليةوالغربية صوتت لصالح الاحزاب الاخرى,اى ان ولايات المانياالشرقية-سابقا- هى المدعم للاتجاهات اليمينيه المتطرفة,بينما ولايات المانياالغربية-سابقا- حريصة على ترسيخ قوائم الاحزاب الديقراطية القائمة مع توجيه لوم يتمثل فى انخفاض نسبة التصويت لها . مثل الاداء الاقتصادى لالمانيا خلال فترة حكم ميركل الداعم الاساسى لها,بينما مثلت توزيع نتائجه الدافع الاساسى لرسائل اللوم والانذار فى ظل ازمة المهاجرين وموقف برلين منها0 فطبقا لارقام صندوق النقد الدولى تمثل برلين ثلث القوة الاقتصادية لمنطقة اليورو,ورابع اكبر اقتصاد عالمى من حيث اجمالى الناتج المحلى وثالث اكبر مصدر فى العالم وصاحبة اكبر فاض تجارى,ولم تكن هذه المؤشرات من فراغ او انها ترتبط بشخصية المستشار-وكفى-بل انها تطبيق متواصل لفلسفة اعتنقت وترجمت فى كلمات لودفيج ايرهارد ابو المعجزة الاقتصادية (ان التجارة الخارجية هى الجوهر الاساسى ان لم تكن الشرط المسبق لنظامنا الاقتصادى والاجتماعى انه سحر التصدير) ,ومن الطبيعى ان تشكل الصادرات 41% من اجمالى الناتج المحلى وان تكون المانيا المركز الاول للمعارض والمؤتمرات التجاريه فى العالم ,معتمدة فى ذلك على الشركات المتوسطة والصغيرة بصفة اساسية والتى يغلب عليها الطابع العائلى(99%)من الشركات الالمانية0 كا ان البطالة فى ادنى مستوياتها ومعدل التضخم دون 2% وانخفض معدل المديونية الى اجمالى الناتج المحلى وتحقق فائض فى الميزانية ,مع تصنيف متقدم من جانب وكالات التصنيف الائتمانى الدولية . ولكن الشيطان يكمن فى التفاصيل ممثلة فى عدم عدالة التوزيع,حيث اوضحت الابحاث ان 10% من السكان يملكون 60% من الاصول المملوكة للافراد وتزايدت دخولهم بنسبة 27% منذ التسعينات وحتى عام 2014 بينما كانت النسبة للطبقة المتوسطة 9% وانخفضت للقطاع العائلى بنسبة 8% لترتفع نسبة السكان تحت خط الفقر الى 16،7% كما ان زيادة الوظائف انحصرت فى ذات الاجور المتدنية (اقل من 450 يورو او ما يعادل 540 دولار ) شهريا,بينما تحتل المانيا المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة فى قائمة اغنياء العالم . وبالنظر الى قضية اللاجئين,سوف نجد التداخل مابين العوامل الاقتصادية والديموغرافية وسياسات المالية العامة,حيث ان اكثر من 50% من سكان المانيا يبلغ عمرهم 52 عاما فاكثر مما يعنى ارتفاع عبء شبكة التامين الاجتماعى والمعاشات من ناحية وتزايد الضغط على دافعى الضرائب من ناحية ثانية ثم انكماش الايدى العاملة المنتجه وبخاصة الفنية من ناحية ثالثة0ومن ثم فان اللاجئين الذين تجاوز عددهم اكثر من مليون,يمكن ان يقدموا البديل الملائم للعمل اليدوى والفنى وبمستويات اجور اعلى من الحد الادنى,فيساهموا فى عبء الضرائب وليس العيش على المعونات ,خاصة وان المقترح برفع سن المعاش الى سبعين عاما ,لن يحقق العدالة للجميع حيث توجد بعض المهن اليدوية والفنية التى لا تستطيع الاستمرار فى العطاء لهذا السن . لقد بذلت انجيلا جهودا داخلية وخارجية من اجل التخفيف من توابع مشكلة اللاجئين ولكن المسرح السياسى والمناخ الحزبى لم يكن متوافقا مع هذه الرؤية وتلك الجهود لوجود هاجس اكبر وهو عنصر الامان,فكان تصاعد اليمين وعقاب الائتلاف الحاكم من الحزب المسيحى والاشتراكى ومع اعترافها بانها كانت تتطلع للافضل ,الا انها اكدت قوة حزبها وتملكه التفويض لتشكيل الحكومة الجديدة . هنا تبدو الخيارات المريرة فهى تبحث عن حكومة مستقرة تتخطى الاسباب التى ادت الى هذه النتائج , ولكن اعلان الحزب الاشتراكى رغبته فى مقاعد المعارضة سيعرضها لتحالفات تتباين فيها الاهداف والسياسات, مابين السياسة البيئية والهجرة لحزب الخضر او اطلاق الحرية لراس المال والخصخصة وخفض الضرائب لدعم القطاع الخاص بالنسبة للحزب الحر,ويعد التحالف مع الحزب اليسارى او اليمينى غير مطروح—ومن ثم اعلنت ميركل –عزمها المحاولة مع الحزب الاشتراكى مجددا . وتعد الجبهه الاوروبية وبخاصة مع صداع بريطانيا والبريكسيت ,ومقترحات الرئيس الفرنسى ماكرون باقرار ميزانية موحدةووزير مالية لدول منطقة اليورو,وما يثيره من مخاوف بعودة ازمة الديون للمنطقة,بالاضافه الى تكوين قوة دفاع مشتركة لدول الاتحاد الاوروبى ككل وما تعنيه من جدل مالى وسياسى,ناهيك عن حالة التحفز الدائمة للدفاع عن اليورو باعتباره الرمز السياسى والاقتصادى للقارة بعد سقوط حائط برلين ومصير اتفاقية التجارة الحرة عبر الاطلنطى,بمثابة ملفات شائكة ومسؤليات فرضها واقع المانيا باعتبارها الثقل الاقتصادى الاكبر والراعى السياسى لاتساع حلم الوحدة الاوروبية وحماية ديمقراطياتها . لقد صدقت ميركل فى توقعاتها بات تكون فترة المستشارية الجديدة شاقه حيث ان الانتصار كان مغلفا بالانذار على الصعيدين الداخلى والخارجى.