يواجه الاتفاق النووي مع إيران أفقا مظلما بعد أن شكك فيه الرئيس الأمريكي ترامب واعتبره من أسوأ صفقات تاريخ الولاياتالمتحدة. وهو تطور بات يشكل كابوسا حقيقيا لألمانيا والاتحاد الأوروبي لتبعاته المحتملة على السلم العالمي. برعاية من الاتحاد الأوروبي، شاركت ألمانيا إلى جانب الدول المعنية بالاتفاق النووي الإيراني في اجتماع هادئ في شكله عاصف في مضمونه. مبادرة إتاحة اللقاء بين وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف للمرة الأولى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك. الاجتماع خيمت عليه التصريحات النارية للرئيس دونالد ترامب، التي اعتبر فيها الاتفاق "إحدى أسوأ الصفقات في تاريخ الولاياتالمتحدة". وقد أعربت برلين وعواصم أوروبية أخرى عن قلقها البالغ إزاء التبعات السلبية المحتملة لأي انسحاب أمريكي من الاتفاق مع إيران، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي لإعادة كوريا الشمالية إلى طاولة الحوار لحملها على العدول عن برنامجها الصاروخي والنووي. وبهذا الصدد يقول الخبير ماكس هوفمان أنه "حينما يُشغِل دونالد ترامب نفسه بموضوعات السياسة الخارجية ككوريا الشماليةوإيران، فإن الرعب ينتاب شركاءه خصوصا الأوروبيين منهم". وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، التي تترأس لجنة متابعة الاتفاق مع إيران أكدت بلغة دبلوماسية أن المشاركين في اجتماع نيويورك "اتفقوا على القول بأن كل الأطراف تحترم نص (الاتفاق) حتى الآن". وعبارة "حتى الآن" توحي بأن الوضع قد يتغير في أي لحظة، ما سيفتح الأبواب على المجهول. وذكرت موجيريني الإدارة الأمريكية بأن "الاتفاق يسير جيدا... لدينا أصلا أزمة نووية ولا نريد الدخول في أزمة ثانية". إن أي انسحاب لترامب من الاتفاق النووي سيدفع الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على طهران، وهو ما ستمتنع عنه أوروبا بلا شك، ما سيزيد من تأزيم العلاقات الأطلسية المتوترة أصلا. كان موقف برلين واضحا منذ البداية، إذ أكد وزير الخارجية سجمار جابرييل أن "ألمانيا لها كل المصلحة بعدم تعريض الاتفاق النووي مع إيران للخطر، وبالتالي عدم الانسحاب منه سواء في الحاضر أو المستقبل". وأوضح الوزير أن السنتين الماضيتين أظهرتا أن الاتفاق نجح فعلا في منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة". ومن وجهة نظر ألمانية ليس هناك أي داع لتعليق الاتفاق، فقد زارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنشئات النووية الإيرانية ثماني مرات للتأكد من الالتزام بالاتفاق، وفي كل مرة كان جواب الوكالة بالإيجاب، لدرجة أن المستشارة أنجيلا ميركل بدأت ترى في الاتفاق نموذجا يمكن نهجه مع كوريا الشمالية. ورأى كلاوس ديتر فرانكبيرغر محرر الشئون الخارجية في صحيفة "فرانكفورتر آلجماينه تسايتونج" الألمانية في عددها الصادر يوم (الأربعاء 20 سبتمبر2017) أن خطوة ترامب "قد تزيد من سرعة تحقيق ما يعلن أنه يسعى لتفاديه، أي اكتساب إيران للسلاح النووي. إن الأمر لخطير ..إنها حماقة كبرى. وباستثناء هتافات وتصفيقات البعض فإن الولاياتالمتحدة ستجد نفسها في عزلة". غير أن الملفت في الموقف الأوروبي هو ما أثاره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول إمكانية إعادة التفاوض حول بعض استحقاقات الاتفاق، مشيرا إلى ما أسماه ب "النشاط المتزايد لإيران على الصعيد البالستي"، غير أن دبلوماسيين فرنسيين شددوا على أن الأمر لا يتعلق ب "إعادة التفاوض" حول الاتفاق بل ب "استكماله".