من منا لم يكن قلقا حول ما يمكن ان يسفر عنه مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى؟ من منا لم تطارده هواجس القلق من احداث عنف او نتائج محدودة تغذى آلة التخويف والاستهزاء والتنكيل التى شنها البعض ضد الاحتمالات المتوقعة، من مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى؟ تساؤلات كثيرة ومخاوف عديدة بددتها ما اسفرت عنه النتائج المترتبة على هذا الحدث الذى شهدته مصر. لقد كان المؤتمر بمثابة عودة الروح لأمة، اثقلتها الهموم والاحزان، وكذلك التراخى والاهمال، امة عانت لعقود من الاستكانة لرتابة الاحداث ووصاية عصبة من تحالف السياسة مع رأس المال، فكان رد الشعب سياسة - وانا مالى- لتكون شعار الزمان ومعول هدم الروح المعنوية والانتماء، وهكذا دارت الحلقة المفرغة من تدهور لاخر، ومن عجز الى اجترار ومضغ قلة الحيلة وإلقاء اللوم، على الاخر. وكان الامل المنبثق بعد ثورة 25 يناير، هو بصيص الضوء فى معادلة عيش - حرية-عدالة اجتماعية. الا ان الرياح لم تأتى بما تشتهيه السفن، فغدت الاخيرة تبحر فى امواج عاصفة ورياح قاسية من اختلاف الاراء ومحنة تبادل الاتهامات، وايضا تناحر الاهواء والتطلعات، فغدا الوطن ينتقل من محنة الى اخرى، حتى بعد 30 يونيو. وقد كان احد الاسباب الرئيسية لهذه الاوضاع، شحذ الجماعة المنحلة لاسلحة التشكيك والعنف من ناحية، وتواجهها فى ذلك وجهات نظر مناوئة، ولكن العديد منها لم يستطع خلع عباءة التصفيق والمداهنة والمهادنة، لكل عصر على التوالى، فكانوا عبئا على مصر الجديدة وميراثا سلبيا تحملت مصر تبعاته، والذى ينظر حوله سوف يجد العديد والعديد من الامثلة المارقة الخارجة عن مفهوم مطالب ثورات مصر الجديدة. واذا كان مؤتمر شرم الشيخ قد جاء مبددا لجميع المخاوف والشكوك، فان ذلك لم يأت من فراغ - وهو ما يجب ان نضعه نصب اعيننا - لقد جاء نتيجة جهد وعمل منظم وشحن لارادة العمل فى مواجهة التحديات، وهذا هو الدرس الاول الذى يجب ان نعيه جيدا، الا وهو الرغبة والارادة الصادقة فى العطاء، والانضباط بدلا من روح الفهلوة واقتناص الفرص. الدرس الثانى يتمثل فى الروح الجديدة التى بثت فى تعاون رأس المال الخاص - سواء مصرى او عربى - مع دور الدولة وبمشاركة المؤسسات والمنظمات الدولية، المهم فى هذا المجال ان نبعد هذا التعاون عن دائرة الشبهات، فى اطار سياسة الشفافية والمصارحة. فالفساد والافساد آفة ومعول هدم لاى جهود تبذل فى مجال البناء الجاد والنمو والعدالة الاجتماعية. وبعيدا عن المصطلحات المخففة لافة الفساد بانواعها المختلفة، تحت مصطلح الدولة العميقة وغيرها، فان الفساد هو الفساد ابتداء من رخصة المرور الى الشهر العقارى، مرورا بمنادى السيارات . الدرس الثالث يتمثل فى ضراوة وتوحش الرأى الاخر الرامى الى الهدم والتشكيك عبر المنافذ المرئية والمسموعة، قالوا ان اموال الدعم العربى عبارة عن اموال زكاة!! وهل كان مشروع مارشاaل لاعادة بناء اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية او اعادة بناء دول وسط وشرق اوروبا. بعد سقوط حائط برلين، يدخل فى هذا النطاق، بل وصل الامر الى التشكيك فى دول عربية بعينها!! وذهب البعض الاخر الى الاشادة بالاتفاقيات التى توصلت اليها تركيا مع بعض الدول العربية، دون اقامة مؤتمر؟ وما وجه الغرابة فى ذلك، فان رأس المال يذهب ويعدد من توجهاته طبقا للجدوى الاقتصادية لمشروعاته. كما ان هؤلاء نسوا او تناسوا ان هذا المؤتمر لم يكن اقتصاديا بحتا، لقد كان استفتاء عالميا على نجاح ثورات مصر، فجاء على ذات النسق الذى شهدته ميادين مصر، ولكن فى شرم الشيخ التى نفضت عن نفسها آثار حقبة سابقة وجاءت بحقبة جديدة، لمصر الجديدة. كما ان اصحاب هذا الرأى المشكك، يجردون الاتفاقات الموقعة والمشروعات الطموحة المستهدفة، من كل بعد اقتصادى وكل قيمة مضافة ستنجم عنه على صعيد الاقتصاد وصالح المواطن المصرى، فكان القول ببيع مصر.. وليس تنمية مصر. وانطلاقا من هذه الدروس، يكون الحديث عن دور العمل. لقد اثلج مؤتمر شرم الشيخ قلوبنا وبعث الامل فى نفوسنا وبدد القلق والمخاوف، ولكن الى حين.. حين تجتمع الارادة على العمل وتنكمش سلبية سياسة الأنامالية، وتتقلص حزمة الفساد والمحاباة وعبارة اهل الثقة.. حين ذلك تتحق معادلة التنمية الشاملة فى مصر التى تتضمن (عيش- حرية -عدالة اجتماعية).