تسببت الفجوة بين المدخرات ومتطلبات الاستثمار القومى فى اللجوء إلى أحد المسارين إما الاقتراض من الخارج والذى تسبب فى اختناق الاقتصاد المصرى بالمديونيات الخارجية، أو فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبى حيث عمليات الخصخصة على نطاق واسع شمل مختلف القطاعات الاقتصادية التى وصلت إلى حق الاستثمارات الأجنبية بالدخول فى مشروعات حق الامتياز فى إنشاء البنية الأساسية والموانئ والمطارات. وقد شهد السوق المصرى عمليات استحواذ نشطة شملت العديد من المجالات المتعددة والحيوية فى قطاع الصناعة، بين تلك الاستحواذات العديد من الشركات العامة التى تمت خصخصتها ثم أعاد مشتروها عملية بيعها إلى ملاك عرب وأجانب، وكانت شركة بسكو مصر أواخر تلك الاستحواذات، وهى التى أثارت فى أذهان المصريين عقدة الاستحواذات الأجنبية على الأصول المصرية بشكل مستمر. تمتلك شركة «بسكو مصر» BISM) أراضى تقدر بنحو 80 ألف متر فى منطقة السيوف بالإسكندرية ضمن مصنع الشركة، ونحو 36 منفذا للبيع فى مناطق مهمة، وتصدر إنتاجها إلى حوالى 15 دولة، وتحقق مكاسب تعادل نحو 60 مليون جنيه سنويا، وفى الربع الأول من العام 2014 حققت أرباحا تقدر ب 15 مليون جنيه، وفتحت المنافسة بين كل من شركة « كلوجز» الأمريكية، وشركة « أبراج « الإماراتية، وشركة «العوجان» السعودية على شراء الشركة باباً للجدل حول تلك الاستحواذات الأجنبية على أصول الدولة، ومدى فعاليتها للاقتصاد المصرى، وبخاصة أن الشركة الأمريكية التى تقدمت للشراء بها اثنان من المساهمين ذوى أصول إسرائيلية تزيد حصتهم عن 5٪، وهم ورثة مؤسس الشركة، ويمتلكون 20٪ من قيمتها الإجمالية. 21 عاما من الاستحواذ الأجنبى للأصول الأكثر حيوية اجمالى عدد الشركات التى تم خصخصتها منذ عام 1993 حتى مارس من العام 2014 إجمالى 282 شركة بقيمة 53.644 مليار جنيه فى مختلف القطاعات الإنتاجية للاقتصاد المصري، إضافة إلى ما تم بيعه بالكامل، وما تم تصفيته، حيث تمت عمليات بيع 85 شركة لمستثمر رئيسى بمبلغ 32.208 مليار جنيه، منها: بنك الإسكندرية بنسبة 80٪ بقيمة 9.3 مليار جنيه، والمصرية للأسمدة بنسبة 46٪ بمبلغ 1.971 مليار جنيه، والسويس للأسمنت بنسبة 32٪ بقيمة 1.8 مليار جنيه وأسمنت أسيوط كاملة بنسبة 100٪ وبقيمة 1.4 مليار جنيه. جاء عدد الشركات التى تمت تصفيتها بشكل كامل نحو 34 شركة، إضافة إلى 44 شركة تم بيع أصولها الرئيسية بقيمة 3.44 مليار جنيه، وكانت هناك عمليات البيع بنظام الأغلبية لعدد 38 شركة، بقيمة إجمالية قدرها 6.1 مليار جنيه، تشمل 4 شركات كبرى فى قطاع الأسمنت، وهى: بورتلاند حلوان بنسبة 52٪ وبمبلغ 1.202 مليار جنيه، و شركة العامرية بنسبة 71٪ بقيمة 768 مليون جنيه، بالإضافة إلى شركة البويات والصناعات الكيماوية بنسبة 62٪ بقيمة 692 مليون جنيه، وشركة المشروعات الصناعية والهندسية بنسبة 90٪، بقيمة 299 مليون جنيه. كما بلغت قيمة الشركات المبيعة بنظام الأقلية بواقع 23 شركة بقيمة 11.003 مليار جنيه، ومنها: المصرية للاتصالات بنسبة 20٪ بمبلغ 5.122 مليار جنيه، وسيدى كرير للبتروكيماويات بقيمة 1.63 مليار جنيه، و طلعت مصطفى القابضة بنسبة 4٪، بمبلغ 932 مليون حنيه، و الشرقية للدخان بنسبة 34٪ بمبلغ 549 مليون جنيه، وأخيرا حيث كان الجدل دائراً حول شركة أسمنت بنى سويف والتى تم بيعها. بموجب برنامج الخصخصة واشترتها شركة لافارج الفرنسية لتبيعها بعد ذلك إلى شركة تيتان اليونانية، انضمت كذلك شركة «إيديال» والتى تعد من أكبر القطاعات الصناعية فى مصر إلى مصفوفة الشركات التى تم بيعها حيث طرحتها الحكومة للبيع فى إطار برنامج الخصخصة وتم شرائها بقيمة إجمالية تبلغ 315 مليون جنيه، فى حين أن تقيمها الفعلى بلغ 1.5 مليار جنيه وفى عام 2011 انتقلت تلك الشركة من مجموعة اوليمبيك المصرية الى شركة الكترولكس السويدية. الاستحواذ على القطاعات الصناعية .. بين السلب والإيجاب هناك العديد من الصفقات الاستثمارية التى تبدأ بالمستثمر الوطنى ثم ينتقل الأصل إلى مالك أجنبي، ومثال ذلك: تمت خصخصة الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات «بيبسى كولا المصرية» بصفقه قيمتها 131.1 مليون جنيه اشتراها محمد نصير بنسبة 49٪ من أسهمها و 49 ٪ للمستثمر السعودى محمد بقشان ثم عاد نصير ليبيع حصته للمستثمر السعودي، ثم استحوذت « بيبسى كولا العالمية» على 77٪ من أسهم الشركة بصفقه قيمتها 400 مليون جنيه، كما استحوذت على شركات شيبسي، و شركة لايز، وشركة تستى فودز، و شركة أكوا فينا للمياه. جاءت كذلك صفقة شركة النصر لتعبئه الزجاجات «الكوكا كولا» التى بيعت بالكامل لمستثمرين عرب من اليمن، ثم تستحوذ عليها كوكاكولا العالمية بقيمة 286 مليون جنيه، ثم استحوذت كوكاكولا على مجموعة مصانع من القطاع العام، وهي: شركة الإسكندرية للمرطبات، والقاهرة للمرطبات والصناعة، ومصر للمياه الغازية وحفظ الأغذية، والوطنية للمشروبات، واستحوذت شركة المراعى السعودية أخيرًا على شركة بيتى المصرية للألبان بصفقه قيمتها 645 مليون جنيه، واستحوذت مجموعة الخرافى الكويتية على شركة جرين لاند للألبان بعد أن استحوذت على شركات غذائية مهمه كالمصرية للنشا والجلوكوز، بالإضافة إلى ذلك اشترت شركة هينكين الأمريكية العالمية شركة الأهرام للمشروبات من القطاع الخاص والذى اشتراها من الدولة بقيمة هزيلة للغاية تقدر ب298.1 مليون جنيه لتباع لهينكن الأمريكية بمليار و125 مليون جنيه مع شركة الجونة للكحوليات. اتجهت عائدات الخصخصة إلى الإنفاق العام للدولة المتمثلة فى خدمات أو تطوير بنية تحتية، وهذا النوع من الإنفاق لايضيف إلى الناتج العام لأنه ليس استثماراً فى وحدات صناعية جديدة أو فى تطوير صناعات قائمة، وبالتالى لم تحقق عائدات الخصخصة زيادة فى معدلات التنمية أو تأثيرا فى معدلات التشغيل، ومكافحة الفقر بل حققت فقداناً لأصول مملوكة للدولة فضلاً عن أن كثير من المشترين حولوا المصانع إلى خردة وأراض للاستثمار العقارى. كان الاتجاه إلى بيع الشركات الخاسرة، ولكن من الواضح أن مسارات الخصخصة والبيع والاستحواذ انتهت إلى بيع كل شىء وأى شىء، فى حين تحولت شركات إلى جثث هامدة بعد بيعها رغم أنها كانت على قدر كبير من الكفاءة عالميا، كشركة قها للمنتجات الغذائية حيث تعرضت لخسائر باهظة بعد الخصخصة بسبب فشل المستثمر فى إدارة الشركة فى الوقت الذى كان رأسمال الشركة بالإيجاب، إضافة إلى أن الشركة القابضة ظلت تسدد أجور العمال وتأميناتهم الشهرية بقيمة 4.1 مليون جنيه قبل فرض الحراسة القضائية ب 8 شهور وحتى عودة الشركة التى تمت خصخصتها عام 1998 وعادت فى عام 2007 بعد أن سجلت مستويات تراجع غير مسبوقة. إضافة إلى ذلك، فإن كل من الشركات عمر أفندى، والمراجل البخارية، والنيل لحليج الأقطان، وطنطا للكتان، وغزل شبين، وأسمنت أسيوط تعهد مستحوذيها على التطوير، وضخ رءوس أموال إضافية، واستثمارات جديدة تؤدى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية وتوسيع نشاطها، واستغلال أراضيها وأصولها فى نفس مجال نشاطها، والحفاظ على العمالة، بل وصقل مهاراتها بمزيد من التدريب والتطوير، ولكن الواقع الذى وصلت إليه تلك الشركات وصل إلى تكرار نفس السيناريو من بيع الأراضي، والأصول العامة، وإجبار العمال على الخروج إلى المعاش المبكر. ففى حالة عمر أفندى يزيد على ما سبق أن الشركة صارت غارقة فى الديون، وفى حالة شركة المراجل البخارية والذى كان يتمثل فى إنتاج الغلايات الضخمة التى تقوم بحرق الوقود لتوليد البخار ليستخدم كقوى محركة فى محطات توليد الكهرباء وفى الصناعات المختلفة لتتحول إلى العمل فى مجال الاستثمار انتهى الأمر وصلت إلى تفكيك البنية الأساسية الإنتاجية للشركة وإيقاف نشاطها إلى تخريد معدات المراجل البخارية وانتقال موجوداتها لشركة تعمل فى مجال الاستثمار العقارى والذى اتسع بشكل غير مسبوق فى الآونة الأخيرة. إذا كان الاستحواذ الأجنبى والخصخصة هو المسار الواضح للتنمية وتغطية عجز الموازنة، بخاصة فى قطاعات مثل الأغذية والزراعة والدواء والبتروكيماويات والموارد الأساسية المصرية والتى قد تكون خلال الفترة القادمة هدفا قويا لعمليات الاستحواذ، لكنهما بشكل أو بآخر تظل علاجا وقتياً سهلا يبيع أصول الدولة، ففى كل مرة تتم فيها الخصخصة لإحدى شركات القطاع العام تكون الصدمة من الأسعار المتدنية التى يتم بها تقييم الأصول العامة، وبالتالى يبقى المسار الحقيقى الذى يحتاج إلى مزيد من التوعية والاهتمام هو توجيه مدخرات المصريين فى الداخل والخارج إلى ضرورات التنمية، وبناء قواعد إنتاج بمؤسسات فاعلة تدار بكفاءة وتقود الاقتصاد المصرى جنبا الى جنب مع المشروعات الوطنية المنتجة والقائمة بالفعل.