السيد رئيس التحرير.... لقد أصبت كبد الحقيقة فى مقالك بعنوان «الإصلاح فى المكان الخاطئ» والمنشور بتاريخ 15 نوفمبر 2014، حين أشرت إلى أن السعى نحو زيادة الاستثمارات عبر حشد كبار المسئولين فى مجالس عليا ثبت فشله، ومن ثم فهى محاولات لإصلاح ما لا يحتاج الى إصلاح.. وتجاهل حقيقة أزمة الاستثمار فى مصر. وفى ضوء خبرتى العملية فى هيئة الاستثمار لأكثر من ثلاثين عاما، عاصرت فيها كل ما جاء بقوانين الاستثمار بدءا من القانون رقم 65 لسنة 1971، والقانون 43 لسنة 1974 وتعديلاته بالقانون 32 لسنة 1977 ثم القانون 230 لسنة 1989 وأخيرا القانون 8 لسنة 1997 الذى نال أكبر قدر من التعديلات بمقتضى القوانين رقم 13 لسنة 2004، 94 لسنة 2005، 19 لسنة 2007، 114 لسنة 2008، ثم القانون رقم 133 لسنة 2010 الذى أعاد لمشروعات تكرير البترول العمل بنظام المناطق الحرة بعد إلغاء هذه الاعفاءات بالقانون السابق رقم 114 لسنة 2008 . ورغم كل ذلك عاد الحديث فى الآونة الأخيرة حول إعداد قانون جديد للاستثمار او تعديل القانون الحالى والشعار المرفوع هو تفعيل نظام الشباك الواحد وان تكون هيئة الاستثمار هى الجهة الوحيدة التى يتعامل معها المستثمر دون ان يلتفت أحد إلى أن هذا الهدف كان وراء صدور القانون رقم 13 لسنة 2004 بإضافة باب رابع تحت عنوان تيسير اجراءات الاستثمار الذى تضمن 24 مادة تجعل من هيئة الاستثمار دولة داخل الدولة إذ تنص المادة 48 على أن: «تعرض الحكومة مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المرتبطة بشئون الاستثمار على مجلس ادارة الهيئة لإبداء الرأى فيها». وتنص المادة 49 على ان »لا يجوز إصدار قرارات متعلقة بتنظيم انشاء وتشغيل المشروعات ولا يجوز فرض رسوم ومقابل خدمات عليها الا بعد أخذ رأى مجلس ادارة الهيئة وموافقة مجلس الوزراء، وتنص المادة 50 على ان الهيئة هى الجهة المختصة بجمع وتوفير البيانات والمعلومات المتعلقة بالاستثمار ومتابعة تحديثها ونشرها بجميع وسائل النشر.. وتلتزم جميع أجهزة الدولة بإمداد الهيئة بهذه البيانات والمعلومات وما يتم من تحديث فيها وكذلك بالخرائط المتعلقة بالبرامج والخطط والإمكانات المتاحة للاستثمار، وتصدر الهيئة فى أول يوليو من كل عام نشرة ارشادية بالمشروعات التى تدعو فيها المستثمرين لانشائها فى ضوء الدراسات الأولية التى تثبت جدواها وتتخذ الهيئة الوسائل الكفيلة باتاحة هذه النشرات والدراسات لمن يرغب من المستثمرين وعلى الهيئة ان تصدر نشرات ربع سنوية عن تدفقات الاستثمار والضمانات والحوافز التى تقدم للمستثمرين. وتمضى بقية مواد هذا الباب فى القانون على تأكيد ان هيئة الاستثمار هى الجهة الوحيدة التى يتعامل معها المستثمر الى الحد الذى يعطيها الحق فى تحصيل جميع ما تفرضه التشريعات من الرسوم المقررة وغيرها من المبالغ للجهات التى تقدم خدمات الاستثمار نيابة عن هذه الجهات. ولا يمكن إغفال ما تضمنته المادة 64 من القانون من أن الهيئة تختص دون غيرها بتحديد تاريخ بدء مزاولة النشاط فى المنشآت الجديدة وكذا تحديد تاريخ بدء ووقف وانهاء التمتع بالحوافز والمزايا وكذلك حسم أى خلاف بين الوزارات ومصالحها وأجهزتها حول هذا التاريخ أو تاريخ بدء مزاولة النشاط، ولم يفت الهيئة فى هذا القانون ان تنص على إلزام كل الجهات الحكومية والهيئات الاقتصادية والخدمية التى تتعامل مع المستثمرين بانشاء مكاتب لها فى الهيئة لأداء جميع الخدمات اللازمة للمستثمرين وذلك بالطبع تحت إشراف الهيئة !! وبغض النظر عن التناقض والتضارب فى صياغة المواد القانونية التى تضمنها هذا التعديل بالقانون 13 لسنة 2004 الذى لم تتم مراجعته من قسم التشريع بمجلس الدولة، والذى تنص المادة 70 منه على إلغاء كل نص يخالف أحكام هذه الموارد ورغم ما يردده المسئولون عن الاستثمار عن مجمع الخدمات الذى يضم مكاتب وممثلين لأكثر من أربعين جهة حكومية، ورغم كل هذه المواد القانونية التى جعلت من الهيئة دولة فوق الدولة، فإن الهيئة لم تستطع ان تضع هذه المواد موضع التنفيذ، ولن تستطيع إذا أصدرت مائة قانون آخر على هذا النحو غير الواقعى. إن مفهوم الشباك الواحد الذى نردده منذ سنوات باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحسين مناخ الاستثمار والعمل على جذب وتشجيع الاستثمارات ليس هو الحل المناسب فى ظل وجود هيئات أخرى قائمة تحدد اختصاصاتها قوانين ولوائح مثل هيئة التنمية الصناعية وهيئة التنمية السياحية وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وغيرها. وإنضافا للحقيقة فإن نظام الشباك الواحد نجح فى سرعة تأسيس المشروعات، لكن تأسيس المشروع لا يعنى شيئا ذلك ان العنصر الحاكم فى تنفيذ أى مشروع هو حصوله على الأرض اللازمة لإقامته وفقا لطبيعة نشاطه ومن ثم لابد من تعامله مع الجهة التى تملك تخصيص هذه الأراضى سواء بالبيع او بتقرير حق الانتفاع ومدى توافر البنية الأساسية اللازمة لإقامة مشروعه بل ضرورة رؤيته للمساحة المخصصة له ومدى ملاءمتها لنشاطه . إننا نخطئ مرة ثانية وثالثة إذا أصررنا على أن تعديل قانون الاستثمار الحالى أو إعداد قانون جديد يخول لهيئة الاستثمار المزيد من الهيمنة وانها الجهة الوحيدة التى تتعامل مع المستثمرين وسلب السلطات المخولة لكل الهيئات والجهات التى يتعامل معها المستثمر. إن جذب وتشجيع الاستثمارات وتحسين مناخ الاستثمار وإزالة المعوقات التى يواجهها المستثمرون وخاصة قبل موعد المؤتمر الاقتصادى يحتم علينا ان نتخذ الخطوات التالية: - انهاء النزاعات القائمة مع جميع المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، وعلى الدولة أن تتحمل بشجاعة نتيجة الأخطاء التى وقعت مادام المستثمر لم يكن متواطئا أو مخالفا للشروط التى تم على أساسها التعاقد بينه وبين الدولة. - وضع استراتجية للتنمية فى كل المجالات التى نرغب فى جذب الاستثمارات اليها وتحديد أولويات للبدء بها فى كل مجال (صناعة - سياحة - زراعة - تكنولوجيا الاتصالات..) . - ضرورة اعداد قانون جديد للاستثمار يحدد بوضوح الضمانات والحوافز والمجالات التى ترغب الدولة فى جذب الاستثمارات اليها وان ترتبط المزايا والاعفاءات بالأهداف المرجوة سواء فى نوعية النشاط او موقع اقامته، كما ينبغى ان يتضمن القانون فصلا عن المناطق الحرة يحدد الأنشطة التى يسمح بإقامتها وإلغاء المواد التى أثارت العديد من المشاكل عند التطبيق، وأن يحدد القانون الرسوم المقررة وفقا لطبيعة النشاط وحق الانتفاع بالمناطق الحرة العامة والا يترك ذلك للائحة او لقرارات يتخذها مجلس ادارة الهيئة. قانون جديد واضح المعالم والأهداف، لا يسمح بالتحايل على مواده من خلال اللوائح التنفيذية او القرارات الادارية . - ان تمارس كل الهيئات التى تقوم بتخصيص الاراضى دورها طبقا لقانون انشائها بشرط ان تعلن عن كل البيانات والاجراءات التى تتيح للمستثمر أن يتخذ قراره، وأن تتم موافاة هيئة الاستثمار بتلك البيانات والاجراءات، ومن ثم يستطيع المستثمر ان يتوجه الى الجهة المعنية ليرى على الطبيعة الموقع أو المساحة التى يمكن ان يحصل عليها ومدى ملاءمتها لنشاطه وان يحصل على موافقة مبدئية ثم يمضى فى اجراءات تأسيس الشركة لدى هيئة الاستثمار. - تشكيل مجلس ادارة هيئة الاستثمار برئاسة وزير الاستثمار وعضوية رؤساء الهيئات والجهات المعنية ذات الصلة وممثلين عن رجال الأعمال، وأن يكون للهيئة رئيس تنفيذى يشرف على ادارة الهيئة ويكون عضوا بمجلس الادارة. ---- - إعادة النظر فى الجهات التى يضمها مجمع خدمات الاستثمار وتدعيم المكاتب التى يتعامل معها المستثمرون بشكل دائم كالسجل التجارى والشهر العقارى والجوازات وتراخيص العمل.. ومازلت أذكر انه عندما تولى المرحوم الاستاذ جمال الناظر منصب نائب رئيس الهيئة (الرئيس التنفيذ ى ) فى مايو عا م - 1977 وكان يرأس الهيئة وقتئذ وزير الاقتصاد - خصص مكاتب السجل التجارى والشهر العقارى ومصلحة الجوازات ووضع نظاما لتعامل المستثمرين مع الهيئة وتوقيتات زمنية لإنهاء كل إجراء، وكان ذلك قبل أ ن يصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 79 لسنة 2002 بانشاء مجمع خدمات الاستثمار وتطبيق نظام الشباك الواحد.