* د. مصطفي سالم: الاتفاقيات تعطي للمستثمر الحق في مقاضاة الدولة في حالة حدوث ضرر له من الحروب الأهلية أو الاضطرابات أو الإضرابات * د. محمد عبد الرءوف: يجب توفير آليات جادة لتسوية المنازعات تجعل من اللجوء للتحكيم الملاذ الاخير مثل التفاوض المباشر والوساطة * حاتم زايد: تطبيق الحد الأدني دفع أحد المستثمرين إلي رفع قضية بدعوي حدوث تغيير في المناخ الاستثماري -------------------- وقعت الدول النامية في شراك اتفاقيات تشجيع الاستثمار التي جعلتها مهددة بتكبد خسائر التحكيم الدولي وأن تظل دائما الطرف الأضعف حيث تكون دائما المدعي عليه ولا تملك حق الادعاء, كما لا تستطيع هذه الدول التحرر من قيود اتفاقيات تسوية المنازعات خوفا من الخروج من جنة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نتيجة للعجز الدائم في ميزانياتها. هذا التحقيق يدور حول قيود اتفاقيات الاستثمار وتسوية المنازعات وكيفية الخروج من تداعياتها. يقول د. مصطفي سالم أستاذ قانون الاستثمار الدولي: إن اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار تفرض علي الدول المتلقية للاستثمار أن تخضع لأحكام التحكيم في مركز الإكسيد باعتبارها مدعي عليه دائما لا يجوز لها حق الادعاء, منوها بأن قواعد القانون المقارن ونظم القانون المختلفة لا تعرف مثل هذا النظام الغريب في التحكيم حيث يوجد طرف سلب منه الحق في أن يكون مدعيا وحكم عليه أن يكون مدعي عليه دائما ويدافع عن نفسه فقط, متسائلا: هل يملك أحد إجبار الدولة علي الدخول في اتفاقية واشنطن لتسوية نزاعات الاستثمار( الإكسيد) الموقعة في مارس1965 ؟ وهل تملك الدولة التي انضمت لهذه الاتفاقية حق الانسحاب منها؟ يجيب: الواقع من الناحية النظرية ووفقا لمبدأ سيادة الدولة لا يستطيع أحد أن يجبر دولة ما علي الانضمام لهذه الاتفاقية أو يجبرها علي البقاء فيها إذا رغبت في الانسحاب, هذا من الناحية النظرية فقط, مستدركا أنه من الناحية العملية يلاحظ الآتي: بالنسبة للدول المصدرة لرأس المال التي ينتمي إليها كبار المستثمرين وتستثمر أموالها في العديد من دول العالم وتقوم محكمة الإكسيد بحماية رعاياها من عسف سلطات العالم الثالث فإن هذه الدول بالطبع لا ترغب في الانسحاب من الاتفاقية وترحب بالانضمام إليها وليس لها مصلحة في الانسحاب, أما الدول المتلقية لرأس المال أو دول العالم الثالث النامية فإن هذه الدول تعيش علي معونات الدول الأجنبية الغنية وعلي المعونات التي يقدمها صندوق النقد الدولي وعلي القروض التي يقدمها البنك الدولي للمستثمرين الأجانب لعمل مشروعات كبري في الدول النامية. فإذا لم تنضم هذه الدولة أو انسحبت من تلك الاتفاقية فإنها ستحرم من كل هذه المزايا ولن يكون لها أي تصنيف ائتماني دولي, ولن تتمتع بخدمات تلك الأجهزة الغنية التي تتحكم في اقتصاد العالم ولن يأتيها أي مستثمر أجنبي لعدم تمتعه بهذه الحماية, مشيرا إلي أن معظم هذه الدول تعاني عجزا دائما في الميزانيات وتحتاج إلي القروض والمعونات لسد هذا العجز وعمل تنمية تساعد علي سداد تلك القروض أو علي الأقل فوائد هذه القروض ودون وجودها في هذه الاتفاقية فلن تحصل علي شيء, ومن ثم فإن تلك الدول الفقيرة لا تملك عدم الانضمام أو الانسحاب من هذه الاتفاقية نظرا للواقع المرير الذي تعيشه للعجز الدائم في ميزانياتها. مضيفا أن تشجيع الدول النامية علي توقيع اتفاقيات حماية الاستثمار يجعل تلك الاتفاقيات بما تتضمنه من قواعد وشروط ومبادئ هي القانون الواجب التطبيق أمام محكمة الإكسيد وذلك يعني من الناحية العملية أن الالتزامات التي تعهدت الدولة بمراعاتها وإعطائها للمستثمر الأجنبي والمبادئ التي وضعتها في هذا الشأن تعد التزاما قانونيا عليها يحق معها للمستثمر أن يلجأ بموجب هذه الاتفاقية إذا خالفت الدولة التزاماتها أمام مركز الإكسيد. ولفت إلي أن تلك الاتفاقيات عادة ما تتضمن التزامات مجحفة علي الدولة المضيفة منها مثلا أنه يحق للمستثمر مقاضاتها في حالة حدوث ضرر له من جراء حرب أهلية أو اضطرابات أو إضرابات وهذا هو الأمر الذي استغلته الشركات الإسرائيلية والأمريكية في الدعاوي المرفوعة بسبب تفجير أنابيب الغاز في سيناء مع أن مثل هذا التفجير يعد من الأسباب التي تعفي الدولة من المسئولية في ظل كل قواعد الفقه المقارن وهذا أمر تقره كل المحاكم سببا للإعفاء من المسئولية. موضحا أن هذه الاتفاقيات تفترض علي غير الواقع أن إدارات الدولة والسلطات علي درجة عالية من الكفاءة والخبرة الوعي القانوني وعلي دراية كاملة بكل ما ورد في نصوص اتفاقيات حماية الاستثمار ولكن الواقع غير ذلك علي الإطلاق فلا يوجد موظف مصري قد قرأ اتفاقية حماية الاستثمار بين الولاياتالمتحدة ومصر ولا توجد برامج تدريبية للعاملين في سلطات الدولة لتوعيتهم بالتزامات مصر فيها. وكشف عن أن السلطات التشريعية عليها قيود ولا تملك مخالفة هذه الاتفاقيات بإصدار أي نص تشريعي مخالف, وإذا أصدرت فإن الدولة كلها تحاسب علي مثل هذه المخالفة بل وصل الأمر في هذه الاتفاقيات إلي أنها تنص علي أن فسخ عقود المستثمرين بموجب حكم كما فعلت المحكمة الإدارية العليا في العديد من القضايا مثل المراجل البخارية وعمر أفندي بأن هذا الفسخ القضائي بموجب نصوص هذه الاتفاقية نوع من التأميم يحق للمستثمر أن يعوض عنه وفقا لقواعد التعويض الدولية عن التأميم أو المصادرة, منبها إلي ضرورة الحذر في هذه القضايا التي لا تحتمل أي خطأ ولو كان بسيطا فقضية سياج خسرناها لأن هيئة قضايا الدولة قدمت إلي مكتب بيكر وماكينزي حكم إفلاس صادرا ضد وجيه سياج وبالتالي طالب مكتب بيكر وماكينزي الذي يمثل مصر الحكم بعدم قبول الدعوي لرفعها من غير ذي صفة ثم تبين بعد ذلك أن هذا الحكم قد تم إلغاؤه ولا تعلم به هيئة قضايا الدولة. بينما ينفي الدكتور محمد عبد الرءوف مدير مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وجود عيوب باتفاقية الإكسيد موضحا أن مصر انضمت إليها منذ زمن بعيد وكان أحد أهم الذين أسهموا في هذا الكيان أحد الفقهاء القانونيين المصريين وهو د. إبراهيم شحاتة صاحب كتاب وصيتي لبلادي حيث كان النائب الأول لرئيس البنك الدولي ومستشارا قانونيا له وشغل منصب الأمين العام للإكسيد بواشنطن. لافتا إلي أن المشكلة الأبرز تكمن في بنود الاتفاقيات الثنائية لتشجيع وحماية الاستثمار حيث وقعت مصر أكثر من100 اتفاقية وكانت توقعها جهات عديدة في الدولة مثل وزارة التعاون الدولي أو الاستثمار واقتصر الأمر الآن علي الاستثمار وكانت هذه الاتفاقيات أمرا واقعا لا يمكن التحاور بشأنه ولكن الآن الوضع تحسن حيث أصبح التفاوض موجودا حول بعض بنود هذه الاتفاقيات. كما يوجد لدينا نموذج للاتفاقيات تسير عليه الآن جميع الاتفاقيات الجديدة, مشيرا إلي أن آخر ما تم التوصل له في الاتفاقيات العالمية في تسوية المنازعات أن الأمر لم يعد مقصورا علي التحكيم حيث اصبحت هناك خيارات أخري أمام المستثمر مثل التفاوض والوساطة والتظلم أمام جهة معينة مستقلة, مشددا علي أنه يجب أن يكون هناك التزام علي الطرفين باستنفاد هذه الآليات قبل التحكيم بشرط توفير آليات تسوية للمنازعات لها مصداقية ضاربا المثال بكندا التي حققت تقدما ملحوظا في تسوية نزاعات الاستثمار, مشيرا إلي أن مصر لجأت الي الأممالمتحدة الاونكتاد للتوصل إلي آخر صيحة في اتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمار بما لا يخل بحقوق الدولة المضيفة للاستثمار. وبالنسبة إلي عدم التزام الدولة بتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة ضدها يقول إذا كانت القضية أمام امركز الإكسيد, فإن الدولة قد تتعرض لفرض عقوبات من جانب البنك الدولي, هذا علما بأنه طبقا لاتفاقية واشنطن التي أنشأت الإكسيد فإن حكم التحكيم يعامل وكأنه صادر من أعلي جهة قضائية في الدولة. أما الضجة المثارة حاليا عن أحكام منتظرة ضد مصر فإننا نجد الكثير من مطالبات ودعاوي المستثمرين رفضت خصوصا انهم في هيئة قضايا الدولة الآن يحسنون اختيار المحكمين والنتائج أصبحت في مصلحة مصر إلي حد كبير حيث كسبت علي الأقل آخر ثلاث قضايا, أما القضايا التي يكون وضع الدولة القانوني فيها غير جيد, فيري د. عبد الرءوف أن الأفضل محاولة تسويتها وديا تجنبا لخسارتها والإساءة إلي سمعة الدولة المضيفة للاستثمار. ولعل هذا ما اشار اليه وزير الاستثمار أشرف العربي بأن مصر سوف تعمل علي تسوية قضايا التحكيم الدولي. مع مراعاة التمييز بين المستثمر الجاد الذي يريد العمل بشفافية والالتزام بالقواينن والمستثمر غير الجاد.مؤكدا أن التحكيم وسيلة في غاية الاهمية وليس بعبعا كما يري البعض والدليل أن العديد من الأحكام تصدر لصالح الدول المضيفة للاستثمار ومن بينها مصر, كما يوجد مستثمرون مصريون يرفعون قضايا ضد دول اخري فأصبح لدينا مستثمرون مصريون في إفريقيا كما في قضية اوراسكوم في الجزائر فهؤلاء من الافضل أن تتاح لهم هذه الآلية ولا ينبغي أن ينظر إلي هذه المسألة فقط من منظور الدولة المضيفة للاستثمار. وبالنسبة لقانون تقييد الطعن علي العقود فيري أن أثره لم يظهر إلي الآن بشكل واضح علي هذه القضايا ولكن هذا القانون نظم عملية الطعن ولم يحصنها, فالقانون يتيح الطعن ولكن يوضح كيفية ذلك واصحاب الصفات ولذلك الرسالة كانت جادة بأن القضاء المدني ليس هو الجهة المنوط بها الفصل في مدي وجود الفساد بل ينبغي أن يصدر بذلك حكم من القاضي الجنائي, فهذا القانون يمثل تدخلا جراحيا دقيقا من وجهة نظره. مبينا أن القضايا التي خسرتها مصر وهي قليلة مقارنة بتلك التي صدرت فيها أحكام لصالحها ترجع أسباب الخسارة إلي أنه ينسب إلي الدولة أنها قد أخلت بالتزاماتها الدولية الناشئة عن الاتفاقية الثنائية لتشجيع وحماية الاستثمار ومنها الالتزام بعدم المصادرة, وعدم التمييز في المعاملة أو المعاملة العادلة والمنصفة للاستثمارات, مستدركا أن مصر تعلمت من دروس الماضي وبدأت تتعامل مع هذه المسألة بجدية. منوها بأن هناك بعض البنود في الاتفاقيات الثنائية يجب التفاوض حولها مثل حماية المستمثرين مزدوجي الجنسية, إذ يجب وضع نصوص تقصر الحماية الدولية علي المستثمر الأجنبي وقت إبرام العقد وعند تحريك التحكيم, فإذا كان يحمل الجنسية المصرية يصبح مستثمرا وطنيا وبالتالي لا يحق له رفع دعوي تحكيم دولي.كما ينبغي أن يوضع نص يحرم المستثمر الأجنبي من الحماية في حالة إثبات وجود فساد, وقد صدرت بعض الأحكام من الإكسيد رفضت دعاوي المستثمر الأجنبي باعتبار أنه قد حصل علي الصفقة عن طريق الفساد وبالتالي لا تتوافر في استثماراته اعتبارات حسن النية ولا يكون جديرا بالحماية الدولية. كما يجب توفير آليات جادة لتسوية المنازعات تجعل من اللجوء للتحكيم وهو مهم للجميع الملاذ الاخير, مثل التفاوض المباشر والوساطة, موضحا أن الاتفاقيات الثنائية التي تحيل للإكسيد لا تسمح للدولة المضيفة للاستثمار باللجوء للتحكيم, كل ما تستطيع الدولة عمله هو رفع دعاوي فرعية أو دعاوي مقابلة ضد مطالبات المستثمر. وإذا كان بين الدولة والمستثمر عقد يمكن أن تحرك من خلاله الدعوي وتكون هي الطرف المدعي, مناشدا الإعلام مراعاة نشر معلومات دقيقة وموثقة عن هذه القضايا دون تهويل أو تهوين. ويتفق معه حاتم زايد مسئول برامج بوحدة البحث بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ضرورة مراجعة الاتفاقيات الثنائية فهي بقدر فائدتها في جذب الاستثمار فإنها تهدر الأموال أكثر, مضيفا أن المشكلة ليست في نظام الاتفاقيات الثنائية بل في المضمون الذي تحويه تلك الاتفاقيات من شروط بين المستثمر والدولة فأغلب العلاقات بين الدولة والمستثمر تعطيه الحق في رفع القضايا الدولية. مشيرا إلي أن هناك دولا تنبهت لهذا فعندما تعقد اتفاقية مع مستثمر تنص علي أن المحاكم المحلية أولا ثم محاكم تسمي أدهوك وهي محاكم منشأة فقط من أجل حل هذا النزاع وليس لها هدف ثان وتشكل من ممثلين بموافقة المستثمر والدولة. لافتا إلي أن مصر قامت بعمل هذا مع بعض الدول, ولكن أغلب الدول التي لديها مستثمرون كبار أوروربيون وخليجيون تسمح الاتفاقيات معهم بالذهاب للإكسيد. مدللا علي جور بعض هذه الاتفاقيات بأن مشكلة شكوي العمال من الحد الأدني للأجور التي كانت تؤرق مصر وحاولت تطبيقه استجابة لمطالب العمال ربما يأتي مستثمر أجنبي قد يتأثر بذلك فيرفع قضية علي مصر, حتي لو ذهب لمحكمة مصرية وخسر القضية لا توجد لديه مشكلة فعنده خيار رفع القضية في الإكسيد متعللا المستثمر بأنه حدث تغيير في المناخ الاستثماري في مصر عما كان موجودا وقت المجيء إليها كما حدث في قضية فيوليا التي رفعت ضد مصر في2012 بسبب تطبيق الحد الأدني للأجور, متسائلا هل هناك حل للمشكلة يمكن أن يشجع مناخ الاستثمار ويحافظ علي حقوق البلاد؟ يجيب: نعم, فهناك دول راجعت اتفاقياتها وأوجدت بدائل للجوء المستثمر إلي المحاكم الدولية مباشرة مثل جنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية, ونحن في مصر عندنا مميزات كثيرة حتي لا يتذرع أحد بعرقلة الاستثمار تتمثل في العمالة الرخيصة والضرائب المنخفضة مقارنة بكثير من الدول بالإضافة إلي المنافسة الضعيفة من الشركات المصرية, لذلك فالمستثمر الجاد لابد أن يأتي فعوامل الجذب كثيرة, أما المستثمر غير الجاد فهو الذي يبحث عن هذه الاتفاقيات ليستغل هذا المناخ. موضحا أن أسباب خسارة كل قضية تختلف عن الأخري فهناك قضايا تم الحكم بأن تتحمل الدولة50% والمستثمر50% مثل شركة فنادق هلمن, أما وجيه سياج فخسرناها حيث كان يحمل الجنسية الإيطالية بجانب المصرية فأقام الدعوي باعتباره مواطنا إيطاليا تعطلت استثماراته في مصر. وقد تكون التشريعات الكثيرة التي ربما تضر بالمستثمر سببا لخسارة القضية فأحيانا يستغل المستثمر ثغرة قانونية كما في شركة فيوليا, وأيا كان السبب التقصير من هنا أو الاستغلال من هناك فيمكن تجنب الموقف لو تمت مراجعة الاتفاقيات.