أجمع خبراء الاقتصاد والتغذية أن غياب دور الدولة في الرقابة علي الاسواق أعطي فرصا كثيرة للتجارة ليتلاعبوا بالأسعار بل وأحيانا تسهم الدولة في هذا الدور بل وتكون أول من يرفع أسعار السلع والحبوب والخاسر والوحيد هو المواطن والفلاح حيث وصل بنا الأمر أن يصبح المزارع هو من يدعم المستهلك وليست الحكومة, كما أكدوا ضرورة أن تفعل وزارة التموين دورها تجاه التجارة الداخلية وطالبوا بضرورة عودة قوة الدولة في ضبط السوق ووضع نظام تسويقي يضمن حق الفلاح.. حول هذه الرؤي تحدثنا إلي بعض خبراء الاقتصاد الزراعي والغذاء والتنفيذيين وجاءت ردودهم مختلفة أحيانا لكنها اتفقت جميعا علي أن الحكومة وحدها هي المسئولة عن كل الأسباب التي أدت إلي زيادة الأسعار بشكل أو بآخر.. يقول الدكتور نادر نور الدين خبير بورصات الحبوب والغذاء والموارد المائية إن السلع الغذائية بشكل عام لا تخضع للعرض والطلب لأنها سلع غير مرنة وتعتبر ضرورة من ضروريات الحياة اليومية, هي سلع فاقدة للمرونة ولكن ما يفرضه التاجر هو ما نشتريه محاولا المحافظة علي حد أدني من الأسعار, وحتي أسعار اللحوم يسيطر عليها عدد معين من التجار يتحكمون فيها لأننا نستورد60% من اللحوم لذا يرتفع سعرها خاصة قبل مجيء اللحوم المستوردة, ويري نور الدين أن انعدام الرقابة علي الأسواق خاصة في السلع المستوردة هو ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل عام, فمثلا سعر السكر المستورد حوالي3 جنيهات ومع ذلك يباع هنا ب5 و6 جنيهات وإذا أرادوا تخفيضه تظهر شركات القطاع العام مثل الشركة القابضة للصناعات الغذائية وهي23 شركة منها شركتان رئيسيتان للسكر واحدة من القصب والأخري من البنجر ويندرج تحتهما عدة شركات أخري, تقوم هذه الشركات برفع سعر السكر حتي لا تخسر.. فأحيانا الدولة نفسها تقاوم من فكرة استعادة نزول أو خفض الأسعار وهم أول من يقوم برفع الأسعار معللين ذلك بارتفاع سعر نظيره المستورد مع أن السعر حينما ينخفض عالميا هم لا يقومون بتخفيض السعر بل يبقي كما هو. وبالنسبة للحبوب والزيوت فيشير نور الدين إلي أنها في أقل مستوياتها في البورصة العالمية ومع ذلك أسعارها في مصر مرتفعة جدا ولا تتناسب مع الأسعار العالمية, هنا دور الدولة في الرقابة لابد أن توزان الدولة في الأسعار ولأجل ذلك أنشئت المجمعات الاستهلاكية والجمعيات التعاونية سنة1961 لكن أين دورها الآن وأين دور الدولة.. ومعني أن يرتفع سعر الزبدة الصفراء مثلا إلي40 جنيها فهذا يعني زيادة الزبدة البلدي وكل منتجات الألبان ومن المعروف أن سعر الزبدة الصفراء عالميا لا يتجاوز25 جنيها, لذا لابد للدولة أن تقوم باستيراد السلع التموينية وتقوم بتوزيعها من خلال المستودعات والجمعيات التعاونية وفي هذه الحالة يمكن ضبط الأسعار والحد من جشع التجار.. من ناحية أخري دور وزير التموين الذي تناسي أن الوزارة اسمها التموين والتجارة الداخلية وأن هذه التجارة الداخلية أهم ما يمس المواطن وللأسف لم يهتم أحد بها, أين مفتش التموين؟ الرقابة علي الأسعار هي دور التجارة الداخلية والفقراء لا يتحملون ارتفاع الأسعار والمواطن في بلدنا ينفق60% من راتبه علي الغذاء فإذا ارتفع سعر الغذاء فسوف ينفق كل راتبه علي الطعام فقط أو يخل بحقه في الطعام, لابد أن تتوافر السلع وأن تكون في متناول الجميع.. ويري نور الدين أن الحل في وجود رقابة علي الأسواق تخفض من أسعار السلع وغياب هذه الرقابة كان وسيظل سببا في ارتفاع الأسعار.. كل سنة يأتي وزير ويتغير وزير ولم يهتم أي منهم بفرض رقابة علي الأسعار فأين دور الدولة في ضبط الأسعار؟ لدينا1200 مجمع استهلاكي و250 ألف تعاونيات' بيعملوا ايه'؟ قاموا بتحويل معظمها إلي شركات قابضة تستهدف الأرباح مع أنه من المفترض أن تلك الشركات خدمية بالأساس وتتبع وزارة التموين وتكون غير هادفة للربح, يجب أن يكون الغذاء في متناول الجميع ومن المؤشرات الخطيرة ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الأسعار في أغسطس الحالي أعلي بنسبة تتراوح ما بين12:26% من العام الماضي في الوقت الذي من المعروف فيه أن الأسعار حينما ترتفع بنسبة من2:5% يقال إن هناك أزمة غذاء, كما أن نسبة التضخم زادت7,2% في شهر يونيو رغم أنها عادة تزيد بنسبة واحد من عشرة في المائة كل ذلك يسبب ارتفاع أسعار الغذاء وهذه المؤشرات تعني أن السوق منحل وأن الدولة لا تعطي أي اهتمام للتجارة الداخلية والسلع الموجودة في السوق أقل من حاجة الناس, وما دام هناك تضخم فلابد أن يصحبه ارتفاع أسعار. وينصح نور الدين وزير التموين الحالي بضرورة أن يكون هناك تفرغ للتجارة الداخلية وكفاه ظهورا في وسائل الإعلام فكل يوم الأسعار تزداد وترتفع بنسب أكثر من25% من قبل الجمعيات والمجمعات التابعة لوزارة التموين, ليس هناك مبيعات ومعظم الجمعيات التعاونية فارغة ومغلقة.. والأرز علي سبيل المثال ننتجه محليا وهذا العام أنتجنا منه الكثير حوالي2 مليون طن فلماذا ارتفع سعره من3 جنيهات إلي7 جنيهات؟ هنا يظهر عجز السلع التموينية وبالتالي ترتفع أسعار الزيت والسكر والأرز.. الصراحة دور الدولة غائب ودور وزارة التموين غائب ودور دراسة السوق غائب خاصة في مواسم الذروة كموسم رمضان والعيد ودخول المدارس ترتفع فيها أسعار سلع معينة مرتبطة بهذه المناسبات يجب توافرها للمواطنين فنجد ارتفاع أسعار الجبن وقت دخول المدارس وارتفاع أسعار اللحوم وقت موسم العيد, وأنا شخصيا لدي تحفظ علي وزير التموين الذي أتوا به بعد خروجه للمعاش منذ7 سنوات وأعادوه للحكم مرة أخري, منطق غريب. من جانبه يقول حمدان طه- رئيس قطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين سابقا- إن الظروف الأمنية والحظر وارتفاع سعر الدولار وعدم توافر وسائل النقل في ظل سوق حر كلها أسباب في زيادة أسعار السلع ومن المعروف أن أصحاب رأس المال يبحثون عن زيادة الربح ونحن في سوق حر, والحل الأمثل هو أن تقوم الشركة القابضة المصرية من خلال منافذها الموجودة في أنحاء الجمهورية بالسيطرة علي الأسعار والضغط علي الشركات الخاصة الكبيرة مثل هايبر وأولاد رجب وغيرها بعمل تخفيضات بنسب10% علي السلع استجابة للحكومة, ونحن لدينا شركات قطاع أعمال ومجمعات استهلاكية تقوم بعرض السلع من خلال شركتي الجملة الرئيسيتين وهما الشركة المصرية لتجارة السلع الغذائية بالجملة, والشركة العامة لتجارة السلع الغذائية بالجملة, تقومان بتوزيع السلع علي مستوي الجمهورية حتي إنها تخللت الأرياف حيث تغطي الأولي من القاهرة إلي أسوان والثانية من القاهرة إلي مرسي مطروح, كما قامت الوزارة باختراع آلية جديدة للتعامل مع المواطنين مباشرة من خلال فروع ومنافذ بيع مباشرة وهذه هي الآلية الوحيدة التي يمكن من خلالها الحكومة أن تسيطر علي الأسعار وضبطها والوصول بالتخفيضات إلي20 و30%, من أسباب زيادة الأسعار أيضا ارتفاع أسعار النقل خاصة مع فرض حظر التجوال وعدم الاستقرار الأمني, والمشكلة أن التاجر يبحث دائما عن الربح وليس خدمة المواطنين لذا لابد من ظهور دور الدولة وبقوة في ضبط السوق والسيطرة علي الأسواق لأن المواطن في النهاية هو من يدفع الثمن. ويقول الدكتور عبدالعظيم الطنطاوي- رئيس قسم الأرز بمركز البحوث الزراعية- المشكلة تتلخص في أمرين هما العرض والطلب, وتكاليف الانتاج.. فبالنسبة لتكاليف الانتاج مثلا تجد العامل في جمع القطن بعدما كان يتقاضي25 جنيها يأخذ الآن40 جنيها والحكومة' حاطة إيدها في الميه الباردة' وليس لديهم أي فكرة لا عن الزراعة ولا عن الفلاحين والجمعيات التعاونية كلها مغلقة وبالتالي المزارع يشتري من خارجها بأسعار مرتفعة فضلا عن غلاء الأسمدة حيث ارتفعت شيكارة الكيماوي من35 جنيها إلي170 جنيها في غصون3 أو4 سنوات وليس هناك رقابة علي التقاوي ولا علي جودة ولا علي أسعار بل تركت الحكومة كل شيء للقطاع الخاص ينتج كما يشاء بالسعر الذي يريده وبالجودة التي يراها لذا فإن مدخلات الانتاج وتكلفة الزراعة عالية جدا فماذا جني الفلاح؟ وأين المكسب الذي حققه؟ والحكومة لا تحس بالفلاحين ومعاناتهم. أما بخصوص العرض والطلب فيؤكد الطنطاوي أن جميع المنتجات الزراعية سواء محاصيل خضار أو فاكهة أو حبوب جميعها قلت وانخفضت إنتاجيتها عما سبق وبالتالي قل وانخفض العرض في ظل ظروف مناخية متغيرة أيضا, فضلا عن غياب الإرشاد الزراعي في جميع المحاصيل مما أثر علي الانتاجية فقل العرض, بالنسبة للأرز فمزارع الأرز يدعم الحكومة وبما أن الفيصل هو السعر العالمي فهناك سلع معينة لابد للدولة أن تدعمها, جودة القمح مثلا عندنا عالية جدا ومع ذلك الحكومة لا تدعمه ولا أي شيء ويكون من المفترض ألا تظلم المزارع لكن الحكومة في واد والفلاح في واد آخر, بالنسبة لأرز الشعير من المعروف أن السعر العالمي للأرز الامريكاني المعروف بأنه الأعلي من حيث الجودة2500 جنيه لطن الأرز الشعير يباع في مصر الآن طن الأرز الشعير ب1700 جنيه للطن بفارق800 جنيه من المفترض أنه حق للفلاح فمن يعطيه هذا الحق؟ المستفيد بهذا الفارق هو التاجر والمحتكر والصف الثاني من قيادات الوزارات المعنية ومازالت معاناة الفلاح مستمرة. ويضيف الطنطاوي أنه إلي الآن لم تعلن ولم تحدد الحكومة سعر الأرز ولم يكن لها أي دور علي الإطلاق وغاب دور الرقابة الحكومية التي من المفترض أن تلحق الفلاح قبل أن يسرقه التجار كنوع من التنمية المستدامة لكن الحكومة بتاعتنا' لابدة في الذرة' التجار يخزنون الأرز والناس لا تجد الأرز علي بطاقات التموين من المفترض أن يكون هناك مليون وربع المليون من الأرز الأبيض كمخزون استراتيجي لبطاقات التموين نحن نحتاج100 ألف طن أرز أبيض كل شهر, أما ما يحدث فهو قيام الحكومة بطرح مناقصات محلية فيرتفع سعر الأرز فيحقق التجار والمحتكرون وأصحاب المخازن المكسب والربح لكن الفلاح هو الخاسر ولا يجد من ينصفه أو يعطيه حقه وأصبح المزارع هو من يدعم المستهلك وليس الحكومة التي يجب عليها وضع نظام تسويقي يضمن حق الفلاح. أما بخصوص مخرجات الإنتاج يقول الطنطاوي إنه حتي عملية التسويق تجد الحكومة في واد والمزارع في واد آخر فما هو الحل؟ لابد من وضع سعر عادل للأرز يحقق هامش ربح للمزارع وليكن2000 جنيه للطن تعلنه الحكومة متمثلة في هيئة أو جمعية تسويق الأرز ومضارب الأرز تقوم جميعها بالشراء من الفلاحين بالسعر المعلن من الفلاحين للتموين ومن المعروف أن هناك600 مضرب للقطاع الخاص و36 مضربا للقطاع العام لكن قطاع الأعمال العام متوقف ولا يعمل في حين أن الحكومة يجب عليها أن توفر مليونا وربع المليون طن من الأرز الأبيض مخزون استراتيجي لبطاقات التموين ولكن لم يحدث هذا واستغل التجار والمحتكرون حاجة الفلاح, أين التوازن في أسعار الأرز؟ ولماذ قل أو انخفض الأرز في الشهور الأخيرة علي بطاقات التموين؟ ولماذا تترك الحكومة التجار يتلاعبون بالأسعار؟ أين الرقابة الحكومية للسوق؟ الأرز متروك لكبار التجار والمحتكرين كل منهم يخزن بالعشرة آلاف طن يكسب من ورائهم والحكومة ليس لديها مخزون استراتيجي من الأرز وبكل صراحة وأنا رجل أري الصورة عن قرب أن العملية أصبحت' هايصة جدا' أكثر من السابق بكثير. ويوضح الطنطاوي أنه صحيح أن هذا العام مساحة الزراعة للأرز كانت أكبر لكن الانتاجية منخفضة حيث لا إرشاد ولا كيماوي والحبوب مغشوشة وسبب كبر مساحة زراعة الأرز نظرا لأن محصولي القطن والذرة اصبحا يسببان الخسارة للفلاح بسبب الحكومة, تجد عمليات التسويق والتوريد متوقفة وحينما يبدأ الفلاح بجمع القطن تبدأ الحكومة باستيراد الأقطان من هنا وهناك فتغرق بها السوق وسعر القطن يقل ويخسر الفلاح و'يلطم علي وشه' وكذلك لم يعد هناك تسويق للذرة فاتجه الفلاحون لزراعة الأرز باعتباره محصولا استراتيجيا لكن حتي هنا هو مسلوب الحق من قبل التاجر والمحتكرين ومعاونيهم من الصفوف الثانية في الحكومة.. الأرز سلعة منسية من قبل الحكومة وحتي الآن أتعجب لماذا لا تقوم الحكومة بالشراء من الفلاحين لتحفظ حقهم في المكسب؟ إذا اشترت الحكومة من المزارع فستأخذ طن الأرز الشعير ب2000 أفضل من أن يتركوهم عرضة لجشع التجار الذين يفرضون عليهم1700 جنيه للطن ثم يعيدون بيعه للحكومة في مناقصات ب2500 جنيه.. من المستفيد؟ ومن الخاسر؟ والغريب في الامر أن نفس الخطأ ترتكبه الحكومة كل عام رغم تغير الورزاء والأنظمة.. هموم كثيرة بمباركة الحكومة.. ماذا أقول؟ لك الله يا مصر.