أ. ف. ب يستلقي الفتى ضياء الدين حسن على سرير داخل مشفى في غرب مدينة حلب بعدما اصيب بشظايا قذيفة في عموده الفقري شلّت حركته، فيما تمسك والدته بيده وتبعد نظرها عنه كي لا يرى عينيها الدامعتين. ويروي ضياء (14 عاما)، وهو المعيل لاسرته على الرغم من صغر سنه، كيفية إصابته قبل ايام قليلة لدى توجهه الى ورشة الخياطة حيث يعمل. ويقول لوكالة فرانس برس "اصبت في طريقي الى العمل في حي ميسلون عندما سقطت قذيفة. سقطت ارضا بعدما فقدت وعيي". ويوضح الفتى ذو العينين السوداوتين في مستشفى الرازي حيث يتقاسم غرفة مع مصابين آخرين "تركت المدرسة منذ عامين بعد تكرر سقوط القذائف عليها، حتى ان قذيفة سقطت في باحتها واصابت اربعة من اصدقائي. لكن يبدو ان قدري جاء الان". وضياء واحد من آلاف المصابين جراء القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة على الاحياء الغربية التي تسيطر عليها قوات النظام في مدينة حلب منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين هذه القوات في الغرب ومقاتلي المعارضة في الشرق. وخسر مقاتلو المعارضة خلال الاسبوعين الماضيين الجزء الاكبر من مناطقهم ازاء هجوم وتقدم سريع لقوات النظام، وكثفوا إطلاق القذائف على غرب المدينة. وتقول ام ضياء وهي تنظر بحنان الى ابنها "كنت اخاف عليه كلما خرج من المنزل.. حاولت منعه مرات عدة عندما كانت القذائف تنهمر، من الخروج من دون جدوى". ويقاطع ضياء والدته قائلا "علي الذهاب للعمل لانني اعيل عائلتي. واذا لم اعمل لن نستطيع ان ناكل". ثم يصمت قليلا قبل ان يواسي نفسه "القذائف تسقط في كل مكان، وان بقيت في المنزل قد تسقط علي ايضا". في غرفة المستشفى ذاتها، ترقد الشابة جميلة عبد الرحمن (23 عاما) جراء معاناتها من شلل ايضا سبّبه كسر في عمودها الفقري وحوضها ورجلها، بعدما سقطت من الطابق الثالث حيث كانت تنشر الغسيل جراء قذيفة استهدفت المبنى في حي الاذاعة. وتقول والدتها صالحة (68 عاما) التي بدت منهكة بعد ايام عدة أمضتها في المستشفى الى جانب ابنتها، "سقطت القذيفة ليلا. أصبت بانهيار وبدأت اصرخ حتى أتى الجيران واسعفوها". وتسأل بلوعة "ماذا يمكنني أن أفعل؟ انا وحيدة. لا ادري اين سنتوجه بعد خروجنا من المشفى". ثم تضيف "لا مكان لدي اسكنه بعدما اصيب المنزل باضرار كبيرة واقتلعت الابواب وتهدمت الجدران. اصبح غير قابل للسكن". وتروي صفاء قباني التي ارتدت معطفا خمري اللون مكسوا بالغبار لفرانس برس ان صاروخا سقط في حي المشارقة قبل يومين ادى الى فصل بناء مؤلف من اربعة طوابق الى شطرين وانهيار واجهته الامامية، ما ادى الى وفاة ثمانية اشخاص بينهم اربع نساء من عائلة واحدة. وتقول قباني (30 عاما) التي تتعافى من اصابة في راسها ورضوض في جسمها جراء تهدم المبنى حيث كانت تقيم مع عائلتها "كنا نشاهد التلفزيون ونتسامر بعد العشاء حين سمعنا ضوضاء سبقت انهيار السقف وتدفق المياه". وتضيف فيما تجلس مع زوجها وابنائها الثلاثة وعدد من اقاربها "لم اعرف كيف حملت ابني (سنتان) الذي كان يجلس قربي وخرجت من الغرفة. اكتشفت بعدها ان الدماء تسيل على وجنتي". وكانت عائلة صفاء انتقلت للاقامة في المنزل قبل ثلاثة اشهر بعد تنقل بين اماكن عدة. وتقول المرأة بحسرة "القدر يتبع الانسان مهما فر منه"، مضيفة ان "الاطفال باتوا يشعرون بالرهاب منذ الحادثة". وتعرض حي الفرقان في غرب حلب منذ مطلع الاسبوع لسقوط عدد كبير من القذائف استهدف بعضها مشفى ميدانيا روسيا وتسبب بمقتل طبيبتين روسيتين، وفق ما اعلنت موسكو قبل يومين. وقال فواز (50 عاما) وهو يملك بسطة لبيع الملابس في الحي "لم يسبق ان شاهدنا القذائف تسقط في كل مكان وباي وقت" بهذه الكثافة. ويستقبل مستشفى الرازي في غرب حلب المصابين بشكل يومي منذ اندلاع النزاع في المدينة. ويقول معاون رئيس المستشفى رضوان قهواتية لفرانس برس "لم تتوقف الاصابات ليوم (واحد) حتى اللحظة". ويضيف "ذات يوم استقبلنا 150 جريحا، وفي يوم اخر استقبلنا 50 اصابة خلال نصف ساعة"، مشيرا الى ان قسم الاسعاف كان يغص بالمصابين "لدرجة انه لم يكن يتسنى لعمال التنظيف الفرصة لتنظيف برك الدم عن الارض". وخلال تمشيطه للاحياء التي استعاد السيطرة عليها في شرق حلب، عثر الجيش في حي مساكن هنانو على مستودع للقذائف تابع للفصائل المقاتلة داخل مدرسة، وفق ما اوضحت مصادر عسكرية لفريق اعلامي زارها الثلاثاء. وقال رئيس وحدة الهندسة في الجيش وهو برتبة مقدم لفرانس برس انه في هذا المستودع كانت تتم "تعبئة القذائف وقوارير الغاز التي يُطلق عليها تسمية +جرار جهنم+". واضاف انها كانت "توجه بالنظر واحتمال الخطأ فيها كبير، ويمكن ان تصيب هدفا يبعد من كيلومتر واحد الى اثنين" عدا عن "سهولة تصنيعها محليا". وخلال زيارته شقيقته صفاء للاطمئنان عليها بعد اصابتها، يقول الرجل الاربعيني ابو عبدو لفرانس برس "الناس يعيشون على اعصابهم وفي رعب. لا تشعر الا بقذيفة هاون سقطت هنا وصاروخ هناك وجرة في مكان آخر". ويضيف "تعتقد انك تعيش بامان لكنك لا تعرف ماذا يمكن ان يحدث بعد خمس دقائق".