ننشر السيرة الذاتية للمستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية    رئيس الوزراء يهنئ شيخ الأزهر بالعام الهجري الجديد    شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا «MADANI»    وزير الإسكان يعقد أول اجتماعاته مع جهات وقطاعات الوزارة    سعر الدرهم الإماراتي اليوم مقابل الجنيه في البنوك    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    وزير التموين يبدأ عمله فى اليوم الثانى بالاطمئنان على مخزون السلع    ضغوط العملاء تجبر فولفو على التراجع عن وقف إنتاج طرازين من سياراتها    عادل النجار لمواطنى الجيزة: أعدكم ببذل أقصى ما فى قدراتنا لخدمتكم    جيش الاحتلال ينفذ عدة اقتحامات بالضفة الغربية    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال الإسرائيلي على عدة مناطق بغزة    وسائل إعلام عبرية: متظاهرون يضرمون النار ويغلقون طرقا بمحور أيالون بتل أبيب    خبير عسكري: الاحتلال الإسرائيلي يمارس حربا نفسية على اللبنانيين    الاتحاد الأوروبي منددا بالاستيطان الإسرائيلي: لن نعترف بالتغييرات في حدود 1967    بيراميدز: المنتخب الأولمبي رفض مقترحنا.. ولم نرفض انضمام أي لاعب للأولمبياد    الأهلي والداخلية.. مواعيد مباريات اليوم الخميس 04-07-2024 والقنوات الناقلة    ارتفاع شديد بدرجات الحرارة وسيولة مرورية على الطرق الرئيسية بالمنوفية    غرق طفلين شقيقين فى مزرعة سمكية بكفر الشيخ    طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة التوحيد.. لا شكاوى من الأسئلة    وزير التعليم يعتمد نتيجة الدبلومات الفنية 2024 بعد تجميع النتيجة    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان الكيمياء والجغرافيا السبت    الدكتور أحمد هنو بمكتبه بالعاصمة الإدارية فى أول أيام عمله وزيرا للثقافة    هيئة الدواء تحذر من عبوات مجهولة المصدر لعقار جليفيك 400 MG لعلاج أورام المعدة    تشكيل منتخب الأرجنتين المتوقع أمام الإكوادور في كوبا أمريكا    تعرف على أسعار الزيت اليوم الخميس 4-7-2024 بالأسواق    إصلاحي ومحافظ متشدد وجهًا لوجه في الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية| بزشكيان يسعى نحو التعددية السياسية والانفتاح على الغرب.. وجليلي يتجه نحو الإصلاح الاقتصادي وخلق علاقات دولية جديدة    أعشاب ومشروبات تعزز الصحة النفسية وقوة الدماغ    توفيق عبد الحميد يكشف عن حقيقة تدهور حالته الصحية    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: كريم عبد العزيز ل عمرو أديب أنا أهلاوي مجنون بحضور تركي آل الشيخ .. مفاجأة من وزير التموين للمواطنين بشأن الدعم على البطاقات التموينية    موعد إجازة رأس السنة الهجرية واستطلاع هلال شهر المحرم    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    اشتباكات وقصف مدفعي إسرائيلي على مخيمي «الشابورة» و«دوار النجمة» في رفح الفلسطينية    «بي إن سبورتس»: الجيش الملكي يقترب من تعيين عموتة    محافظ الدقهلية: العمل الميداني سر نجاح أي مسئول وقيادة.. ونعمل على حل مشاكل المواطنين ومحدوي الدخل    فرنسا تسحب نوع "كوكاكولا" بسبب مخاطر صحية: لا تشربوه    6 نصائح للعناية بالأسنان والحفاظ عليها من التسوس    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    إصابة طفل وانهيار جزئي لعقار مجاور.. تفاصيل سقوط عقار بالحي القبلي في شبين الكوم    العثور على شاب مصاب بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    عبد الرحيم علي يشكر الوزراء والمحافظين الذين غادروا مواقعهم    فولكس ڤاجن تقدم أقوى Golf R فى التاريخ    عمرو أديب الزمالك «نمبر وان».. وكريم عبدالعزيز يرد: أنا اهلاوي مجنون (فيديو)    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    "مين كبر ناو".. شيكو يحتفل بعيد ميلاده    «المصري اليوم» ترصد مطالب المواطنين من المحافظين الجدد    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على خلفية مقتل ناهض حتر.. غضب فى الأوساط الثقافية العربية
نشر في الأهرام العربي يوم 01 - 10 - 2016


حسناء الجريسى

مثقفو الأردن يتظاهرون للمطالبة بإقالة «الملقى» وأصابع الاتهام تشير إلى السلطات الأردنية

د. خالد حروب: للأسف المثقفون وأصحاب الفكر الحر يواجهون عمليا بالاستبداد الرسمى والاستبداد السياسى

موسى حوامدة: لم تشغله قضية الإيمان والكفر بقدر انشغاله بحماية الوطن العربى من التطرف والتعصب والاحتلال والتدمير

سعود قبيلات: مقتل ناهض «قصة موت معلن» مثل تلك التى كتبها الأديب اللاتينىالشهير ماركيز

زليخة أبو ريشة: اغتياله ضربة فى صميم الحريات فى الأردن

انتفض العديد من مثقفى العالم العربى لخبر اغتيال المفكر اليسارى ناهض حتر وغضبوا غضبا عارما منددين بقتله ، حيث قام مثقفو الأردن بالتظاهر أمام رئاسة مجلس الوزراء مطالبين بإقالة «الملقى».
فى البداية يقول الشاعر موسى حوامدة: أنا حزين جداً على مقتل ناهض حتر بهذا الشكل السافر، أمام قصر العدل، صباح الأحد 25-9-2016، وأحمل الحكومة الأردنية الجزء الأكبر من هذه المسئولية، فما كان ينبغى أساساً أن يقدم ناهض إلى محكمة بسبب قيامه بمشاركة رابط لكاريكاتير يسخر من عقلية الدواعش، وأضاف: وكم مرة قلنا وسنقول، ناهض لم يرسم الكاريكاتير ولم ينشره فى صدر صحيفة يرأس تحريرها أو موقعاً إخبارياً، المغدور وبسبب موقفه المعادى لداعش وما يفعله فى العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وخوفه على هذه الأمة من الغلو المبالغ فيه، والتطرف الذى بلغ حد القتل الهمجي، ونزع آيات من القرآن الكريم، لتطبيق جرائم القتل الجماعى والفردى التى يقومون بها، وبعد الخراب الذى طال الشعب السورى بكل فئاته، أراد أن يكشف جهل هذا التنظيم، وكيف يفكرون، فقام بمشاركة الكاريكاتير على صفحته فقط.
لافتا النظر إلى أن ناهض أدرك أن الكثيرين فهموا مشاركته، بأنها تهجم على الذات الإلهية، فأصدر بياناً نفى فيه ذلك وعبر عن احترامه للمجتمع ، وأنا أصدق ذلك، ويقول: حوامدة ناهض لم تشغله قضية الإيمان والكفر، بقدر انشغاله بحماية الوطن العربى من التطرف والتعصب والاحتلال والتدمير، وبالتأكيد لم يكن ليسجل على نفسه وهو المسيحى العربي، أن المسيحيين ضد الإسلام، فهم مكون أساسى فى المجتمع الأردني، وتاريخهم النضالى والقومى معروف منذ الحروب الصليبية وليس اليوم.
ويعترف: ناهض لم يكن ملحداً ينادى بفك تبعية المجتمع الأردنى أو حتى العربى من الدين، كان همه بالدرجة الأولى حماية سوريا كدولة مدنية، وعدم تسليمها للمتطرفين مثل جبهة النصرة وداعش وغيرهم، فقد كان يرى فى التطرف الدينى نذير خطر قد يقتلع العرب ويعطى الصهاينة متسعاً لتوسيع كيانهم والهيمنة على المنطقة برمتها.
ومع ذلك رضخت الدولة إلى صيحات سوء الفهم، وقامت باعتقاله بطلب من رئيس الوزراء نفسه، وقام هو بتسليم نفسه إلى القضاء، ويواصل قوله: وقتها كتبت وأدنت اعتقاله، وحينها قلت بينى وبين ناهض خلافات فى وجهات النظر، وسبق له أن كتب مقالات ضد المكون الفلسطينى فى الأردن، وكان موضوعه المحبب حتى بات الكاتب المتطرف، الذى صار كثير من الفلسطينيين وحتى الأردنيين يعتبرونه استفزازيا وعابثا بالوحدة الوطنية، وبرغم تحفظى على كثير من أطروحاته وآرائه التى تناست البعد التاريخى لوجود الفلسطيين فى الأردن، لكن ذلك لا يمنع من وقوفنا ضد اعتقاله، ولم نتوقف عند تلك المقالات المزعجة، والتى كان يعتبرها كثيرون (فتنة).
ويشيد الحوامدة: ميزة ناهض أنه كان جريئاً وصريحاً وينشر ما يفكر به، وكان ينطلق من عقيدة وفكر سياسى تؤمن بأن فلسطين بلد عربي، لا بد من تجميع الصفوف لتحريرها، وكان ضد إعطاء الفلسطينيين حقوقهم كاملة، وكان هذا موضوعاً للحوار، لكنه كان حوارا من طرف واحد، بمعنى أن ناهض يكتب وقلما يرد عليه كاتب فلسطيني، كما فعل سلامة كيلة ذات مرة.
ويتابع: وبرغم كل ما كتبه ناهض فى الشأن الفلسطيني، ورغم محاولات النظام لمنعه، والتلويح بالعبث بالوحدة الوطنية، لكنه لم يقدم على محاكمة لهذا السبب، ولم يتسبب ذلك باعتقاله أو قتله مثلاً، أو الاعتداء عليه، بل قام الرئيس الفلسطينى محمود عباس نفسه بلقائه فى عمان قبل عام وأكثر، ومؤكد أن أبا مازن سعى للتقرب من ناهض وتخفيف حدة موقفه تجاه الشعب الفلسطيني، ومؤكد أن ناهض يعرف أبا مازن جيداً، ولا بد أن الحديث أخذ طباعاً ودياً.
ويتساءل: فلماذا تم توقيت اغتياله بهذا الشكل؟، ولماذا كشفت الدولة ظهره هذه المرة ولم تقم بتغطيته؟ والدفاع عنه، هل جاء ذلك بسبب موقفه المؤيد لحزب الله وبشار الأسد؟ وهل هناك أطراف خارجية ضغطت لإسكات صوته، أم جهات تسعى لخلق فتنة داخل البلد، أم أن القاتل ينتسب لتنظيم داعش؟برغم نفيه لذلك فى أولى جلسات التحقيق، أو لتيار سلفى متعصب، وقام بكل جرأة بإطلاق النار عليه وأمام قصر العدل، فى رسالة أيضا للدولة والمجتمع الأردنى لتكميم الأفواه، أو لأهداف غير معلنة.
ويضيف: لقد نفى ناهض السخرية من الذات الإلهية، وأوضح أنه نشر الكاريكاتير الذى قام بحذفه عبر صفحته، لتوضيح عقلية الدواعش وليس السخرية من المؤمنين أو غيرهم، فهو يعرف المجتمع الأردنى مسلمين ومسيحيين، ويعلم شدة إيمانهم، ولا يمكن أن يقصد استفزاز كل مكونات المجتمع، وهو رجل له بعد سياسى أيضاً، لا يمكن أن يجهز على شعبيته بهذا الشكل، وهو يعلم أن مجابهة التطرف تحتاج إلى مشتغلين ضدها من مختلف مكونات المجتمع، كما أن الدفاع عن سوريا يحتاج لمناصرين لا يمكن أن يستعديهم بهذه البساطة.
ويقول حوامدة نحن لا ندين قتله فقط، بل ندين تلك العقلية التى تعامل الكتاب والمثقفين كأنهم مجرمون، ولا بد من وقوف الدولة ضد التطرف عملياً، وفتح تحقيق كامل فى مقتله والتوقف عن اعتقال الكتاب والمثقفين بسبب مقالاتهم وكتاباتهم، بل من واجب الدولة حماية حرية التعبير حسب القانون الذى يُتغنى به ليلاً نهاراً.
ويختتم قوله: إنها جريمة نكراء بكل معنى الكلمة والأنكى من ذلك، أن الجريمة تمت أمام قصر العدل ورجال الأمن العام، فى رسالة واضحة أن الجانى ومن يقف وراءه لا يؤمنون بالقانون ولا بالعدل بل بقوة السيف والرصاص، وما كان يفترض أن يقدم ناهض كبش فداء لهم بهذه السهولة، بل تم النفخ فى قضيته والتحريض ضده، حتى دائرة الإفتاء الرسمية أصدرت فتوى تجرمه، حتى تم توقيفه، وتسهيل الوصول إليه، وقتله بهذا الشكل المخيف.
كان يمكن لوزير الإعلام وقتها أن يسمح لناهض بتوضيح الصورة، وأن تقدم الحكومة دليلاً على حسن نيتها، والسماح للصحف اليومية والمواقع الإخبارية بنقل مقالات معارضة لتهديده، بدلا من منعها من نشر أى مقالة أو خبر عن، قبل محاكمته، فى موقف ملائم للتيارات السلفية والإسلامية الملتزمة.
ويري: أنه كان يمكن وأد القضية برمتها، من قبل الدولة، والتوافق على إصدار بيان منصف، ووأد الفتنة، وعدم السماح للغوغائيين بالسخرية منه وتشويه صورته والتحريض على قتله بهذ الشكل البشع الذى يعطى مؤشراً واضحاً أن الجريمة السياسية بدأت ملامحها تظهر فى الأردن، وأن البقاء تحت رحمة الحكومات المنافقة للتيارات الدينية ورهبة مجتمع متزمت لا تبشر بالخير.
ويلتقط المفكر د. خالد حروب طرف الحديث قائلا: حتر لم تغتاله الرصاصات الثالثة التى وجهها المجرم إلى رأسه، بل اغتالته ثقافة الدعشنة، التى خلقت المناخ الملائم والتحريضى لقيام هذه الفعلة، ليس مهما هوية وشخص المجرم الأخير ولا كيفية القيام بالحلقة الأخيرة من عملية الاغتيال.
ويري: أن المهم الآن هو رصد صيرورة الاغتيال والشحن الدينى والكراهية التى صارت تسيطر على مجتمعاتنا العربية كلها من دون استثناء، والتى ستقود إلى اغتيالات مقبلة أخرى وضحايا آخرين لأنهم حملوا رأيا أو فكراً لا ترضى عنه "الداعشية الكامنة" فى مجتمعاتنا وثقافتنا المتردي.
ويعود ليقول إدانتى لهذا الاغتيال البشع مطلقة ولا يستتبعها أى "لكن"، وهى إدانة لكل اغتيال فكرى أو سياسى لا يمكن وصفه إلا بالجبن الخالص. الإنسان الذى لا يستطيع مقابلة الفكرة بالفكرة ويلجأ إلى الرصاص ، يقدم إدانة كبيرة لفكرته التى يظن بأنه يدافع عنها، بكونها فكرة ضعيفة وهشة وتحتاج إلى الرصاص والسلاح كى يحميها، علينا أن نتعود على وجودنا المختلف واعترافنا ببعضنا البعض على قاعدة الاختلاف الفكرى والسياسى والأيديولوجي، وإدارة هذا الخلاف بل وأحيانا الصراع ديمقراطياً وسلمياً.
ويعترف قائلا: أنا شخصيا اختلفت مع معظم إن لم يكن كل ما كتبه ناهض حتر، سواء فى مقارباته للوجود الفلسطينى فى الأردن منذ أواخر التسعينيات، وصولاً إلى موقفه المناوىء للربيع العربى بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص وما بينهما من مواقف وكتابات، انطلق فى نقدى لأفكاره من منطلق علمانى ديمقراطى يؤمن بإرادة الشعب، وأظنه لم يعد يعبأ لأى خيار ديمقراطى ولا لإرادة الشعب.
ويضيف د. حروب لكن هذا الاختلاف فى الرأى ليس هو القضية، وقد أصبح وراء ظهرنا الآن، كما لم تعد له أهمية، فالأهمية القصوى للوقوف الجمعى ضد فكرة الاغتيال السياسي، وضد تغول الفكر الداعشى والثقافة الداعشية فى مجتمعاتنا وسلوكياتنا، وضد شريحة أذهلتنا حتى بعد الاغتيال بإيجاد المبررات والمسوغات.
ويتساءل: كيف نقف ضد كل ذلك الانحطاط الداعشى وتفاقمه، وما دورنا كمثقفين؟ هذا يتحدانا جميعاً، لكنى أعتقد أن البداية يجب أن تكون فى ملاحقة جذور أسميه "الداعشية الكامنة" التى تتفشى فى حياتنا والمسئولة عن التجيش والتحريض الدينى على الآخر.
وكتبت عنها وأكرر أن تنمية الداعشية الكامنة تبدأ على مقاعد المدرسة، ومن خلال مناهج التربية والتعليم التى تزرع فى عقول الصغار "معالم فى طريق" تقسيم البشر إلى مسلمين وكفار، معنا وضدنا.
كتب صفراء
ومن هناك تبدأ المسيرة الداعشية "المظفرة" ومن ينكر هذا عليه أن يعود ليتأمل تلك المناهج، التى تمهد الأرض للدعشنة المسلحة اللاحقة. ويتابع حديثه قائلا: يتفاقم التجييش مع التربية الدينية والأسلحة الهائجة، التى تجتاح مجتمعاتنا عبر جحافل الدعاة النصيين والسلفيين المهجوسين بتنصيب أنفسهم قضاة على ضمائر الناس وأفكارهم ومعتقداتهم، وتصنيفهم مسلمين أم كفار أم فساق.. بعد ذلك، تلتقط كثير من الجوامع والمنابر مع الأسف راية التجييش وتتفجر حناجر خطباء كثر بالدعاء على الكفرة والمجرمين من نصارى ويهود وشيوعيين وعلمانيين وقوميين ورافضيين وكل من هب ودب ممن لا يرضى عنهم الخطيب المُقدام فى كل جمعة وكل أسبوع يستمع ملايين المسلمين لخطباء غالبيتهم الكاسحة تتسم بجهل فائق فى التعامل مع مجتمعات حديثة ومتعددة فكريا وسلوكيا ومذهبيا يستل الخطيب صفحات من كتب صفراء كان يكررها خطباء عصور الانحطاط ويرشقها فى وجوه مسلمى القرن الواحد والعشرين، فيخرجون مشطورين بين الذهول والصمت وعدم التعليق على ما سمعوه.
ويختتم قائلا: للأسف المثقفون وأصحاب الفكر الحر يواجهون عملياً بالاستبداد الرسمى والاستبداد السياسى، ولا أستطيع أن أرى الحكومات إلا فى دائرة الإدانة أيضا.
ومن ناحيته يشيد القاص الأردنى سعود فبيلات رئيس رابطة الكتاب الأردنيين قائلا: ناهض حتَّر كان مقاتلاً شجاعاً فى الدفاع عن رأيه بالقلم والكلمة فقط، طبعاً، ولم يكن يهادن أو يساوم أو يجامل فى هذا المجال.
وكان يمتلك حجّةً قويّة، وفكراً عميقاً، وثقافةً واسعة، وعقلاً نيّراً فى مقابل خصوم سياسيين جهلة وضحلى التفكير ولديهم الكثير من المواقف والممارسات، التى يخجلون بها ولا يستطيعون الدفاع عنها.
وقد واجه ناهض الإرهاب والإرهابيين والتكفير والتكفيريين، بجرأةٍ نادرة تماماً مثلما واجه رموز الفساد والاستبداد بلا هوادة، لافتا النظر إلى أنه حاول هؤلاء اغتياله عام 1998، ونجا مِنْ تلك المحاولة بأعجوبة، لكنّها أورثته اعتلالاً مزمناً، حيث ظلّ يخضع بسببها إلى علاج منتظم ومكلف جدّاً حتَّى آخر يومٍ مِنْ حياته، أى إلى أنْ نجح الإرهاب الظلاميّ التكفيريّ الوهّابيّ بإنجاز ما فشل إرهاب الفساد والاستبداد فى تحقيقه.
ويرى د. قبيلات أن لكلِّ واحدٍ مِنْ خصوم ناهض، ولكلّ طرفٍ مِنْهم، دوراً فى اغتياله وتهيئة الأجواء المناسبة للتخلّص منه، فرئيس الوزراء، "هانى الملقي" وهو خصم سياسيّ معروف للشهيد ، مارس بأسلوبه الغريب فى التعامل مع القضيّة التى افتعلها الإخوان ضدّه ، دوراً أساسيّاً فى التحريض عليه.
ولفت النظر إلى أنه برغم البلاغات التى قُدِّمت إلى الأمن بشأن التهديدات، التى تعرَّض لها حتّر فإنه لم يجرِ تأمين الحماية الضروريّة له، وهكذا تمّ اغتياله على درج المحكمة التى استُدعى للمثول أمامها، أمّا "الإخوان " فهم أوّل من افتعل هذه القضيّة، وقد أثار جيشهم الإلكترونيّ حملةً واسعةً من الكراهية والخطاب الطائفيّ والمذهبيّ، والتحريض على القتل، باسم الدين.
ويستكمل حديثه والسبب فهو أنَّ ناهض كان مِنْ أشدّ خصومهم السياسيين أثراً وأكثرهم شجاعةً فى المواجهة. وبدلاً مِنْ أنْ يواجهوه فى ساحة الصراع السياسيّ والفكريّ – كما كان يفعل هو – واجهوه، بخسّة ودناءة ونزعةٍ إجراميّة، ووظَّفوا الدين بأحطّ الأساليب لخدمة غايتهم اللئيمة هذه. وذلك، لعجزهم عن مواجهة عمقه الفكريّ وسعة ثقافته وصلابة مواقفه.
ويحكى قائلا: عرفتُ ناهض حتَّر منذ كان شابّاً فتيّاً، وربطتْ بيننا وبين أسرتينا أيضاً، منذ ذاك، أواصرُ صداقةٍ راسخة متينة.
وقد وجدتُ فيه دائماً إنساناً متوقد الذكاء بصورة لافتة للنظر جدّا ، وميّالاً للاجتهاد فى تفكيره باستمرار، ويمتلك قدرةً مثيرة للإعجاب على توليد الأفكار وتطويرها، كما أنَّه لم يكن يتوقّف إطلاقاً عن تنمية معارفه وتوسيع مداركه وتعزيز ثقافته. وكان باستمرار يتجمع حوله عدد ملحوظ من المثقفين والنشطاء السياسيين، كما كان هاجسه، دائماً، هو الدفاع عن شعبه ووطنه وأمّته.. بلا أدنى تراخ أو فتور فى الهمة .
وعن دور المثقفين يقول قبيلات: للأسف ليس جميعهم يمتلك شجاعة التصدى للفكر التكفيرى وللأعمال الإجرامية، التى تستهدف الفكر المستنير وتسعى لحجره واغتيال حامليه ومنتجيه، بل قلّة قليلة منهم تفعل ذلك، وتدفع الثمن. ويعترف أنه فى قضية ناهض الأخيرة قلة قليلة من المثقَّفين وقفت إلى جانبه وحاولت التضامن معه والمفارقة أنه عندما تم الغدر به هبوا جميعا ، مثقفين وسياسيين، لنعيه واستنكار اغتياله. إنها ً حقا "قصّة موت معلن" مثل تلك التى كتبها الأديب اللاتينيّ الشهير، غابرييل غارسيا ماركيز!
أما الشاعرة الأردنية زليخة أبو ريشة فترى أن محاكمة الكاتب اليسارى الأردنى ناهض حتر، ابتداءً، بطلب من رئيس الوزراء نفسه، كانت المقدمة الطبيعيّة لاغتياله. فبالإضافة إلى أن الحكومة بهذه المحاكمة قد تواطأت مع الشارع المتأخون المتأسلم، فإنها لم تؤمّن له الحماية اللازمة.
سلفى حاقد
وعلى سلالم قصر العدل وجد المجرم الطريقَ سالكةً إلى الشهيد، ففرغ فى جسده رصاصاته الحاقدة القذرة.
وتضيف: ما الذى جناه الشهيد ناهض حتر؟ كل ما فعله أنه أعاد نشر كاريكاتير يصور رب الدواعش فى جنة الدواعش، أى أن الرسم لم يكن يمثل فكرة ناهض عن الله!! ولما وجد ردة فعل سلبية، حذف البوست بعد ساعتين، واعتذر ووضح ليجد ليلاً أن قوةً من الدرك تقتحم بيته للقبض عليه كأى مجرم خطير سلم ناهض نفسه، وسُجن لمدة شهر على ذمة التحقيق، وأفرجَ عنه بعد أن أُفرِجَ عن الداعية المتأسلم أمجد قورشة.
وتقول: المجرم القاتل سلفى حاقد تربّى على السلفية الحاقدة، التى تريد تطبيق إسلامها بالسيف وهو موظف فى وزارة التربية والتعليم، ومثله فى الوزارة كثير. حيثُ يمكن اعتبار أن وزارة التربية والتعليم هى إحدى أهم حواضن التطرف والإرهاب فى الأردن، تساندها مؤسّسات الوعظ والإرشاد فى جميع منابرها: الفضائيات، والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن وكليات الشريعة.
وتعتبر أن مقتل ناهض ضربة فى صميم الحريات فى الأردن، حيث تتواطأ الدولة مع تيار الإخون والسلفية والوهابية، التى باتت معششة فى المجتمع الأردنى تحت أنظار الدولة ومسامعها.
وتلفت النظر إلى أنها ليست المرة الأولى، التى يتعرض فيها كتّاب ومفكرون للاغتيال أو لمحاولات الاغتيال.
فمن قبل تعرض الفقيد نفسه لمحاولة اغتيال عام 1996، وكذا نجيب محفوظ، وفرج فودة فى مصر، ومهدى عامل، وصبحى الصالح فى لبنان، وأمين الزاوى ورشيد بو جدرة فى الجزائر ولكنها المرة الأولى فى الأردن، حيث أصابت الحادثة الناس بالذهول التام، وكشفت كما من حملات الكراهية ضدى وضد بعض الكتاب المتنورين من قبل، عن حجم تفشى التدين السلفى البترو دولارى الذى عملوا عليه على مدى 50 عاماً.
وتواصل قائلة: فالطائفية والتكفير وفكرة الفرقة الناجية والاستبداد الشعبى لتطبيق دين وتدين بالغَيْ البشاعة، وإلغاء الآخر، وعداء صميم للانفتاح والعلمانية والحداثة على أنها جميعها كفرٌ وإلحاد، هى ما تنتشر اليوم فى القواعد الشعبية الأردنية، وحتى بين بعض النُّخَب، حيث وصلت النار إلى النقابات المهنية، بما فيها رابطة الكتاب الأردنيين.
وترى أنه لا يبدو للمثقفين العرب من دور واضح حتى الآن! فعدا بيانٍ هنا واستنكار هناك، تبدو هيئاتهم كجثثٍ هامدة، وتتساءل هل سمعتِ شيئاً صدر عن اتحاداتهم حتى الآن؟ بل إن اتحاد الكتاب العرب قد منح درع الحريات، لا لأحد الكتاب المدافعين عن الفكر المستنير وحريات التعبير والملسوعين بلظى الاستبداد، مثل سيد القمني، أو إسلام البحيري، أو نوال السعداوي، بل لأحد الإسلاميين المعروفين المتأخونين الأردنى "ليث شبيلات"، وتقول أبوريشة " لقد تسلَّل التأخوُنُ إلى المثقفين العرب وإلى منظماتهم، وذلك لأنهم لم يكونوا يوماً صادقين فى "نضالهم" من أجل الحريات، ولأن الظروف الراهنة كشفت عن خواء بضاعتهم الفكرية، وعن تهلهل نسيجهم الأخلاقي، فالخوف والنفاق هما المحيط الذى يتحرّك فيه معظمهم.
ومن وجهة نظرها الحكومات عندنا تتخبّط باتجاه كلّ شىء، وهى لا ترى من المشاكل إلا الاقتصاد والأمن، وإذا كانت لا تبحث عن حلولٍ غير تقليدية، لأن الظروف غير عادية، فإنها تركز على الحل الأمنى فقط، وبصورته الساذجة والسطحية المباشرة، بينما تترك البلاد نهباً لدعاة الظلام من كل جهة من الجوار وغيره، من أولئك الذين يستفردون بالدين، ويقدّمون له تأويلاتٍ مريضة مليئة بالعنف والكراهية للآخر وللمرأة، وللمختلِف من دينٍ أو طائفةٍ أو عقيدةٍ أو عرقٍ أو فكرٍ أو تيار أو ثقافةٍ. وتبثُّ فى الأتباع أفكاراً إجرامية عن هدر دماء "الكفار"، وأخذ الحق باليد، و"تطبيق الشريعة"، و"الدفاع عن الله والدين"!!
وتختتم قولها أما المثقفون القدامى فقد انعزل بعضهم، وتأخون بعضهم الآخر، ولم يبق منهم فى الساحة إلا قليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.