حمدى الجمل انتصار أكتوبر 73 لم يسلم من تشكيك المشككين من كارهى الرئيس السادات الرافضين لسياسته أو المطرودين من جنته. حرب أكتوبر أهم وأعظم حرب خاضها الجيش المصرى على مر تاريخه، تم تقييمها وفقا لرغبات وأهواء المنفعة والمصلحة أو الأيديولوجيا أو تنفيذا للتوجيهات الأجنبية، وما حدث مع نصر أكتوبر يتكرر وربما من نفس الفصيل، ونفس التوجهات ونفس الأيديولوجيا ومنطق الكره والحب مع مشروع قناة السويس. والسؤال لماذا التشكيك فى قناة السويس؟ ومن الذى يشكك؟ ولماذا؟ ولصالح من؟
قناة السويس هى المشروع النموذج للدولة المصرية من نواح عدة، أبرزها أن قناة السويس أكبر اكتتاب شعبى عرفه العالم وصل إلى 64 مليار جينه فى نحو 8 أيام عمل بالبنوك. المشككون قالوا لن تتم تغطية الاكتتاب وإن حصل وتم الاكتتاب فسيكون فى نحو ثلاثة إلى أربعة أشهر على الأقل؟
قناة السويس نموذج لامتلاك مصر وشعبها للقدرة وامتلاك القدرة على الفعل، فتم إضافة قناة جديدة للقناة القائمة التى بناها الأجداد وافتتحت يوم 17 نوفمبر عام 1869، وتم حفر القناة الجديدة فى عام واحد فقط، برغم أن دراسة الجدوى كانت نحو ثلاث سنوات، والمشككين قالوا لن يتم الانتهاء من الحفر قبل 5 سنوات على الأقل. بل إن الغرب قال إن ذلك يتطلب نحو 5 سنوات وبخبرات وشركات أجنبية وبإدارة عالمية وليست مصرية.
قناة السويس، أعلى وعاء ادخارى للودائع المصريين بالبنوك فى حينه بسعر فائدة وصل إلى 12 % مقابل 8% . المشككون قالوا إن الدولة لن تدفع أسعار الفائدة أو أنها ستخفضها. وعندما تم دفعها فى وقتها وبشكل منتظم خرج المشككون وقالوا إن الفائدة تدفع من أصل الشهادات .
قناة السويس هدية مصر للعالم وللبشرية ورافد العملة الصعبة للأجيال المصرية المقبلة، لكن المشككين فى الداخل والخارج قالوا إن افتتاح قناة بنما التى استغرق تجديدها نحو 9 سنوات بكلفة 8 مليارات دولار سيلغى العبور أو على الأقل سيأخذ من نصيب قناة السويس فلم يحدث . قالوا إن إسرائيل ستقيم قناة بالتعاون مع الأردن فلم يحدث، وأن إسرائيل ستقيم خط سكة حديد ما بين إيلات إلى البحر المتوسط، للتأثير على قناة السويس فلم يحدث. قالوا إن القطب المتجمد الشمالى بدأ فى الذوبان، وإن روسيا ستصدر إلى أوروبا وأمريكا عبر القطب الشمالى .
وإن نحو120 سفينة غيرت خطها الملاحى من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح، وبالبحث والتحرى تم الكشف عن أن هذه السفن لم تعبر يوما من قناة السويس، وأن خطها الثابت هو رأس الرجاء الصالح، لكن عندما تقول قناة ال «سى. إن. إن» الأمريكية، ذلك وتطالب مصر بتخفيض رسوم العبور بنسبة 50% ، تدرك أن مصالح الخارج اجتمعت مع أهواء وأطماع الداخل فى إفشال السيسى، أو على الأقل تشويه إنجازه الأعظم مشروع قناة السويس، النموذج الأمثل لنجاح القدرة الذاتية المصرية.
قالوا إن فقه الأولويات يقتضى بناء مدارس ومستشفيات بهذه الاموال ؟ ونسوا أن هذه الأموال ودائع ملك المصريين وليست من الخزينة العامة، وأن مشروع قناة السويس سيسدد القرض وفوائده، كما أن سفينة بنمية تعطلت فى المجرى الملاحى لنحو 14 يوميا، ولولا قناة السويس الجديدة لتعطلت الملاحة فى قناة السويس لأول مرة وخسرت مصر عوائد ورسوم العبور خلال تلك الفترة، والسؤال الأبرز أليس من فقه الأولويات ربط سيناء بالدلتا بأربعة أنفاق وثلاثة خطوط للسكة الحديد بغية استغلال ثروات سيناء؟ ألم يكن هذا مطلبا شعبيا ووطنيا؟
قالوا إن مشروع قناة السويس كان سببا فى التأثير على العملة الصعبة، والسؤال ماذا لو لم يتم الانتهاء من حفر قناة السويس فى عام واحد، كانت التكلفة بالعملة الصعبة ستتضاعف، وبالتالى مبلغ العشرين مليار جنيه، الذى تم استخدامه فى الحفر كان سيصل إلى الضعف بعد انخفاض سعر الجنيه، مما يعنى مضاعفة كلفة حفر القناة.
قالوا لن تستطيع مصر حفر نفق تحت مياه القناة، فنجحت الشركات المصرية فى حفر أربعة أنفاق، ليس هذا فحسب بل إن ماكينات الحفر تم استيرادها من الخارج، وأن مصر تمتلك هذه الماكينات وأن الشركات المصرية دخلت عالم حفر الأنفاق، وتستطيع أن تقوم بعمل مشروعات للأنفاق فى الخارج بكفاءة كبيرة، بعد أن اختصرت زمن الحفر من 6 سنوات إلى عامين فى مصر.
مشروع قناة السويس كان سببا فى افتتاح كليات وأفرع جديدة للعلوم فى مصر لزراعة وتصنيع الأسماك وعلوم صناعة وصيانة السفن. المؤكد أن المشاريع الاقتصادية الناجحة لا تبنى على الأكاذيب، وكذا فإن الأكاذيب والشائعات حتى وإن كانت فى إطار الحروب الخارجية بأدوات داخلية لن تؤثر أو تنتقص من نجاح المشاريع الناجحة، لا سيما وإن كانت مشاريع ولدت لتستمر مثل مشروع محور قناة السويس بكل تفاصيله، الذى سيكون ملتقى عالميا للصناعة واللوجستيات، هذا المشروع ليس بحاجة إلى إعادة نشر جدوله أو الدفاع عنه، لأن قناة السويس ستظل مطمعا بريطانياً - أمريكياً - إسرائيلياً، وستظل الحروب قائمة على هذه القناة وشعبها سواء باستخدام أدوات داخلية بأسلحة الجيل الرابع أوالحرب النفسية، أو كما حدث فى عام 56 من حرب عسكريه مباشرة . والعجيب أن من يكذبون اليوم على مشروع قناة السويس هم أنفسهم من قالوا إن تأميم قناة السويس لم يحقق أية فوائد، وأن خسائر الحرب أكبر بكثير من فوائد عودة القناة إلى أحضان الوطن.