محمد أسعد توقع الكثير أن يتم حسم أمر جزيرتي تيران وصنافير خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصا مع انعقاد الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا جلسة خاصة وعاجلة، لنظر الطعن الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية والحكومة على الحكم الصادر من محكمة أول درجة ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بشأن جزيرتى تيران وصنافير، وإبقاء تبعيتها لمصر. جلسة الأحد الماضي شهدت مفاجأة بطلب أحد المحامين المتدخلين في الدعوى، برد هيئة المحكمة بكامل أعضائها عن نظر القضية، وكانت تلك أول جلسة تعقدها المحكمة الإدارية العليا لنظر الطعن الذي تقدمت به هيئة قضايا الدولة وكيلا عن رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع، والخارجية والداخلية. تتشكل الدائرة برئاسة المستشار الدكتور عبد الفتاح أبو الليل نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية سبعة مستشارين وهم محمد النجار وفوزي عبدالراضي ومحمد ضيف ومنير عبدالقدوس، وإبراهيم الطحان ومحمد ياسين وأحمد جمال عثمان. تصريحات المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، في عدد من الصحف، والتي أعرب فيها عن تمنيه في أن تفصل المحكمة الإدارية العليا في هذا الطعن خلال أسبوع، كانت أهم الأسباب التي دعت المحامي عادل سليمان إلى التقدم بطلب الرد، كما أن المستشار العجاتي ترأس الدائرة ذاتها لسنوات، حينما كان قاضياً بمجلس الدولة وعمل معه بعض أعضاء الدائرة الحاليين من بينهم المستشار منير عبدالقدوس، وهو ما اعتبره المحامي نوعا من التدخل من قبل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية وتعريضاً باستقلالها وتوجيها للمحكمة بضرورة قبول الطعن وتحديد جلسة عاجلة، وهو ما حدث، حيث تم التقدم بالطعن وتحديد الجلسة وإعلان الخصوم في نفس اليوم. كما استند المحامي إلى ما نشر في إحدى الصحف عن زيارة اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والتشريعية، إلى مجلس الدولة بعد صدور حكم أول درجة، ووزير الدفاع أحد الخصوم في الدعوى. كما ذكر أن رئيس الدائرة المستشار عبدالفتاح أبو الليل، منتدب كمستشار قانوني بجامعة القاهرة والتي منحت الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الدكتوراه الفخرية، في تاريخ متزامن مع توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة المصرية. كما أن المستشار فوزي عبدالراضي عضو الدائرة منتدب بوزارة الخارجية كمستشار قانوني ووزارة الخارجية إحدى الطاعنين على الحكم. يقول المحامي إن زيارة اللواء ممدوح شاهين وتصريحات المستشار العجاتي فتحت أبواب الشك والريبة والإصرار، على أن تنظر المحكمة بتشكيلها الحالي القضية برغم أن رئيسها سيحال إلى التقاعد أول يوليو المقبل توحي بمظنة التأثير على مبدأ حياد القاضي. المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، قال في تصريح مقتضب ل»الأهرام العربي» تعقيباً على ما ذكره صاحب طلب الرد في أسباب طلبه «لم نؤثر على المحكمة ولا أحد يجرؤ أو يملك سلطة التأثير على السلطة القضائية». من جانب أخر رفض المستشار الدكتور عبدالفتاح أبو الليل رئيس الدائرة فى اتصال هاتفي مع «الأهرام العربي» التعقيب على رد دائرته عن نظر القضية، قائلاً «أنا ملتزم بكل ما ينص عليه الدستور والقانوني ويجب على القاضي ألا يعقب على طلب رده في وسائل الإعلام. فيما نفى مصدر قضائي بمجلس الدولة ما تم نشره في إحدى الصحف عن زيارة اللواء ممدوح شاهين للمجلس عقب صدور حكم محكمة أول درجة، قائلاً ما نشر غير صحيح بالمرة ومساعد وزير الدفاع لم يزر المجلس عقب صدور الحكم. أوراق رسمية أمام المحكمة.. تيران وصنافير «سعودية» هيئة قضايا الدولة قدمت مستندات جديدة أمام هيئة المحكمة، لم تقدم أمام محكمة الدرجة الأولى لتؤكد أن الجزيرتين سعوديتان من بينها خطاب موجه من وزير الخارجية المصري الأسبق عصمت عبدالمجيد لنظيره السعودي الذى يقر فيه رسمياً بتبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية. وجاء نص رسالة «عبدالمجيد»: «الصديق العزيز سمو الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية.. تحية عربية خالصة، وبعد.. يسرنى أن أكتب إلى سموكم بشأن رسالتكم السابق إرسالها إلينا فى 14 سبتمبر 1988، وفى 6 أغسطس 1989 اللتين تضمنت أولاهما موقف المملكة العربية السعودية من جزيرتى تيران وصنافير فى مدخل خليج العقبة، إننى أود أن أؤكد لسموكم العناصر الآتية.. أن حكومة جمهورية مصر العربية تقر بسيادة جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وأن مصر قامت فى الحقيقة بالوجود فيهما فى عام 1950 من أجل حمايتهما، وتوفير الأمن لهما، وأن ذلك قد تم بمباركة من المملكة السعودية”. وتابع إن حكومة جمهورية مصر العربية فى موقفها من الجزيرتين، تركز اهتمامها على ضرورة مراعاة عدم الإخلال بالتزامات مصر الإقليمية والدولية طبقا للاتفاقيات الدولية التى أبرمتها بشأن إقرار السلام بالمنطقة، والتى تقضى بعدم وجود أية قوات عسكرية بالجزيرتين، وحيث تتولى الشرطة المدنية المصرية المجهزة بزوارق خفيفة مسلحة تسليحا خفيفا مهامها داخل المياه الإقليمية بالمنطقة، فضلاً عن تمركز القوة متعددة الجنسيات فى هذه المنطقة». وأضاف: «إن جمهورية مصر العربية فى ضوء الظروف المحيطة بالجزيرتين تطلب من شقيقتها المملكة العربية السعودية أن يستمر بقاء الجزيرتين تحت الإدارة المصرية، وذلك بصفة مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع فى المنطقة”. من بين المستندات أيضا خطاب خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، إلى رئيس جمهورية مصر العربية، للتذكير بأن الجزيرتين سعوديتان، ووثيقة بتعليمات عمليات حربية رقم 1 لسنة 1950، والصادرة عن قسم العمليات فى إدارة العمليات الحربية برئاسة هيئة أركان حرب الجيش بوزارة الحربية والبحرية فى هذا الوقت، والتى تضمّنت أمراً بتعيين فصيلة من سلاح الحدود الملكى، بقيادة ضابط لاحتلال جزيرة تيران الواقعة فى مدخل خليج العقبة. وأمرت إدارة العمليات الحربية فى تعليماتها المذيلة بتوقيع اللواء أركان حرب حسن حشمت، مدير “العمليات الحربية”، برفع العلم المصرى على الجزيرة. المستشار رفيق عمر شريف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة الحاضر عن رئيس الجمهورية والحكومة احتوت مذكرته على عبارة “جزيرتي تيران وصنافير هما جزيرتان سعوديتان احتلتهما قوات الجيش المصري في بداية الخمسينيات بمباركة من المملكة العربية السعودية، وظلت إدارة هاتين الجزيرتين للدولة المصرية حتى نهضت المملكة السعودية في المطالبة باستعادتهما. وتكررت كلمة “الاحتلال” عدة مرات في مذكرة دفاعه، كما ذكرها في مرافعته أمام هيئة المحكمة، مما أثار غضب جميع الحاضرين من مقيمي الدعوى والمتضامنين فيها. يؤكد المستشار رفيق أن توصيف الاتفاقية بأنها تنازل عن السيادة توصيف غير دقيق ومغلوط، وإجراءات إعادة الجزيرتين للمملكة لم تكن جديدة، حيث أقر مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد بتاريخ 4 مارس 1990 بأن الجزيرتين تعودان للمملكة العربية السعودية وكلف وزير الخارجية المصري بإخطار نظيره السعودي بذلك، على أن يتم إرجاء إعادة الجزيرتين إلى حين استقرار الأوضاع بالمنطقة، وبالتالي الإعلان عن الأمر هو فقط الجديد، لأن تداوله كان محاطاً بالسرية. يقول نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، إن حقيقة الأمر كانت محاطة بالوضوح لدى كل خبراء القانون الدولي العام والخاص، مستشهدا ببعض الكتب التي أصدرها عدد من أساتذة وفقهاء القانون ومنهم الدكتور حامد سلطان الذي ذكر في كتابه “القانون الدولي العام وقت السلم الطبعة الخامسة يناير 1972- ما نصه “.. فقد اتفقت السلطات المصرية مع سلطات المملكة العربية السعودية، على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتي تيران وصنافير وهما الجزيرتان اللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة، وعلى إثر هذا الاحتلال أقامت السلطات المصرية في رأس نصراني”. كما وثق ذلك الدكتور محمد طلعت الغنيمي مؤلف كتاب “الأحكام العامة في قانون الأممالمتحدة “ما نصه” احتلت مصر في نهاية 1949 وبموافقة المملكة العربية السعودية جزيرتي تيران وصنافير”. يضيف المستشار رفيق أن الحكم الصادر جنح وأسرف في الاجتهاد بغرض الاستئثار باختصاص ليس له ولم يخوله الدستور أو القانون. يرى أيضاً أن الأوراق التي قدمت للمحكمة لإثبات أن الجزيرتين مصريتان هي سند ضعيف لأنها عبارة عن قصاصات ومقالات وخرائط غير رسمية وغير معدة لإثبات الملكية. خالد علي المحامى والمرشح الرئاسى السابق يرى أن الأوراق والمستندات المقدمة من دفاع الدولة، تكشف أن الحكومة تتعمد إخفاء بعض الأوراق والمستندات والحقائق الدالة على مصرية الجزيرتين، ولم يتم تقديم الحقائق كاملة. ويضيف خالد على كل الحقائق التاريخية والمستندات التي قدمناها للمحكمة فى الدرجة الأولى تؤكد أن الجزيرتين مصريتان حتى قبل تأسيس المملكة العربية السعودية، والحقيقة تقول إن كل نقطة دم أريقت على أرض الجزيرتين كانت “مصرية” وهي حقائق تاريخية لا يمكن إنكارها. ويتوقع للمحامي عادل سليمان صاحب طلب الرد، أن يتم تحديد جلسة خلال الأيام القليلة المقبلة لنظر طلب الرد، مؤكدا أنه سلك مسلكاً قانونيا وفقا للمادة 53 من قانون مجلس الدولة والمادة 148 من قانون المرافعات في اتخاذ إجراءات الرد، وذلك إعمالا لحقه في الدفاع قائلاً “لا نهدف سوى تحقيق مصلحة العامة”. يضيف سليمان:”نثق تماماً في أعضاء الدائرة ولم نقصد النيل منهم، ولكننا نطالب السلطة التنفيذية أن ترفع يد بعض أعضائها عن التصريح، مما يوحي بإمكانية التدخل في شئون العدالة وهو ما فعله المستشار العجاتي”. برغم إقراره بأن طلب الرد هو حق قانوني لكل متقاض فإن المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، يرى أن الهدف من طلب الرد في هذه القضية هو تعطيل الفصل فيها، خصوصا بعد أن تقدمت هيئة قضايا الدولة بمجموعة كبيرة من الأوراق والمستندات التي تثبت ملكية السعودية للجزيرتين، فاستشعر مقيمو الدعوى بأنهم سيخسرون القضية في الدرجة الثانية ولم يجدوا أمام سوى تعطيل نظرها بطلب رد المحكمة، لأنه على علم أن طلب الرد يلزم المحكمة بوقف نظر الدعوى، ومن الجائز أن تكون الأسباب التي ذكرها في طلب الرد ليس لها أساس من الصحة، وتعاد القضية إلى الدائرة ذاتها مرة أخرى.