السيد حسين عبر الروائي والكاتب اللبناني جورج يرق عن سعادته الغامرة بوصول روايته الثانية «حارس الموتي» للقائمة الطويلة، ومنها القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، وأن هذا الوصول أسهم في الترويج للرواية عربيا، وهذا في حد ذاته مهم. وأنه لا شيء يبهج الكاتب مثل اتساع دائرة قرائه، ويري أن الحركة الثقافية اللبنانية مزدهرة برغم كل شيء. وهناك مواهب كثيرة في جميع المجالات.
كيف تلقيت خبر تأهل روايتك «حارس الموتي» إلى القائمة الطويلة وبعدها القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية البوكر؟ بغبطة. عصام حمدان أحد المسئولين في «دار الساقي» الذي حمل إلي بشرى وصول الرواية إلى القائمة الطويلة. أسعدني الخبر ثم توالت التهانى الهاتفية من أصدقاء وأهل وأحبة. أما نتائج القائمة القصيرة فترقبتها وحدي وعرفت بها فور إعلانها. وفرحت جداً. ماذا أضاف لك وصول الرواية للقائمة القصيرة؟ أسهم في الترويج للرواية عربيا والدليل أنها طُبعت مرة ثانية، ونُسخ هذه الطبعة على وشك النفاد. وهذا في ذاته مهم. لا شيء يبهج الكاتب مثل اتساع دائرة قرائه. لمَ نتكاذب؟ الكاتب الذي يدعي أنه يكتب لنفسه ولا يهمه القراء، لماذا ينشر؟ تستند الرواية إلى الكثير من التفاصيل عن الحرب الأهلية في لبنان لماذا؟ لأن الحرب التي دامت خمسة عشر عاماً لا تزال تكوّن مادة خصبة للكتابة. هناك جوانب منها لم يتطرق إليها أحد بعد. عابر ليطاني بالرواية ضحية من جهة، ومرتكب من جهة ثانية، والخوف هو المحرّك الأساسي له والمتحكّم بتصرّفاته لماذا؟ عابر متورط رغما منه. إنه كاره للحرب. ذهب إليها كي لا يبقى متشرداً. الثكنة حضنته. في المستشفى انتقم للغبن الذي يشعر به، فمضى يسرق جارور الراهبة وأسنان الموتى. لكنه في أعماقه مسالم وديع. يري البعض أن معظم شخصيات الرواية مصابة بعطب أو أكثر، في أخلاقياتها أو سلوكياتها. هل هي أعطاب الحرب التي تترك أثرها على النفوس والأفعال ما رأيك؟ بلى إنها أثر القهر اليومي والقتل المجاني والإحباط الداهم. كأن الناس أحياء بالمصادفة أيام القنص والقصف المباغت والسيارات المفخخة. محظوظون هم الذين بقوا أصحاء نفسيا بعد جميع تلك الأهوال والمآسي. يري البعض حضورك الشخصي في روايتك «حارس الموتي»، هل أردت بذلك تقديم سيرة ذاتية في قالب الرواية؟ لا علاقة لي بها. فأنا لم أحمل سكيناً في حياتي، وأمي في استخدام السلاح. بعض القراء ظن كذلك أننى بطل روايتي «ليل» الذي هو محارب أيضا. يجب التفريق بين الكاتب الذي يكتب الرواية، والراوي الذي هو بطلها: عابر ليطاني، بوفهد، عزيزي، دمينو، كريستين الراهبة، روبير، نهلة، نابليون، كم اقتربت تلك الشخصيات من الواقع؟ أنها كلها من نسج الخيال. لكن هناك في الواقع أشخاصاً تشبهها في جوانب معينة. دقة الوصف أسبغت عليها ملامح واقعية. إنها اللعبة الفنية. وإلى أي حد يمكن القول إن روايتك «حارس الموتي» تنتمي إلى الرواية الجديدة أو التجريبية؟ وما الاختلاف عن روايتك الأولى «ليل»؟ لست مع التصنيف. كان الشاعر الراحل أنسي الحاج يقول إذا أردت أن تقتل شخصا أو نوعا أدبيا صنفه. الاختلاف بين «ليل» و«حارس الموتى» أترك للنقاد والقراء تبيانه وتعيين مواقعه. الماضي وتقاطعه مع الحاضر يشكل ممرا مهما من ممرات «حارس الموتي»، فهل الذكريات نفقدها أم نبحث عنها؟ الذكريات نلوذ بها عندما نجتاز الشيخوخة. لم أبلغ هذه المرحلة بعد. أنا رجل حالم أكثر مني حارس ذكريات. حسب لجنة التحكيم تقول: تقارب رواية «حارس الموتى» المأساة اللبنانية عبر منظور جديد يتساوى فيه الضحايا على اختلاف هويتهم، الأحياء في الحرب والموتى داخل المستشفى، وتسعى إلى إيجاد أجوبة عن أسئلة عبثية لا أجوبة لها أصلا. كيف تري ذلك؟ لا زيادة لدي على هذا التوصيف. إنه صائب ومعبر. ورواية «حارس الموتى»، تقدّم الحرب الأهلية التي لا تقلّل من أهمية الفعل البشري في اقترافها، وعن الظروف التي تدفع الناس بفعل الخوف أو الحاجة أو كليهما معا إلى الانخراط فيها وتحوّلهم إلى أدواتها وضحاياها. ما الذي دفعك إلى كتابة رواية عن هذه الفترة التاريخية تحديداً؟ الموضوع. لا تستطيع أن تبني عالماً روائياً في ثلاجة موتى أيام الاستقرار والسلام. لبس عابر ليطاني ثياب القتال وجعلته محاربا وقناصا، ثم جررته إلى المستشفى، حيث عمل في ثلاجة الجثث وألف هذا الجو القاسي، لأنه في حاجة إلى مكان يقيم فيه. من واقع خبرتك، هل ثمة شروط يجب توافرها في الرواية التاريخية الجيدة؟ طبعاً. لكل فن كتابي شروط وتقنيات. ألا تري أنك مقل في الإنتاج الأدبي؟ وهل تركز أنظارك علي الرواية فقط؟ لا لست مقلاً. صدرت لي روايتان في خلال سنتين ونصف السنة. والثالثة قريبا إلى المطبعة. الغزارة في الإنتاج ليست دليل صحة أحيانا كثيرة. أجل أنا منحاز إلى كتابة الرواية دون غيرها. ما ملاحظاتك على الحركة الثقافية اللبنانية الآن؟ الحركة الثقافية اللبنانية مزدهرة برغم كل شيء. هناك مواهب كثيرة في جميع المجالات. لكن التليفزيون، الذي هو أيضا وسيط ثقافي، غارق في البرامج الساذجة والتسالي. ليس هنالك برنامج ثقافي واحد على شاشاتنا. هل يُعقل هذا؟ كيف تقيس درجة التعامل النقدي مع الإنتاج الروائي في لبنان؟ هناك قلة من النقاد يحق لها أن تكتب في النقد الروائي. المشكلة أن الروايات كثيرة والنقاد قلائل. ليس في لبنان فحسب بل كذلك في العالم العربي. من آليات الكتابة إلى آليات النشر مسافة يبدو أولها تعبا ممزوجا بالمتعة وآخرها تعقيد وركض خلف ناشر كالسراب يختفي ليظهر من جديد حدثنا عن رحلتك في الطريق إلى الناشر؟ طريقي إلى دور النشر سالكة على خطين. فإلى جانب عملي في الصحافة، اشتغلت مدققا لغويا ومحررا في أهم دور النشر اللبنانية، وصلتي بأصحابها ومديريها متينة. لا أعتقد أن الكتاب الجيد لا يجد ناشرا. فالناشر يبحث عن الكتب المتقنة ويتبناها ويصنعها على نحو لائق لأنه في الأخير مستثمر يتطلع إلى الكسب. هل الكتابة تمرد؟ أحياناً. لكن التمرد وحده ليس دافعا للكتابة. هناك دوافع أخرى كثيرة تختلف بين كاتب وكاتب. كيف تري مقولة «زمن الرواية»؟ ليست صحيحة برغم هذا العدد الهائل من الروايات التي تلفظها المطبعة سنويا. فالشعر لا يزال قائما، والشعراء إلى تكاثر. قم بجولة على مواقع التواصل الاجتماعي يتأكد لك ذلك. ما تأثير المكان عليك ككاتب؟ وهل يؤثر فعلا المكان على إنتاج نص إبداعي مختلف؟ لا تأثير للمكان على الإطلاق. أستطيع الكتابة في المقهى وفي الحديقة العامة وعلى شاطئ البحر. روايتي الثالثة كتبتها كلها في الصيف، وأنا في منتجع بحري. أقيم عزلة داخلية وأنقطع عما يعكرها. أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية، هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟ لو أن الروايات قادرة على صناعة الأبطال لكنا في أفضل حال. إذا افترضنا أن الرواية أنتجت بطلا، فكيف سيُعرف هذا البطل؟ ومن سيكتشفه ما دامت أمة اقرأ لا تقرأ؟ تقرير اليونسكو الأخير مخجل حقا. الإسرائيلي يقرأ أربعين كتابا في السنة، أما العربي فيقرأ نصف صفحة في المدة نفسها. لو كنا نقرأ لما لحقتنا الهزائم. ما المشكلات التي تواجه الثقافة في العالم العربي من وجهة نظرك؟ أنها وافرة، والرقابة أهمها. عندما يتحرر الأدب من سيف الرقيب ومعاييره ينجو من مشكلات كثيرة. وهناك موضة التكفير التي تشمل كل مجتهد في مسائل تتصل بالدين مثلا. الجوائز الأدبية هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟ وجائزة البوكر التي أنت بالقائمة القصيرة لها حاليا؟ طبعا إذا كانت ذات مصدقية تحتكم إلى المقاييس الفنية فقط. وجائزة «البوكر» تكمن أهميتها فى صدقيتها ونزاهة مقاييسها، والأسماء التي تندرج في قوائمها الطويلة والقصيرة تغدو معروفة إعلاميا، ويقبل المهتمون على اكتشاف نتاج أصحابها، خصوصا أولئك الذين ينشرون للمرة الأولى، أو هم غير معروفين إلا في بلدانهم. أخيرا، هل ثمة مشروع روائي جديد تشتغل عليه حاليا؟ انتهيت من تأليف رواية ثالثة. أرجأت إصدارها بعد وصول «حارس الموتى» إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر». وبدأت بكتابة مسلسل تليفزيوني. وأنوي إعادة طبع «ليل» لأنها لم توزع في البلدان العربية.