تصوير: موسى محمود - دبدوشكا حالة أو فلسفة أو تركيبة إنسانية نحن
- في أمس الحاجة لوجودها في حياتنا
- لقد عاد زمن الشعر
«الشعراء يكتبون أقدارهم».. حقيقة لا تقبل النقاش معها، لأنها صارت قناعته مع وصوله إلى مرحلة يسميها «الرومانسية الإنسانية» ويعبر من خلالها عن انشغاله بالتفاصيل الإنسانية، بعيداً عن اى استقطاب خيراً كان أو شرا.. ولقد عبر عنها من خلال أشعاره أخيرا في دبدوشكا، وفى قصيدته العجوز الوحيد وفى حافى وحر، حيث تيمة الحرية في صرخة ناعمة وبلا أدنى فجاجة.. فنجده يردد «النيل جاى جاى» بصرخة تفاؤل. محمود رضوان يصر أيضاً أن يردد كلمات، أثنى بها عليه كاتب يحبه وهو الكاتب أنور الهوارى الذى كتب يوماً بعد حافى وحر «محمود رضوان أهدانى معنى العمر».. وهكذا يرى نفسه صاحب معانٍ تتخلل ما يكتبه وعلى القارىء والمستمع الإنصات لما بين وخلف ومع الكلمات. «نضارة نظر» .. «إيجار جديد».. وأخيراً «دبدوشكا» .. تلك دواوينه التي فتحت الطريق له، ليصبح سبباً لعودة تيار الفرق الغنائية منذ عام 1998 بتأسيس أكتر من فريق غنائي من وسط البلد إلى حواديت وكايروكى وصحرا.. وغيرهم .. ولتصبح لدينا ظاهرة الشاعر النجم الذى يلقى قصائده في المحافل الكبرى في الأوبرا، وفى المهرجانات على مسارح الجامعات.. وبرغم ابتعاده لسنوات للعمل في الخليج.. كانت اغنياته حاضرة بقوة.. بننجرح.. تسرق بيوت.. خلاص مسافرة.. عشمنى قلبك.. أبدأ منين.. عم ومينا وشيخ أمين.. شباك أمل.. حافي وحر .. محمود رضوان يقول عن نفسه إنه أول شاعر كتب عن «عبد الحميد شتا» في عز مبارك بكل ما حمله في قلبه من مهانة دفعته للانتحار احتجاجاً على عدم قبوله في الخارجية.. وكتب قبل الثورة عن «خالد سعيد».. وكتب «رسالة من بلاد الغربة «يعبر من خلالها عن الحال في ذلك التوقيت. وعندما طرحت عليه السؤال عن المعنى السياسى في أشعاره.. أصر أن يعتبر نفسه مؤمنا بكتابة الشعر السياسى غير المباشر وأنه مقتنع بما كان يردده العظيم نجيب محفوظ «ما تبقاش مبدع لو اتسجنت» فهو يرى أن المبدع يمتلك أدواته وطريقته في التعبير غير المباشر، وعلى الآخرين تأويل النص فلا أحد يستطيع محاكمة لوحة أو قصيدة من وجهة نظره! محمود رضوان صاحب سكة جديدة في الكتابة.. وبصمة يسميها قصائد التوحد.. حيث يتوحد مع حالة معينة مرت به ويجد حالة أو شخصا يعبر عنها كما حدث له مع أغنية « ليه بعدت» (وهى قصيدة فارقة في حياته الشخصية) استطاع تجسيدها عبر مسلسل «تحت السيطرة».. وقصيدة «عازف تشيلو وحيد».. وقد صارحنى أن تلك القدرة على التوحد تمنحه إلهامه القوى.. تماما كما حدث مع تلك المرأة «دبدوشكا».. محمود رضوان شاعر جدير بالاستماع إليه.
قلت له «أريدك أن تعترف .. اعتراف بقوة قنبلة دبدوشكا كما تبدو لى ولك». أجابنى ضاحكاً «في ديوانى الجديد ستجدوننى مستلقيا على شيزلونج طبيب نفسي. قلت «ثم»؟ قال وعلى وجهه استثارة المبدع وكأنه يحلق: «في دبدوشكا بطلع كل اللى أنا مخبيه، وعشان كدة بعد ماخلصته حسيت أنى اتولدت من جديد أو شُفيت.. عملت تجربة جديدة فى الكتابة لأننا عادة بنكتب من منطقة من اثنين الوعي أو اللاوعي أنا فى ديوانى الجديد عملت «بريدج» كوبرى بين المنطقتين وكل يوم كنت باطلع على البريدج دا وأشوف من فوق قوى بس المشكلة كانت فى إرهاق الصعود والهبوط الموضوع. كان أشبه بحالة استدعاء أرواح أو تحضير جن ههههه ما تخافوش دا جن لطيف ودمه خفيف وهتحبوه». تدربت على التأمل أو اليوجا لتفعل ذلك؟ حاولت بطريقة تشبه اليوجا فعلا.. وعرفت أننى أستطيع بعفوية وحدس وتخطيط أن كما الحالة الروائية أن أصل لنقاط الضعف الإنسانى الذى يجعلنى أرسم شخوص قصائدى بإتقان، كما كان يفعل نزار قبانى حين يكتب عن المرأة وكأنه يتحدث بلسانها مستغلا ذلك التقمص، وتلك الخاصية النفسية التي يتأكد معها أنه في كل منا الرجل والأنثى. كلمنى عن دبدوشكا تحديدا؟ وبرغم أنها عاهرة – وأنا لا أبرر تلك المهنة أو أعفيها – ولكنها بالفعل وكما تكشف لى أنها أكثر شرفاً من كثيرين.. لقد رفضت الارتباط بمن أحبها، لأنها على علاقة بآخرين ولا تريد خداعه بادعاء أى مشاعر أو أحاسيس له وحده، ولأنها لن تكون فعلياً له وحده.. لدرجة أننى تساءلت.. إذن فمن هو الجدير بحبها.. وعرفت أنها تحب الشاعر الروسى الكبير «بوشكين» وكانت تغنى أشعاره محتضنة جيتارها.. أنه الوحيد الجدير بها. أراك تتحدث عن دبدوشكا وكأنها بطلة أسطورية؟ هي كذلك.. وإننى أستطيع أن أعترف أن دبدوشكا وضعتنى في حالة عجيبة لمدة 6 أشهر لأكتبها بشكل ملحمى أسطورى حتى إننى وجدت نفسى في مأزق إنسانى ونفسى فتوقفت عن الكتابة مستغرقاً في حالتها.. لقد رأيت فيها إنسانة لا تحيد عن مبادئها وترى في عملها، وإن كان بيع الهوى أداة لتحقيق أحلامها بالسفر بعيدا والانفراد بروحها. يا عزيزتى.. دبدوشكا حالة أو فلسفة أو تركيبة إنسانية نحن في أمس الحاجة لوجودها في حياتنا. دبدوشكا بعيدة عن النمطية التي نتعامل بها مع الآخرين ، فداخلها كما بداخل كل منا الخير والشر ولكنها لا تؤذى أحدا. نعمل فلاش باك.. كيف تصف البداية.. بداية الشاعر المعروف؟ ناضجة.. فقد كنا برغم حداثة سننا نسبياً مجموعة من الشعراء والملحنين الهواة في منتصف التسعينيات، نلتقى في الهناجر ولدينا رصيد من الكتابات المحترفة الناضجة والتي تليق بكبار المطربين من ذوى الأفق المتسع وغير المرتبطين بالأغنية العادية في شكلها العاطفى .. كنا نبحث عن من لديهم مساحة عريضة من التعبير، وكان منير هدفاً.. وحين وجدنا الهدف صعباً قررنا البحث عن بديل وبدأنا خلق شخصيات وغناء بديل يبدو للوهلة الأولى جديدا حداثيا. كنت أحد مؤسسي تيار الفرق الموسيقية الحديثة؟ نعم .. كانت البداية مع أغنية «إنجليكا» مع أحمد سلام و»كُحيلة الأسمرانى» .. ثم «امسك إيدين حبيبك» .. ومن تلك التجربة ظهر فريق «وسط البلد» الذى يعد رأس السهم الذى ظهرت من بعده فرق كثيرة، ومجموعات من الموسيقيين والشعراء ليس هدفهم ألبومات «تكسر الدنيا»، وإنما توصيل معنى جديد في أفق أوسع وفكرة أكبر من تقليص دورنا في زاوية ضيقة، لأن هدفنا كان ولا يزال برحابة الإنسانية. الفكرة مثيرة أيها الشاعر البليغ؟ ابتسم محمود رضوان وقال لى: اعتبريه كان ميلاً أو توجهاً أو شيئاً مريحا لنا ولمواهبنا.. فكنا نتبع الفرق التي تغنى كتاباتنا والتي صارت تتقدم وتنجح يوماً بعد يوم. وسط البلد؟ أيوة في المرحلة الأولى.. كنا عندما نسمع أسمائنا نفرح وكأننا في منافسة وفوز نسعى إليه بجمال.
(بننجرح.. كل يوم لكن لكن.. بيفرحنا.. أن أنت جوّا القلب ساكن في أفراحنا أنت الأمل في العيون.. والنشوة ساعة الجنون و إياك تكون زيهم.. وتروح و تجرحنا دا أنت الوحيد منهم.. تقدر تريّحنا) حالياً يوجد تحت الطبع كتاب عن شعراء العامية في تجربة محمد منير الغنائية بعنوان « أصل الولد شاعر»؟ ماذا ستكتب عن تجربتك أنت شخصياً مع منير؟ في 2004 بدأت مرحلة محمد منير الذى عرف بوجود شعراء جدد يكتبون لتلك الفرق، وصار يتحدث إعلامياً عن الاتجاه الجديد في الغناء.. وبدأنا نكتب ونلحن ونقدم له حتى وقع اختياره على «بننجرح» وقد قرأنا الخبر صغيراً على موقعه ولم يذكر فيه لا اسم المؤلف ولا الملحن! وكنا وقتها «مش مصدقين» حتى اتصل بنا شخصياً وطلب لقاءنا وكسرت الأغنية الدنيا! ليس لأننى كاتبها لكن لأن منير غناها بعبقرية. ولماذا لم تستمر مع منير؟ ما زال لدى نفس السؤال الغامض الذى يكرر نفسه بلا توقف.. لماذا لم يغن منير لنا (أنا وجيلى) بعد ذلك؟ لوماً أم عتابا؟ ابتسم محمود رضوان وقال: عتاب المحبين. ويبدو أن الأمور لا تسير دوما كما نريدها.. لسه فاكر عم مينا عم مينا بتاع زمان المقدس إلي كان بيفوت علينا بالأمان جيبه مليان بالحلاوة والبلح وعيونه ماليه الكون حنان عم مينا وشيخ أمين الله عليهم لما كانوا بيضحكوا علي نكتة واحدة مش مهم مين يقولها المهم النكته حلوة واللي أجمل واللي أحلي ضحكه طالعه من روحين عم مينا وشيخ أمين شوف حروف الاسم حتي مينا نفس حروف أمين لكن وإن لم تسر الأمور في اتجاه منير فإن أغنية عم مينا والتعويض بالوصول لمرحلة جديدة؟ كنا نحتاج أن نواصل مع جيلنا متسلحين بإيمان جديد ويقين أن الغوة تثبت نفسها بنفسها حتى لو لم يغنها مطرباً نجماً! وحدث ذلك مع عم مينا التي غناها فريق وسط البلد ومع ولا ما عايز غير بيت مع كايروكى.. الجاى أكتر. لدرجة أن كبار النجوم بدأوا يسعون لغناء أغانينا.. فأصر المخرج طارق العريان أن تغنيها المطربة أصالة مع الفريق. (والله ما عايز غير بيت فيه واحدة الصبح بتفرد ضفايرها وعيال بتقوم من النوم تجرى عليا من غير حتى ما تفتح عينها والله ما عايز غير كوباية شاى بحليب الصبح وبوسة حب ورضا بالحال وجرايد كاتبة أخبار عال والله ما ناقص تنطيط والله ما عايز بعد الشغل. غير إنى أرّوح تعبان من الحر وبأطوّح وألقى حبيبة قلبى بتضحك وألقى طراوة بيت بتأخدنى ترد الروح هم الدنيا فى لحظة يروح وألقى عيالى بيجروا عليا ويحضنوا فيا وياخدوا الشنطة يقلبوا فيها ويأخدوا الحاجة الحلوة ويجروا وبعد الضهر أقرأ الجرنان وأنت يا أجمل شىء فى الدنيا واقفة بتكوى لى القمصان وبتبصيلى وأنا تعبان والله ما عايز غير حضنك وأتغطى وأنام) كما كانت وسط البلد علامة فأعتقد أن كايروكى علامة أيضا؟ • فريق «كايروكى» تجربة مهمة في حياتى الفنية فاغنية «والله ما عايز غير بيت» غناها الفريق في البوم «ناس وناس» بعد أن اختارتها المؤسسة الثقافية بأوربينو في إيطاليا وهى من ديوان «إيجار جديد» لترجمتها ونشرها ضمن كتاب «famiglia Esperinza Di Amoree di Unita» الذى كتب له المقدمة البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان. واختيارها كان لأنها تعبر عن قدسية البيت والأسرة وتتضامن مع رسالة الكتاب الذى يتحدث عن الأسرة المجُتمعة وأهمية ذلك للإنسان.. وضم الكتاب عدداً من شعراء وكتاب أوروبا وإيطاليا وعدداً من لوحات فنية تمثل العصور المختلفة وتعبر عن الجو العائلي والأسري. وعندما تم نشر الخبر بالصحف تلقيت مكالمة من أمير عيد أحد أعضاء الفريق، والذى طلب غناءه وتعجبت لأننى أعرف أنهم يكتبون أغانيهم ولا يلجأون إلا لشعراء مثل الأبنودى وأحمد فؤاد نجم وعمر طاهر.. ورحبت للغاية لإيمانى برسالتهم، حيث يعدون الآن الفريق الشبابى الأكثر جماهيرية في مصر بلا مبالغات. حافي وحُر صافي ومر وعمر ما كان في القلب شىء إلا العسل والعسل بيسُر أبيع وأشتري وأسيب وأفتري ومش فارق معايا أى شىء الا إنتي ياحبيبة العُمر حبيبتي مهما طال بيا البعاد أنا ع المعاد وراجع بس تستني ووعد ماتبعديش عني وأنا علشان عنيكي السمرة حالف إن أنا أغني مهما كان في الحلق مُر أنا الأسمر اللي عمر النيل ماغير كلمته وياه وشالك جوا قلبه دفاه في ليل البرد لف عشانك الدنيا فلو ثانية أمانة متخرجيش براه ولادنية هواكى تغُر حافي وحر سأكرر تعبيرك الغنوة تفرض نفسها فكيف تعبر عن فكرتك عملياً حتى الآن بعد غيابك للعمل في الخليج لمدة خمس سنوات من عمرك الفني، وكتبت «حافى وحر» وكأنه رسالة؟ نعم حافى وحر .. ودعينى أستحدث عبارة حديدة «إنه زمن الشعراء أيضا». ويبتسم محمود رضوان وهو يواصل: والشعراء الغنائيون لم يعودوا تحت رحمة المنتجين كما كانوا في الماضى.. فنحن نصنع نجومنا وننتج أغانينا ونطلقها على مواقع التواصل الاجتماعى وتشتريها القنوات، وبرغم غيابى فقد أخرجت للنور فعلا أغنيات ناجحة وبحثت عن أصوات وأنتجت لمطرب شاب واعد هو «محمود بدراوى» أغنية «حافى وحر» والذى أتبناه فنياً ومستبشراً به لأنه يمتلك مقومات الجاذبية الفنية صوتاً وشكلا. أشعر بأنك تعتز بهانى عادل؟ نعم وهو جدير بالحديث عنه.. وقد قدمت معه «الوحدة والظنون» التي كانت فكرته وكتبتها أنا وقدمناها في عيد الحب 2014 وأعتبرها واحدة من أفضل أعمالنا المشتركة.. وأتمنى أن يخرج الإنتاج الجديد بيننا للنور قريباً، برغم انشغاله بالتمثيل وهو ينوى الغناء منفرداً بعيدا عن فريق وسط البلد وأتمنى له التوفيق. أريد إرسال رسائل.. للشعراء الكبار لا تتركوا فجوة بينكم وبين الشعراء الشباب لدور النشر أحذرهم من الغث والضعيف