شاهيناز العقباوى شهد الخطاب الإسلامى فى إفريقيا عبر مراحله التاريخية، العديد من التطورات التى أثر بعضها سلبا فى دعمه وعمل على انتشاره، فى حين أسهمت الكثير من التغيرات فى المقابل فى تقويضه بل وصفه بالعنف فكانت الحركات الصوفية بما تحمله فى طياتها من سلمية وسماحة رسائل سلام وفاتحة خير فى دولها، بينما حمل التيار السلفى بما نقله للقارة من تشدد الكثير من الحركات ذات الرؤية العدائية الجامدة، التى أفرغت قواعد الدين الإسلامى من أصولها وحولت الهدف من نشر الإسلام فى شرق القارة وغربها إلى البحث عن سفاسف الأمور والخلاف على قشورها، لذا حاول الدكتور حمدى عبد الرحمن أستاذ العلوم السياسية بمعهد دراسات العالم الإسلامى فى جامعة زايد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن يعرض رؤية متكاملة عن أهم النقاط المحورية التى مر بها الإسلام فى القارة السمراء عبر بحثه فى كتابه «تحولات الخطاب الإسلامى فى إفريقيا» صادر عن مركز النشر بمؤسسة الأهرام، وخلال حواره معنا انتقلنا بين هذه التحولات بداية من الصوفية ووصولا إلى بوكو حرام.
ما الرسالة التى حاولت نقلها من خلال طرحك لقضية تحولات الخطاب الإسلامى فى إفريقيا حاليا؟ الهدف الأساسى هو دراسة الظاهرة الإسلامية وتحولاتها، لأنه معروف تاريخيا أن إفريقيا هى قارة الإسلام، حيث إنه يشكل الكتلة الأكبر بها، وكان أكثر الأديان انتشار مقارنة بالأخرى سواء المسيحية أم اليهودية وحتى التقليدية منها، ودخول الإسلام القارة كانت له طريقة مختلفة عن الأخرى من خلال التجار والحركات الصوفية، لذا كان الخطاب الصوفى هو السائد زمنا طويلا، وبالتالى نجد ملامح الحياة الروحية التى تدعو إلى أن الناس سواسية بعيدا عن كل النوازع العرقية والقبلية، أصبح هو الأنسب إلى الواقع الإفريقى، هذا فضلا عن أن بساطة التعاليم الإسلامية هى التى جعلت الإسلام ينتشر بهذا الشكل الأقرب إلى الأفارقة، لذا أصبح دينا إفريقيا. وما الذى حدث للخطاب الإسلامى خلال السنوات الماضية وأدى إلى تغيير توجهاته الصوفية؟ أعتقد أن دخول التيار السلفى المتشدد أثر بشكل كبير، حيث أضاف صيغا عنيفة تخالف الفكر الدينى والسياسى والاجتماعى الإفريقى، هذا بالإضافة إلى تراجع دور الأزهر، الذى بدا واضحا خلال الفترة الماضية، وهو ما نتج عنه ظهور جماعات مثل بو كوحرام فى نيجيريا والشباب المجاهدين فى شرق إفريقيا، وحركة التوحيد والجهاد وغيرهم، هذا فضلا عن التنظيمات المرتبطة بالقاعدة فى إقليم الساحل والصحراء كان هذا تحولا فارقا، أدى بدوره إلى أن الخطاب الوطنى فى الدول الإفريقية بعد فترة الستينيات كان ينحى المتغير الدينى، لذا وجدنا دولا ذات خلفية إسلامية تتبنى دساتير علمانية، والذى بدا واضحا أن نرى رئيس أكبر دولة إسلمية وهى السنغال مسيحى، وهو ما يعكس التوجه نحو علمانية الدولة. وما الأسباب التى دفعت الدول الإفريقية إلى تنحية الدين ورفع شعار الدولة الوطنية؟ الذى كان مهيمنا، وقتها هى الدولة الوطنية التى تجمع الطوائف المختلفة تحت مظلة واحدة، حيث كان ينظر إلى الدين الإسلامى حتى لو كان هو السائد على أنه المفرق والمانع لبناء الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال. وكيف عاد للدين الإسلامى سيطرته وسطوته فى الدول الإفريقية مرة أخرى؟ فشل الدولة الوطنية مع العديد من المؤثرات الفكرية الأخرى منها ظهور عدد من الجماعات الإسلامية الوسطية فى بعض دول القارة التى أصبح لها صدى جيد فى إفريقيا، هذا فضلا عن ما نتج عن الثورة الإيرانية خلال فترة السبعينيات من ظهور الإسلام الحركى الذى ترتب عليها ظهور عدد من الحركات المبهورة بالإسلام الحركى الشيعى، لاسيما فى نيجيريا. ودفع فشل الدولة الوطنية إلى ظهور فكرة الاسلام هو الحل، لاسيما فى مصر بعد أن عجزت الدولة الوطنية عن تحقيق الأهداف المرجوة وظهرت فى نيجيريا برغم أنها دولة متعددة الأعراف، وبها انقسامات حركة تطبيق الشريعة التى وصلت إلى زروتها عام 2000 عندما أعلنت اثنتا عشرة ولاية تطبيق الشريعة الإسلامية. من وجهة نظرك ما أهم وأخطر تحولات الخطاب الدينى فى إفريقيا؟ عندما ظهرت فى السبعينيات فى نيجيريا التى تشكل أكبر كتلة إسلامية فى القارة «جماعة إقامة السنة وإزلة البدعة « برئاسة كبير القضاة الشيخ أبوبكر جومى كان هذا الصدام الأول للإسلام بصيغتة السلفية، التى تعكس خبرة الجزيرة العربية مع الصوفية الإسلامية، لذا بدا التحول فى التوجه الإسلامى، فبعد أن كان الهدف منه هو الزحف والانتشار داخل دول القارة، تحول إلى خلافات إسلامية على قضايا هامشية وهو ما أطلق عليه الإسلام الوهابى، كتعبير سياسى أو الإسلام السلفى، الذى يعبر عن رؤية جامدة لا توافق ظروف الحياة فى إفريقيا، وكان هذا بالتأكيد واحدا من أهم وأخطر تحولات الخطاب الدينى فى إفريقيا. وهل انحصر دور الجماعات الصوفية فى القارة فى الدعوة للإسلام؟ الحركات الصوفية كان لها دور وطنى فى القارة، فهى التى قادت ثورات التحرير ضد الاستعمار سواء السنوسية فى ليبيا، أم المهدية فى السودان والصومال وفى القرن العشرين، حينما قامت حركة الجهاد الإسلامى فى غرب إفريقيا بقيادة عثمان دون غوليو بإقامة أول دولة إسلامية، تحول مسار الجماعات الصوفية لتأخذ منحى جهاديا، وكانت أشد موجات المقاومة التى واجهها الاستعمار فى القارة يتلقاها من الحركات الصوفية المنتشرة فى دولها، لذا حرصت الدول الاستعمارية على تقويض انتشارها. أفهم من ذلك أن الاستعمار لعب دورا فى تفتيت القوى الإسلامية الكبرى فى إفريقيا؟ الذى حدث أن الاستعمار قضى على حركية القوى الصوفية الجهادية التى أنشأت دولة إسلامية، وأصبح لها كيان إسلامى قوى، لذا تم التخلص منها وتفتيتها، وفى المقابل ترك القوى الصوفية الأخرى التى لا تشكل أى تهديد، مثل المريدية فى السنغال، حيث كانت ترى أن الدولة شأن وطنى، وبالتالى انحصرت مهمتهم فى التربية السياسية للشعب، والتأثير على الناس وتعليمهم أصول دينهم، وبالتالى كان دورها ينحصر فى أن يكون لها مريدون لا يتدخلون فى العمل السياسى. وما الذى يفسر التحول الكبير فى الخطاب الإسلامى؟ المسألة ليست مرتبطة بأوضاع الفقر، ولا حتى الاستبداد والتخلف، كما يزعم البعض لظهور مثل هذه الحركات الإسلامية المتشددة هناك جوانب ترتبط بالإطار الفكرى النابع من التراث الإسلامى، لاسيما فكرة نحن الجماعة الناجية، لذا نجد أن جماعة بوكوحرام تقتل مسلمين موحدين، هذا فضلا عن أن التعليم الإسلامى ظل سنوات طوال تقليديا دون تغيير على خلاف التعليم الغربى. وهل للغرب دور فى دعم هذه الحركات لزيادة التشتت داخل الشعوب الإسلامية الإفريقية؟ مما لا شك فيه أن هناك عوامل إقليمية ودولية وأمورا مرتبطة بالعولمة منها تورط بعض الشركات العالمية مع وكلاء داخليين لدعم مثل هذه الحركات وزيادة شوكتها، وهو مشكل مرتبط بالعمل على عولمة بوكو حرام على سبيل المثال، وهو الذى أصبح جليا عندما رفضت أمريكا تسليح الجيش النيجيرى لمواجهتها، حيث أصبح لا يخفى على أحد أن المساحة التى احتلتها تعادل دولة بلجيكا، لذا لو أعلنت دولة إسلامية هناك تصنف ضمن الدولة الرابعة فى إفريقيا من حيث صغر المساحة. وهل ينحصر النموذج الإسلامى فى القارة فى الجماعات المسلحة المتشددة؟ هناك الخطاب الإسلامى التقدمى فى غرب إفريقيا وهو نموذج مهم جدا، لأنهم جاءوا من خلال المقاومة ضد نظام الفصل العنصرى، فذاقوا جميعهم مرارة الظلم، لذا منحوا خطابا تصالحيا إسلاميا، كذلك تعد الجماعة المسلمة فى جنوب إفريقيا واحدة من أهم الجماعات الخدمية برغم قلة أعداد المسلمين هناك، حيث إن شعارهم لا توجد معارضة بين الإسلام والحداثة. وكيف ترى التوجه الإسلامى الحالى فى القارة؟ حاليا يطغى على الإسلام الإفريقى فكرة العنف حتى إن دول غرب إفريقيا انشات قوة كاملة لمواجهة إرهاب جماعة بوكو حرام، فأصبح هناك نوع من التضييق حتى على المسلم العادى. وماذا عن إعلان رئيس جامبيا أنها دولة إسلامية ألا يعد ذلك خطوة إيجابية؟ هناك فرق بين كونها دولة إسلامية، والتوجس الأمنى الذى أصبح الحاكم عند كثير من النظم الإسلامية الآن. أفهم من ذلك أن انتشار الدين الإسلامى ينحصر فى إفريقيا حاليا؟ هناك آثار سلبية مارستها جماعات العنف مستندة إلى الدين، وهو ما أثر سلبا على انتشار الدين الإسلامى فى إفريقيا. ومن الواضح أن الكاثوليكية المسيحية فى ازدياد. وأين الدول العربية من السعى الإصلاحى الإسلامى فى دول القارة؟ حاليا من الصعب لأن أغلب الدول العربية الإسلامية تعانى من تمزق فى الداخل فكيف تسعى إلى الإصلاح فى إفريقيا؟ وكيف ترى المستقبل الإصلاحى الإسلامى بالقارة؟ هناك المنظور الناعم وليس الأمنى وحده لمعالجة الأسباب التى أدت لانتشار الظاهرة الإسلامية المتشددة، أرى أن الاهتمام بالتعليم مهم وضرورى مع الحرص على استخدام مناهج تخدم الدين الإسلامى، وحاليا هناك قمة إفريقية تناقش قضايا التطرف والإرهاب تتبع مجلس الأمن والسلم الإفريقى، يجب أن نبحث عن الأسباب الرئيسية ونسعى إلى القضاء عليها. تحولات الخطاب الإسلامى فى إفريقيا يناقش الدكتور حمدى عبدالرحمن، من خلال كتابه «تحولات الخطاب الإسلامى فى إفريقيا» الذى صدر عن مركز الأهرام للنشر، أحد جوانب دراسة الظاهرة الإسلامية فى إفريقيا وجنوب الصحراء، وهى إشكاليات وقضايا خطاب التجديد والإصلاح الإسلامى فى الواقع الإفريقي، وتبنى رؤية شمولية لفهم بيئة وأنماط هذا الخطاب الإصلاحى والتجديدي، عبر المكان والزمان، انطلاقا من صوفية أحمد بمبا فى السنغال وسلفية عبدالله جومى فى نيجيريا، مرورا بتقدمية فريد إسحاق فى جنوب إفريقيا ومفهوم الحداثة عند حسن الترابي، وانتهاء براديكالية الخطاب الثورى العنيف الذى تبنته جماعات إسلامية مثل «بوكو حرام» والشباب المجاهدين. ويتضمن الكتاب 398 صفحة فى تسعة فصول، يعرض خلالها المؤلف عددا من قضايا الظاهرة الدينية فى إفريقيا، يتحدث الأول عن تاريخ الإسلام فى إفريقيا، والثانى يعرض خلاله مفهوم الخطاب الإسلامى ودوافع تجديده، والثالث يتحدث خلاله المؤلف عن الخطاب الصوفى المهادن، حيث اتخذ من السنغال نموذجا، ويقدم فى الفصل الرابع الخطاب الإسلامى السلفى ورد الفعل الصوفى فى القارة، ويبحث الفصل الخامس عن تاريخ خطاب الحركة المهدية فى السودان، ويقدم السادس عرضا للخطاب الدينى الجهادى، والسابع يقدم تفصيلا عن خطاب الهوية والتعامل مع الآخر، أما الفصل الثامن فيتحدث عن تطبيق الشريعة فى نيجيريا، وأخيرا يعرض التاسع خطاب الحداثة وتجديد الخطاب الإسلامى. ويتضمن الكتاب 5 محاور، أولها خصصها المؤلف لدراسة الظاهرة الإسلامية فى القارة السمراء، حيث إشكالاتها النظرية والمنهجية وتحدياتها التاريخية. وتناول فى المحور الثانى أنماط الخطاب الإسلامى الذى يطرح رؤى تجديدية، تدفع بالدين ليكون مشروعا للنهضة والتقدم، حيث شهدت القارة خلال القرون الثلاثة الأخيرة تيارات وحركات إصلاحية عديدة تتراوح مناهجها ما بين العمل من داخل النظام الحاكم وبين الثورة عليه والإطاحة به. وناقش المحور الثالث أنماط الخطاب الإسلامى وخطاب الهوية والتعامل مع الآخر، حيث يركز على مدخل الإصلاح التعليمى وتطوير النظام القانونى بما يحافظ على هوية المجتمعات الإسلامية كما هى الحال فى شرق إفريقيا. وخصص المؤلف المحور الرابع لمناقشة الجدل الذى أثارة خطاب تطبيق الشريعة فى شمال نيجيريا، حيث يطرح إشكالية الديمقراطية والتعامل مع الآخر غير المسلم. بينما يعرض المحور الخامس تحديات المشروع الحداثى الغربى وانعكاساته على موضوعات وقضايا خطاب التجديد الدينى، حيث يتم التركيز على المشروع الفكرى الذى يقدمه المفكر السودانى. وتبدو أهمية الكتاب فى كونه الأول من نوعه الذى يقدم رؤية منهجية وتاريخية للخطاب الإسلامى فى إفريقيا، عبر البحث فى جذوره وتطوره إلى أن وصل للحالة العنيفة متمثلة فى جماعة «بوكو حرام». ويهتم الكتاب عبر فصوله ومحاوره المختلفة فى تناول الحركات الإسلامية التى سعت إلى أسلمة الحياة السياسية فى المجتمعات الإفريقية، وكيف أن بعضها أسهم فى تشويه الصورة الذهنية للإسلام عندما اعتمد العنف واتخذ منه وسيلة وشعارا.