- الجدل يتجدد حول وقف غارات التحالف أولا أم سحب ميليشيات الحوثى وإطلاق المعتقلين
مرت تسعة أشهر كاملة وبضعة أيام على اندلاع المواجهات العسكرية فى اليمن، وجاء المولود مشوها ومعاقا، دون أى بارقة أمل فى أن تضع الحرب أوزارها ويحل السلام . وبينما تستمر نيران المدافع وأزيز الصواريخ ونزيف الدم فى أكثر من 10 جبهات رئيسية فى محاولة صعبة لاستعادة شرعية النظام السياسى اليمنى، وإنهاء تمرد جماعة الحوثى والرئيس السابق على صالح، تبدو آفاق الحل السياسى بعيدة وفرصها شبه معدومة فى ظل مشهد يزداد تعقيدا يوما بعد آخر على الأرض، ويضاعف مأساة إنسانية للسكان المحليين فى عدد من المدن اليمنية، فى مقدمتها تعز التى تواجه حصارا خانقا من المتمردين.
الإشارات المحبطة عن الحل السياسى سبقت وصول المبعوث الأممى إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى صنعاء، وقبيل لقاءاته مع قيادات الحوثيين وصالح للإعداد والتحضير لجولة جديدة من المفاوضات، والتى كان يفترض أن تنطلق فى 14 يناير، فألمحت الخارجية اليمنية عن صعوبة عقد الجولة فى موعدها، وتوقعت باحتمال عقدها نهاية شهر يناير الجارى فى ظل مؤشرات إصرار الحوثيين على رفع السلاح وعدم الانصياع لمقررات السلام .
وفى هذا الصدد جاءت تأكيدات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبد الملك المخلافى، بأن المتمردين الحوثيين وقوات صالح التى تدعمهم غير جادين وغير جاهزين لعملية السلام، متهما إياهم بتعطيل الوصول إلى حل سياسى. وشدد المخلافى على أن الحل السياسى فى اليمن لن يتحقق دون تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذى ينص على انسحاب الحوثيين من المدن وإطلاق سراح المعتقلين، وسحب الأسلحة الثقيلة والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
تشدد حوثى فى المقابل تبدى جماعة الحوثيين وصالح تشددا واضحا إزاء مسار التفاوض السلمى استنادا إلى قوتها على الأرض، وسيطرتها الميدانية على العديد من المناطق برغم ضربات وغارات قوات التحالف وقوات المقاومة اليمنية المدعومة من الجيش الموالى للرئيس هادى. ويؤكد الناطق الرسمى للحوثيين محمد عبد السلام، أن مسار المفاوضات المقبلة مرهون بوقف الحرب التى يشنها التحالف العربى على معاقلهم ومعاقل قوات الرئيس السابق على صالح، معتبرا أن ما يعقد استمرار المفاوضات هو استمرار الحرب، وأنهم يعتقدون أنه ما زالت هناك أزمة سياسية تحتاج إلى نقاش. وكان صالح أطلق تصريحات غريبة قبل أيام يمهد فيها إلى احتمال تصفيته، وكأنه يمضى على طريق صدام حسين ومعمر القذافى حيث تحدث عن الشهادة والنصر، كما أعلن أنه يرفض التفاوض مع من أسماهم المرتزقة والفارين فى إشارة إلى الرئيس هادى وحكومته، وأنه يطالب بحوار مباشر مع السعودية مما يعكس رغبته فى تشتيت الانتباه وكسب المزيد من الوقت فى المعارك وإطالة أمدها، وهو ما رفضته الرياض بشكل قاطع على لسان العميد أحمد عسيرى الناطق الرسمى لقوات التحالف العربى، والذى أكد أن السعودية لا يمكنها التفاوض بشكل مباشر مع المتمردين . ويفسر الكاتب والمحلل اليمنى ياسين التميمى تصعيد صالح تجاه السعودية، بأنه يعكس فقدانه خطوط التواصل مع المملكة، فلم يعد بإمكانه الحصول على مخرج سياسى عبرها كما اعتاد أن يتصرف فى كل منعطف صعب، كان يواجه نظامه عندما كان يحكم اليمن، لهذا هاجم السعودية واعتبر أن حربها عقائدية فى اليمن، برغم حرصه على إصدار تطمينات بألا موقف له من المملكة ونظامها.
أمل السلام فى الوقت نفسه حاول المبعوث الأممى إسماعيل ولد الشيخ، أن يبث بعض الأمل مع وصوله إلى صنعاء قادما من الرياض لإجراء لقاءات مع ممثلين عن جماعة الحوثى وصالح،بعد أن التقى فى العاصمة السعودية نائب الرئيس ورئيس الحكومة اليمنية خالد بحاح، الذى اتهم الحوثيين وصالح بأنهم يبعثون رسائل غير إيجابية، فى حين قال إن الحكومة الشرعية تتعامل بالمسئولية المطلقة مع كل الشعب اليمنى، وتسعى إلى سلامتهم جميعا. وقال ولد الشيخ: "جئنا إلى صنعاء لبذل مزيد من الجهود مع الأطراف المعنية، لنقوم بجولة جديدة من المحادثات، وكنا قد حققنا تقدما الشهر الماضى فى محادثات سويسرا ونريد أن نقوم بجولة جديدة ". وكشفت مصادر قريبة من حكومة اليمن فى الرياض أن المبعوث الأممى، اقترح أن تكون جنيف مكانا لإقامة الجولة الثالثة من المحادثات بعد استبعاد الكويت، وإن ممثلى الحكومة ما زالوا متمسكين بضرورة، أن يكون القرار الأممى 2216 أرضية لأى محادثات قادمة، مع التزام جماعة الحوثى وصالح بإطلاق كل المعتقلين، وفك الحصار عن مدينة تعز. ويؤكد مراقبون فى صنعاء أن خيبة الأمل من نتائج " جنيف 2 " أسهمت فى تراجع التفاؤل بالنسبة لأى جولة جديدة خصوصا أن الأخيرة تمخضت عن مقررات لبناء الثقة بين الطرفين لم تتم مثل تشكيل "لجنة اتصال، وتهدئة من مستشارين عسكريين من الطرفين وبإشراف الأممالمتحدة وأيضا إجراءات ثقة تشمل الإفراج عن أسرى وسجناء .
مواجهات عنيفة وفى الميدان تشتد المواجهات العسكرية فى جبهات تعز ومأربوالجوف والبيضاء وشبوة بين القوات الحكومية وميليشيات المتمردين، وسط إعلان من كل طرف بأنه يحرز تقدما وأنه قريب من تحقيق النصر . بينما تتحدث مصادر عسكرية حكومية، بأن الجيش الوطنى أصبح على بعد 22كم عن مركز العاصمة صنعاء، متوقعا إعلان تطهير محافظتى الجوفومأرب خلال أيام، أعلنت جماعات الحوثى أنها توغلت فى الأراضى السعودية وسيطرت على مقرات حكومية فى جيزان، وهو إعلان يستهدف رفع معنويات مقاتليهم بالدرجة الأولى . ومع التفوق الجوى للتحالف العربى وقوات الشرعية اليمنية تسير المعارك بين كر وفر، حيث أعلن الجيش اليمنى سيطرته على جميع مناطق قبيلة الجدعان بمديرية نهم حتى مفرق الجوف، كما وصل إلى جبل صلب، والكوله وجبل جردود ومناطق آل سعيد وآل حميدان التابعة لمحافظة صنعاء، فضلا عن سيطرته على كامل مدينة الجوف باستثناء مديرية الصفراء وبراقش، حيث تجرى حاليا العمليات فيها. وذكرت مصادر الجيش اليمنى أن مديريات حزم الجوف والمتون والغيل محررة بالكامل، وأيضا جبل الريحان الاستراتيجى على الحدود مع السعودية، مشيرة إلى أن العمليات فى محافظة مأرب شارفت على النهاية تماما، حيث لم يبق سوى 20 % من تضاريس سلسلة جبل هيلان التى يجرى حاليا تطهيرها للدخول لمحافظة صنعاء.
تعز تموت ببطء وعلى الصعيد الإنسانى تواجه مدينة تعز وضعا مأساويا، حيث يخضع نحو 350 ألف مواطن لحصار ميليشيات الحوثى وصالح ويعيشون حالة يأس وخوف ورعب من القتل قصفاً أو الموت جوعاً، بحيث لم تدخل مواد إغاثية للمدينة المحاصرة بإحكام منذ تسعة أشهر. وحذرت اللجنة الطبية العليا بمدينة تعز من اتجاه الأوضاع الإنسانية نحو الكارثة، بعد توقف العمل فى 37 مستشفى، وعدم إجرائها ألف عملية جراحية إسعافية، جراء انعدام الأكسجين بسبب الحصار. وأوشكت المدينة على السقوط فى كارثة صحية خطرة، بعد توقف العمل فى نحو 90 % من مستشفيات المدينة المحاصرة. وكشف المحلل السياسى اليمنى عبد الرقيب الهديانى، عن خطة قريبة لتحرير محافظة تعز من مسلحى جماعة الحوثى وصالح سيشرف عليها وزير الدفاع السعودى محمد بن سلمان، عقب تجهيز غرفة عمليات مشتركة سيشارك فيها 20 ألف مقاتل تكمن فى ثلاثة ألوية مجهزة بأعلى التجهيزات العسكرية الخاصة، ذات مواصفات قوات نخبة، ومدربة على أحدث الأجهزة والآليات التى تعتمد على الدفع الذاتى والحرارى وتصحبهم أكثر من 300 مدرعة ودبابة وكاسحة ألغام وراجمة صواريخ وتحت غطاء جوى كثيف ومتواصل . وأكد الهديانى أن إطلاق أكبر عملية عسكرية لتحرير تعز سيكون من قاعدة العند، لافتاً إلى أن المعركة تنتظر مصادقة الرئيس عبدربه منصور هادى وقيادة التحالف عليها . وفرضت الأوضاع فى اليمن ظهور سلطتين بنفس القوة فى صنعاءوعدن تكرسان واقع الانقسام الحاد فى إدارة شئون الدولة بعد احتلال جماعة الحوثى للعاصمة، ففى صنعاء يصدر رئيس اللجنة الثورية العليا محمد الحوثى قرارات بموجب إعلان دستورى لم يعترف به أحد ويصدر بموجبه تعيينات لقيادات فى الوزارات المختلفة وقائمين بأعمال الوزراء ومحافظين، الشيء نفسه يقوم به الرئيس عبد ربه منصور هادى الذى أصدر أخيرا تعديلات وزارية فى حكومة خالد بحاح وعين محافظين ومسئولين عسكريين . هذا الانشطار طال وسائل الإعلام اليمنية أيضا، حيث استنسخ الحوثيون نموذجا من وكالة الأنباء اليمنية الحكومية سبأ للتعبير عنهم وتبقت نفس التسمية تابعة لوزارة الإعلام اليمنية الرسمية، والأمر نفسه فى قناة اليمن الفضائية التى أصبحت تحمل مسميين أحدهما للحوثيين والثانى للرئيس الشرعى . وحتى الموازنة العامة للدولة أصبحت موازنتين الأولى يجرى إعدادها من قبل حكومة بحاح، وتركز على تنفيذ خطة الإعمار فى المناطق المحررة، فيما تعلن السلطات المالية فى صنعاء، والتى يسيطر الحوثيون بموجبها على 10 محافظات من بين 22 محافظة يمنية عن تمديد العمل بموازنة 2014 مع التركيز على تغطية نفقات الحرب . وفيما تعتمد موازنة الحكومة الشرعية على الموارد المحلية للمحافظات المحررة وتضع فى الحسبان، تكلفة إعادة الإعمار بدعم مباشر من دول التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن، وتهدف إلى تأمين الرواتب والأجور لموظفى الدولة والجيش الوطنى والمقاومة الشعبية، يستغل الحوثيون عائدات الضرائب والجمارك لتغطية نفقات حربهم، وتذهب بقية الميزانية لرواتب الأجهزة الإدارية والعسكرية والأمنية المتضخمة، وهذا بدوره يعنى أن معظم الميزانية أيضاً تذهب للإنفاق على الحرب، فى حين أن السلطة الشرعية فى عدن تحصل على تكلفة الحرب عبر التحالف العربى وبالأخص السعودية والإمارات وقطر دون المساس بالموازنة. وقدر التقرير السنوى لعام 2015 الصادر عن وزارة التخطيط اليمنية الفجوة التمويلية للموازنة العامة للسنة الجديدة بحوالى 8.3 مليارات دولار بدون احتياجات إعادة الإعمار. وقدرت مصادر مالية قريبة من الحوثيين أن نسبة الزيادة فى الإنفاق فى العام الجديد سترتفع إلى 4 % مقارنة بميزانية العام الماضى ليصل إلى 2.88 تريليون ريال " 13.4 مليار دولار ".