لا سبيل سوى تغيير ميزان القوى عبر المقاومة الشعبية والانتفاضة - لا نخشى انهيار السلطة الوطنية فما يجمعنا هو منظمة التحرير وإسرائيل هى الخطر
عبر الدكتور مصطفى البرغوثى، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية عن قناعته بأن الانتفاضة الشعبية الحالية فى الأراضى المحتلة ستستمر، خصوصا بعد أن دفعت سلطات الاحتلال الإسرائيلى إلى التراجع عن مخطط تقسيم الأٌقصى زمانيا ومكانيا، وإن ظل الخطر قائما فى ظل ما صرح به رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو بشأن استطاعته هدم المسجد، ولفت النظر إلى أنه فى ظل فشل مفاوضات السلام مع إسرائيل وإخفاق اتفاق أوسلو باعتراف أصحابه لم يعد أمام الشعب الفلسطينى، إلا السعى لتغيير ميزان القوى عبر المقاومة الشعبية الواسعة وحركة الانتفاضة وفرض العقوبات على إسرائيل ودعم الصمود الإنسانى على الأرض والسعى لتوحيد الصف الوطن. جاء ذلك فى حديث ل «الأهرام العربى» خلال زيارته للقاهرة أخيرا، وفيما يلى حصيلته: ثمة ضغوط عديدة خصوصاً من قبل وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لإخماد الهبة الشعبية المستمرة منذ مطلع أكتوبر الماضى إلى أى مدى نجحت فى تحقيق هدفها؟ لم تنجح الضغوط الخارجية التى مورست على السلطة الوطنية سواء من قبل كيرى أم غيره فى إيقاف الانتفاضة، وليس الهبة كما يحلو للبعض أن يصفها، فهى تمثل تحولا فى الرؤية السياسية والحالة النفسية فى فلسطين، يستند إلى الإدراك بأن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة «، وأن المراهنة على المفاوضات مع الاحتلال فشلت فشلا ذريعا، بعد 23 عاما من انطلاقها والتى استخدمتها إسرائيل للتوسع الاستيطانى، وأن اتفاق أوسلو قد فشل باعتراف أصحابه، وأنه لا سبيل أمامنا سوى تغيير ميزان القوى عبر المقاومة الشعبية الواسعة، وحركة الانتفاضة وفرض العقوبات على إسرائيل، ودعم الصمود الإنسانى على الأرض والسعى لتوحيد الصف الوطنى، ولا شك أن الانتفاضة الثالثة تمثل تمردا لجيل الشباب، على واقع التمييز والفصل العنصرى (الأبارتهايد) الذى أنشأته إسرائيل، وعلى الرغم من فداحة الخسائر، حيث استشهد أكثر من 125 فلسطينيا وجرح أكثر من 13 ألفا آخرين، ومع ذلك فإن الانتفاضة مستمرة وسيتواصل زخمها حتى تحقق أهدافها، اعتمادا على أهم تجلياتها المتمثلة فى المظاهرات الشعبية الواسعة. الطعن بالسكاكين لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلى توظف عمليات الطعن بالسكاكين التى يلجأ إليها الشباب الفلسطينى ضمن مفهومها للإرهاب، وهو ما قد يحظى بدعم دولى تجسد فى مواقف الإدارة الأمريكية التى رأتها أعمال عنف، وأنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها؟ إسرائيل تتهم الفلسطينيين دوما بالإرهاب، فلو تحدث أحدهم مطالبا بالحقوق المشروعة، ودون أن يمارس أى فعل يتهم على الفور بأنه إرهابى ويحرض عليه، وقبل انبثاق الانتفاضة الراهنة وصفت سلطات الاحتلال حركة المقاطعة فى الأراضى المحتلة، بأنها إرهابية برغم أنها حركة سلمية، والمقاومة الشعبية تجابه من قبلها بأشرس أنواع العنف وإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين، وعلى أى حال فإن العمليات الفردية التى وقعت على هذا الصعيد، يجب أن يتم قراءتها بإعتبارها تعبيرا عن حالة يأس وإحباط شديد نتيجة القمع الإسرائيلى، وهى لاتمثل إلا أحد مظاهر الانتفاضة وليس جميع مظاهرها، وإسرائيل لا تريد سلاما لكنها تريد ضم وتهويد كل الأراضى الفلسطينية، وبشكل خاص القدس والمسجد الأقصى. هل يمكن القول إن الأوضاع فى القدس وحول الأقصى استعادت بعض هدوئها، على الرغم من استمرار المستوطنين فى اقتحام باحات المسجد؟ بالتأكيد لم تردع بنيامين نيتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل بيانات الإدانة والاستنكار، التى صدرت من هنا أو هناك، أو التحركات الدبلوماسية سواء على الصعيد الإقليمى أم الدولى، وإنما الذى ردعه هو الشباب الفلسطينى بمظاهراته السلمية فى الانتفاضة الشعبية، وهو ما اضطره إلى أن يوقف مخطط التقسيم الزمانى والمكانى للمسجد الأقصى، فى اليوم العاشر على بدء الانتفاضة، بيد أن ذلك لا يعنى أنه لن يحاول أن يجدد هذا المخطط خصوصاً بعد تصريحه الخطير، الذى ذكر فيه أنه بوسعه هدم المسجد الأقصى، وعلى كل، نحن فى معركة يدافع فيها الشعب الفلسطينى، بأجساد أبنائه وبناته عن عروبة وإسلامية المسجد الأقصى، فهو يقف فى خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، ولو انهار الفلسطينيون فإن إسرائيل ستجتاح العالم العربى بأسره بالهيمنة والسيطرة ، وهو ما يتعين أن يدركه الجميع فى هذه المرحلة الخطرة من عمر الصراع مع الاحتلال. مظاهرات 1948 كيف تنظر إلى المظاهرات التى جرت فى العفولة وأوفاكيم فى فلسطين 1948 ضد تملك فلسطينيين للمنازل ؟ هى بكل تأكيد تعبير عن انحدار واسع فى المجتمع الإسرائيلى نحو درك العنصرية المنفلتة، والتى تغذيها حكومة نتانياهو والأحزاب الصهيونية، فنظام الأبارتهايد الإسرائيلى، والذى تجاوز فى عنصريته مثيله فى جنوب إفريقيا يستهدف كل الفلسطينيين، سواء من يعيشون فى الداخل أم الأراضى المحتلة أم المهاجر، ولا شك أن هدم المنازل والإعدامات الميدانية، واحتجاز جثامين الشهداء ونشر الحواجز والعقوبات الجماعية، ومحاكمة النواب وفرض الحصار الخانق على قطاع غزة بعد تدميره، كلها مظاهر لنظام العنصرية الإسرائيلى الذى يريد تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويحرمهم من حقوقهم ويواجه مظاهراتهم الشعبية بأشرس أنواع القمع والقتل، وبالتالى فإن ردع النظام العنصرى يتطلب تصعيد واحتضان الانتفاضة الشعبية، باعتبارها أرقى أشكال المقاومة الشعبية، وتعزيز حركة المقاطعة وفرض العقوبات، والإسراع فى توحيد الصف الفلسطينى حول أهداف كفاحية مشتركة، لاسيما أن الإدانات لم تعد تغير شيئا، وأن العالم الذى يقر بأن إسرائيل تدمر حل الدولتين، مطالب بفرض العقوبات عليها كما يجب أن يعاقب كل نظام عنصرى، وإلا فإنه سيدمغ بخطيئة ازدواجية المعايير. أداء السلطة كيف تقيم أداء السلطة الوطنية فى التعاطى مع الانتفاضة الحالية؟ هى تتعامل بحذر لكنها ستكون مضطرة، لأن تنفذ قرارات المجلس المركزى الفلسطينى، خصوصاً ما يتعلق منها بوقف التنسيق الأمنى مع الاحتلال، وتشجيع حركة المقاطعة والمقاومة الشعبية المتصاعدة ضده فى الأراضى المحتلة ؟ ألا يمكن أن يقود ذلك إلى أن تدفع الثمن من وجودها كسلطة؟ نحن ندفع الثمن كل يوم من قبل إسرائيل، فهى تحتل وتحاصر الأراضى وتسرق المياه وتقتل شبابنا، بحيث لم يبق لدينا ما نخشى على فقده. ألا يمكن أن تنهار السلطة وثمة تلويح بذلك؟ هى معرضة للخطر فى كل لحظة، والذى يجمعنا ليس السلطة، وإنما منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا كان ثمن الحرية أن تنهار السلطة، فليكن ولكن إسرائيل نفسها ستعانى الأمرين فى هذه الحالة، بمعنى أنها تخشى من حدوث ذلك الانهيار للسلطة، لأنه سيلقى عليها بأعباء أمنية واقتصادية ليس بوسعها أن تحتملها . تراجع الاهتمام بالقضية لقد شاركت خلال زيارتك للقاهرة فى مؤتمر مؤسسة الفكر العربى، ولفت انتباهى أن وثائقه أو برغم أهميتها لم تحمل إشارات واضحة إلى الخطر الإسرائيلى، باعتباره ضمن مهددات الأمن القومى العربى فى المرحلة الراهنة هل ترى أن ذلك مؤشر على تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية حتى على مستوى النخب الفكرية؟ بالفعل رصدت ذلك، وهو ما أشرت إليه فى مداخلاتى بالمؤتمر، وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة قناعة قوية بأنه لايمكن الحديث عن المخاطر التى يتعرض لها الأمن القومى العربى، دون الإشارة إلى الخطر الأكبر الذى يتهدده، والمتمثل فى إسرائيل التى لا تسعى إلا إلى تكريس احتلالها لفلسطين وضمها بالكامل وتهويدها فحسب، لكنها تحاول وتعمل بالفعل على تفتيت الوطن العربى، وتجريد دوله من كل عناصر القوة سعيا إلى فرض هيمنتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وهى لا تخفى أطماعها الإقليمية فى أراضى الدول العربية المجاورة ليس فقط فلسطين وسوريا، لكنها تمتد إلى الأردن ولبنان ومصر وإسرائيل، فهى بطبيعتها تتآمر على الأمن القومى العربى، وأحد أوجه التآمر مخططاتها ضد مصر، فيما يتعلق بمياه النيل ومحاولاتها إنشاء تحالفات مع بعض الدول الإفريقية ضد الدول العربية، ولايجوز بأى حال من الأحوال، إذا استخدمنا الأسلوب العلمى الموضوعى فى التحليل، أن يعتقد أحد – إلا إذا كان جاهلا – أن ثمة خطرا أكبر من خطر إسرائيل على الأمة العربية جميعا .