شاهيناز العقباوى يبدو أن الضربات الموجعة التى تلقاها تنظيم داعش فى العراقوسوريا، التى أدت إلى خسارته بعض مناطق «دولة الخلافة» المزعومة، حملته على البحث عن آليات جديدة تعوض هذه الخسارة. فكانت الماكينة الدعائية إحدى أبرز وسائله للإعلان عن تمركزه فى مناطق جديد، خصوصا فى إفريقيا التى تشكل أكثر أراضى العالم خصوبة لزراعة أفكاره، واجتذاب أكبر عدد ممكن من المتطوعين والمشاركين، فكانت مبايعة «بوكو حرام» للتنظيم الصك الرسمى الذى سمح لهم بدخول القارة مغلفا بالكثير من الدعاية الإعلامية الداعمة له.
حيث ذكرت جريدة الساحل الموريتانية أنه مع صعود نجم تنظيم داعش فى الشرق الأوسط وإعلانها الخلافة، سارع زعيم بوكو حرام أبو بكر شيخو البغدادي وبايعها فى فيديو مصوّر وردّت داعش بقبول البيعة.
جدير بالذكر أن هذه المبايعة تمت عقب سلسلة النجاحات التى حققتها قوات من نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر فى معركتها ضد المتمردين التى طردت بمقتضاها الجماعة من أراض كانت تسيطر عليها فى شمال شرقى نيجيريا، الأمر الذى حمل بعض الخبراء الأمنيين إلى الإقرار بأن مبايعة «بوكو حرام» زعيم داعش، هدفها الدعاية فقط على المدى القصير، نافين فكرة أن يكون هناك موطئ حقيقى لتنظيم داعش فى هذه المنطقة.
ورأى خبراء أمريكيين أنه فى حال توصلت المجموعتان التابعتان لتنظيم الدولة الإسلامية فى إفريقيا فى كل من ليبيا ونيجيريا، إلى التقارب وتكثيف تعاونهما فقد تشكلان خطرا كبيرا على القارة الإفريقية.
واعتبر مايكل شوركين المحلل السابق فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» والإخصائى فى شئون إفريقيا فى مركز الأبحاث راند كوربوريشن، تحول بوكو حرام إلى دولة إسلامية فى غرب إفريقيا أشبه بعملية ترويج، أو تغيير اسم تجاري .
وفى خضم ذلك أعلنت الحكومة النيجيرية أن مبايعة جماعة بوكو حرام تنظيم داعش يعتبر مؤشر يأس، ونتيجة الضغوط التى تمارسها نيجيريا والدول الحليفة لها عليها.
وكشف مدير مركز إفريقيا لدى المجلس الأطلسى للدراسات فى واشنطن بيتر فام، أنه على الرغم من عدم وجود اتصالات مباشرة بين تنظيم الدولة وجماعة بوكوحرام، فإنه من الواضح أن الأخيرة تتابع ما يقوم به تنظيم الدولة الذى يهتم بدوره بما تفعله الحركة.
ويلفت النظر إلى تشابه فى العمليات التى ينفذها كل من تنظيم الدولة وبوكو حرام، مشيرا إلى أن سيطرة التنظيم على مساحة شاسعة على جانبى الحدود بين سورياوالعراق، شجع بوكو حرام على القيام بالمثل فى شمال نيجيريا، وعليه أصبح تنظيم الدولة يشكل نموذجا مغريا.. فيما أضحت القاعدة جزءا من الماضي.
ويقول ناثنيال بار، الباحث فى شئون الإرهاب بمؤسسة جايمس تاون، إن هذا التنظيم استغل الإعلام الاجتماعى وغيره من المنابر لخلق توهم أن المقاتلين فى الجزائر بشكل خاص وفى إفريقيا عموما ينشقون عن القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، وينضمون للدولة الإسلامية أفواجا حسب مناطقهم، إذا تمكنت الدولة الإسلامية من تغذية النظرة بأنها فى صعود بينما القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى منقسمة داخليا، يمكنها إقناع الجهاديين بالانشقاق عن هذا التنظيم الأخير، ومن ثم يقصد من إستراتيجية الدولة الإسلامية جعل خرافة الزخم حقيقة، وهذه مقاربة استعملها تنظيم الدولة الإسلامية فى أماكن أخرى يسعى فيها إلى التوسع بما فى ذلك أفغانستانوالصومال.
ويذكر أن الوسيلة الأساسية التى اعتمدها تنظيم الدولة الإسلامية لخلق الزخم فى الجزائر تتمثل فى نشر المبايعات التى يقوم بها الجهاديون الجزائريون، حيث بايعت أربعة تنظيمات جهادية الدولة الإسلامية منذ قامت جماعة جند الخلافة بذلك، حيث إن أول مبايعة تلقتها الدولة الإسلامية فى سنة 2015جاءت فى شهر مايو من مجموعة مقاتلين فى ولاية سكيكدة شرق الجزائر، وقدّم إعلان المبايعة الذى نشر بواسطة بيان سمعى القليل من المعلومات حول أفراد فصيلة سكيكدة، مثل كونهم كانوا تابعين للقاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، عقبتها المبايعة الموالية فى أواخر شهر يوليو عندما أعلن مقاتلون يدعون أنهم تابعون لكتيبة الغرباء المنضوية تحت تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى انشقاقهم وانضمامهم لتنظيم الدولة الإسلامية فى بيان سمعي، ودعت بقية أفراد القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى للالتحاق بالتنظيم الجديد أيضا. وفى بداية أغسطس أطلق مقاتلون من الدولة الإسلامية من محافظة صلاح الدين مقطع فيديو يمجد مقاتلى كتيبة الغرباء، وبالتالى جلبوا المزيد من الاهتمام بعملية الانشقاق هذه.
وهى الإستراتيجية نفسها التى اعتمدها تنظيم داعش بشكل مكثف أخيرا فى الصومال فى محاولة منه لاستمالة عناصر «حركة الشباب» الصومالية وحثها لإعلان بيعتها، عبر تمرير رسائل من خلال شبكات تواصل مختلفة تراوحت بين الإعلان تارة عن مبايعة الحركة للتنظيم، وتقديم إغراءات تارة أخرى، وهو ما نفته الحركة فى أكثر من مرة وأقدمت على قتل عدد قليل ممن أعلنوا بيعتهم، فيما نفت الحكومة الصومالية أن تكون للتنظيم حاضنة فى هذا البلد.
ويؤكد جاكوب زين، الباحث فى مؤسسة جيمس تاون فى دراسة "عن توغل داعش فى إفريقيا"، أن تنظيم الدولة أصبح له التأثير الأكبر فى فكر الجماعات المحلية بإفريقيا.
ويشير جاكوب إلى أنه على الرغم من تلقى بوكو حرام لدعم من القاعدة فى بلاد المغرب، فإن التنظيم النيجيرى اتبع لاحقا العقيدة العسكرية والفكرية لتنظيم الدولة، وأعلن تأييده لأبوبكر البغدادى بعد شهر من إعلانه ما سماه ب"الدولة الإسلامية".
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة حتى الآن على تنسيق عملى بين الحركتين المتطرفين، يؤكّد الباحث الفرنسى المتخصص فى شئون القاعدة ماتيو غيدير من خلال دراسة له عن داعش نشرها موقع رصيف 22اللبنانى، أنه على المستوى الأيديولوجي، تتبنّى الحركتان الطرح نفسه، وتتّبعان الإستراتيجية التوسعية ذاتها لذلك، يمكن أن نتحدّث عن محاكاة جهادية لداعش تحت راية أبو بكر شيخو .
من جانبه توقع السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الإفريقية سابقا استمرار توغل داعش فى قارة إفريقيا، وذلك تطبيقا على ما حدث مع جماعة بوكو حرام فى محاولة كل الجهات فى القضاء عليها على الرغم من مشاركة الغرب ودعمه للحكومة، لكن دون جدوى ظلت الجماعة كما هى وبنفس القدر من القوة على التدمير والقتل، وبوكوحرام هى جزء بسيط جدا من قوة داعش، لهم نفس التخطيط والتفكير، وبالتالى من الطبيعى أن تقوى شوكتها ليس فى دول الغرب الإفريقى، فحسب بل فى جميع أجزاء إفريقيا.
واستطرد السفير حجاج، أن الدليل على ذلك أن بوكو حرام لديه العديد من العلاقات مع الكثير من الجماعات المعروفة بحركاتها الإرهابية بجميع أنحاء إفريقيا، وعلى رأسها حركة شمال الصومال وغيرها، فهى تسير على خطى داعش فى ارتكاب المجازر بكل وحشية حتى تردع الحكومات ولا يعوقها أى وازع أخلاقى فى تنفيذ خطتها وأهدافها فى التوغل والانتشار .
التطور الخطير فى الأمر على حد قوله أن داعش نقلت العديد من أفرادها إلى ليبيا، والأخطر أنها وجدت لها الكثير من المريدين فى كل أنحاء القارة، مما يشكل تهديدا على الأمن القومى ليس لدول الجوار التى تنتشر فيها قوى داعش، بل على مستوى القارة بشكل عام، مما يترتب عليه بمرور الوقت النيل من هيبة الدول، لا سيما أن مقاومة داعش والسيطرة عليها تحتاج إلى مبالغ كبيرة لتقويضها والتقليل من سيطرتها، وكل ذلك يؤثر على خطط الدول الإفريقية المستقبلية التنموية والأمنية على وجه الخصوص.
فى السياق نفسه، يرى السفير رخا أحمد حسن، أن توغل داعش فى قارة إفريقيا ليس مقصورا على دول الشمال والغرب، بل امتد تأثيره إلى الكثير من دول القارة، والأمر المؤكد أن كل هذه الجماعات وعلى رأسها بوكو حرام وداعش ما هى إلا تطور طبيعى جدا وامتداد لتنظيم القاعدة فى شكله الجديد الذى صنعته أمريكا، وأطلقت يدها ليس فى إفريقيا وحدها بل فى العالم أجمع .
وبين أن سبب توجه داعش لقارة إفريقيا يعود إلى تضييق الخناق عليها من قبل دول العالم، ومحاولة القضاء عليها، لذا لم تجد أمامها متنفسا سوى فى قارة إفريقيا التى تعانى الكثير من دولها العديد من المشاكل، التى تعد بيئة خصبة جدا لانتشار داعش بل وتميزها وقدرتها على تحقيق أهدافها، الذى بدا واضحا فى انتشار العديد من الجماعات الإرهابية، بل استمرارها وتحقيقها الكثير من النجاحات على أرض الواقع فى مقابل عجز الحكومة عن السيطرة عليها .
وكشف السفير رخا أن القضاء على توغل التنظيم داخل القارة يحتاج إلى السير فى ثلاثة اتجاهات في الوقت نفسه، أولها العمل على إحداث إصلاح اقتصادى عام وشامل بمختلف دول إفريقيا يوازيه فى الوقت نفسه، توسيع دائرة العمل السياسى والسعى بكل الصور لتحقيق مصالحة دولية، ودعم ومشاركة بين جميع الدول الإفريقية، هذا فضلا عن إصلاح اجتماعى متعدد الأهداف والتوجهات لخدمة المجتمعات الإفريقية وإرشادها إلى الطريق الصحيح، كل هذه الأمور مجتمعة بدورها تلعب دورا كبيرا فى القضاء على توغل داعش وتقليص سيطرتها داخل دول القارة .
فى حين ترى السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية، أن أنظار العالم توجهت إلى إفريقيا، بعد أن أعلنت جماعة بوكو حرام ولاءها لداعش وتبعها الكثير من الجماعات الموالية لها، التى تسير على خطاها ليس فى مالى وتشاد والنيجر بل فى العديد من دول القارة، الدليل على ذلك أن هذه الجماعات وعلى رأسها بوكو حرام كانت موجودة من قبل، وأعلنت عن قوتها بقيامها بالكثير من العمليات الإرهابية لكنها حرصت على أن تصنع المزيد من الدعاية الدولية من خلال إعلان انضمامها إلى داعش، على الرغم من أنها على أرض الواقع لا تحتاج إلى ذلك، لكنها ثقافة البحث عن الشهرة والتأثير.
وتؤكد السفيرة منى عمر أن الكثير من العمليات الإرهابية التى تقوم بها هذه الجماعات داخل القارة لم تعد تلفت نظر العالم ولكن بعد الإعلان عن ولائها لأكثر الجماعات شهرة حاليا، سيمنحها ذلك المزيد من الدعاية المجانية.