معتز أحمد إبراهيم هذا السؤال دائما ما يكون مرتبطا بحدوث أى تطور سياسى مهم يألم بمصر ويتكرر فصليا بصورة دورية، خصوصا مع الاهتمام الفعلى لإسرائيل بما يجرى فى مصر، ورصد وسائل الإعلام الإسرائيلية تطورات الأحداث فى القاهرة. الحاصل أن الكثير من الدوائر سواء السياسية أو الأمنية الإسرائيلية تتحدث عن مصر، خصوصا عقب تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية الرئيس. والمتابع للساحة الإسرائيلية يكتشف تخوف تل أبيب من ميل أى دولة عربية لتعزيز قوتها. ولا يهم فى هذا السياق، إن كانت هذه الدولة حليفةً للولايات المتحدة أم عدوا لها، أو إن كانت تقيم سلاماً مع إسرائيل أو لا تقيم. والدلائل على ذلك كثيرة، من بينها إبداء الكثير من الدوائر السياسية أو الأمنية الإسرائيلية للقلق البالغ تجاه نية مصر والأردن إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية. وأخيراً، أعادت إسرائيل طرح خطورة المساعى المصرية الهادفة إلى تطوير الأسلحة الصاروخية، الأمر الذى يمكن ملاحظته مع التوجهات الإعلامية الإسرائيلية بوضوح. هيئة الدفاع الإسرائيلية ويشير تقرير صدر أخيرا عن هيئة الدفاع الإسرائيلية اهتم به موقع «إسرائيل ديفنس» (Israel defence) بشدة، وهو التقرير الذى قال إن محاولات مصر تطوير أنظمتها الصاروخية بالتحديد يمثل أزمة كبيرة وقلقا بالغا لتل أبيب، وهو القلق الذى يتجدد مع هذه المساعى المصرية الحقيقية. واستعرض هذا التقرير ما سماه بتاريخ المساعى المصرية لشراء الصواريخ ابتداء من مساعى الجيش المصرى بعد عام 1948، وصولاً إلى تزويد روسيا لمصر فى عهد جمال عبد الناصر فى مطلع الخمسينيات بصواريخ «فروج 4» و«فروج 5»، وبعدها مشروع الصواريخ الذى شارك فيه علماء ألمان فى الستينيات. وبحسب التحقيق الإسرائيلي، فإن مصر امتلكت عام 1960 خمسة مصانع تعمل فى مجال تطوير الصواريخ، وبلغ عدد الخبراء الألمان فيها نحو 250 خبيراً، فيما زاد عدد العمال المصريين على أربعة آلاف. واعترف التقرير بأن إسرائيل أقامت عام 1961 باختبار صاروخ «شافيت 2»، ما دفع مصر إلى تسريع مشروعها الصاروخي. وبعد عام، أجرت مصر أول اختبار على صاروخى «الظافر» لمسافة 300 كيلومتر و«القاهر» لمسافة 600 كيلومتر. وفى العام ذاته، عرضت مصر عشرة صواريخ من هذين الطرازين فى عرض عسكري. صواريخ روسية لمصر وعرض التقرير أيضا طلب مصر من روسيا الكثير من الصواريخ، ومنها صواريخ «فروج 5» الثقيلة، ثم «فروج 7» التى امتلكت منها عام 1970، 36 صاروخا. وتتبع التقرير الإسرائيلى مسار التسلح المصرى أيضا، موضحا أن مصر وتحديدا عام 1976، تعاقدت مع كوريا الشمالية على تطوير صاروخ «سكود سي» لمدى 600 كيلومتر، وبعدها ل «سكود دي» لمدى ألف كيلومتر. واستمر التعاون طويلاً بين البلدين. ولا تزال مصر تنتج حتى الآن صاروخ «صقر 80» لمدى 80 كيلومتراً بديلا عن «فروغ 7»، كما تطور «صقر 365». وفى العام 1984، وقعت مصر والعراق والأرجنتين اتفاقاً لتطوير صاروخ على مرحلتين باسم «بدر 2000» لمدى 750 كيلومترا، وفى مطلع التسعينيات، وقعت مصر مع الصين اتفاقية لتحديث مصنع «صقر» لإنتاج الصواريخ، واستمر التعاون بينهما حتى اليوم. من وجهة نظر إسرائيل، تتطلع مصر أيضاً لامتلاك قدرة نووية، إلى جانب قدرة صاروخية وأقمار صناعية لأغراض متعددة. وتحاول مصر منذ العام 1954 تطوير قدرة نووية، وهنا نوه التقرير إلى تعاقد مصر مع شركة «روزاتوم» لإبرام اتفاق لبناء مفاعل نووى بأربع وحدات، كل منها تنتج 1200 ميجاوات فى منطقة الضبعة. دورى جولد: سنتحرك إلى ما وراء حدودنا اللافت للنظر أن التقرير يعترف بأن مصر بالتحديد باتت تمثل أهمية إستراتيجية لإسرائيل وسط تحركاتها، وسعيها الحثيث لتنظيم قدراتها التسلحية، وهو السعى الذى بات واضحا ويمثل قلقا لإسرائيل، الأمر الذى يفسر اهتمام الدوائر الإسرائيلية المتعددة بهذه التطورات. اللافت للنظر أن نفس الخيط الذى كتبه تقرير معهد (Israel defence) اهتم به ووضعه أيضا الخبير والباحث السياسى الإسرائيلى زاك جولد، وهو واحد من أبرز المتخصصين فى الشئون العربية بصورة عامة والمصرية بصورة خاصة. ويعمل جولد باحثا فى معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى، وهو واحد من أبرز المعاهد التى تشارك بالتأكيد فى طرح الآراء التى تساعد إسرائيل فى اتخاذ الكثير من القرارات. ويشير جولد فى دراسة له صدرت يوم الإثنين الماضى إلى أن التحدى الأبرز الذى يواجه مصر الآن هو التحدى الأمنى، ملقيا الضوء على تطورات هذا الملف وتحديدا تطورات الأوضاع فى سيناء. وتشير الدراسة إلى أن هذا التحدى الأمنى دفع بإسرائيل للموافقة على تجاوز عدد من البنود المتعلقة بمسيرة التسوية، وهى البنود التى تساعد الجيش المصرى على الانتشار بصورة أكبر فى سيناء . ويزعم جولد أن تل أبيب تنقل إلى القاهرة المعلومات الخاصة أو المتعلقة بتطورات الموقف فى سيناء، وهى المعلومات التى تختص بالأساس بمحاربة الإرهاب ورصد كل التطورات الأمنية المتعلقة بتحركات التنظيمات الاصولية فى هذه المنطقة . الخطورة فيما ذهب إليه جولد هو قوله بأن الجيش الإسرائيلى يستعد لاحتمال مهاجمة التنظيمات الإسلامية فى سيناء إلى "ما وراء الحدود"، هو المصطلح الذى تركه جولد واسعا، فما الذى يقصد به خلف الحدود الإسرائيلية.. هل هى سيناء ...وأى منطقة فى سيناء؟ وما طبيعة العمل الاستخباراتى أو الأمنى الذى تقوم به إسرائيل الآن فى سيناء، خاصة مع إلقاء التنظيمات الإسلامية أخيرا القبض على عدد من العملاء من أبناء سيناء الذين يعملون لصالح الأجهزة الإسرائيلية، وهو ما دفع بالجهات الجهادية إلى إعدامهم؟ عموما يظهر من تقرير إسرائيل الدفاعى ودراسة جولد أن تل أبيب تراقب مصر باهتمام بالغ، وهذا الاهتمام الذى بات واضحا فى ظل التطورات الحاصلة الآن سواء على الصعيد السياسى أم الإستراتيجى المصرى على حد سواء .