رشا عامر كانت تلك هى المرة الأولى التى يتم فيها الإعلان رسميا عن إصابة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله على خامنئى بسرطان البروستاتا والذى أعلنت صحيفة لوفيجارو الفرنسية أنه وصل إلى المرحلة الرابعة منه أى المرحلة النهائية! مما يلقى بالضوء على قضية غاية فى الأهمية وهى حرب الخلافة التى يمكن أن تندلع فى حال وفاة المرشد. فالحالة الصحية للمرشد الأعلى لإيران أضحت تلقى بظلال كثيفة على المشهد السياسى الإيرانى، وقد أثارت صورة خامنئى الأخيرة وهو راقد فى سرير المستشفى تكهنات حول هذه الخلافة. هذا المشهد الذى سبق وتكرر عام 1981 عندما تعرض لمحاولة اغتيال على يد مجاهدى خلق أصابت ذراعه اليمنى بالشلل. فالمرشد يبلغ من العمر 76 عاما، وهو يعانى هذا المرض منذ سنوات عديدة، لكن بدأ المرض فى الانتشار بشكل مخيف فى الجسم كله أخيرا، مما جعل الأطباء يتوقعون عدم بقائه على قيد الحياة لأكثر من عامين. هذا الخبر الذى من الممكن أن يتسبب فى اضطرابات للسلطة فى إيران فى حال عدم تدخل رجال الدين والحرس الثورى والاتفاق على من سيخلفه سريعاً لإنقاذ البلاد من كارثة محققة نتيجة عدم الاستقرار السياسى، لأن قضية اختيار خليفة، خصوصا فى دولة مثل إيران تعد قضية أمن قومى، على حد تعبير الصحف الفرنسية. وقد وصفت الصحيفة الفرنسية المعلومات الطبية الجديدة التى تخص خامنئى، قائلة إنها تلقى بظلالها على المفاوضات مع الغرب حول النووى الإيرانى، وكذلك على المحادثات بين طهران ومجموعة "5+1"، حيث كان من المقرر أن يتم استئنافها فى بداية الشهر الحالى فى جنيف بهدف التوصل إلى حل قبل نهاية الشهر، فالهدف من المفاوضات هو تقليل عدد أجهزة الطرد المركزى الإيرانى مقابل الحد من العقوبات الاقتصادية التى تضرب البلاد. ولو نجح حسن روحانى فى محاولته لإقناع الناس بمزايا هذه المفاوضات والتى تتعرض لانتقادات كثيرة من قبل المحافظين فالمرشد الأعلى هو الذى سوف يتخذ القرار النهائى. وهنا يطفو سؤال على السطح: هل يريد المرشد الأعلى البقاء فى نظر الجميع بأنه صاحب الفضل الوحيد فى رفع العقوبات الغربية عن بلاده أم سيكون كل قلقه أن يحافظ على إرث الثورة ؟ الاحتمال القائم الآن وفق صحيفة لوفيجارو هو الاختفاء الوشيك لخامنئى الذى يفتح احتمالية نشوب حرب خلافة من بعده على تولى المنصب، لاسيما مع ضيق دائرة المرشحين المحتملين لاختيار بديل للمرشد، تلك المسألة التى تعد من أكثر التعقيدات المحيطة بقضية الخلافة. فأغلب الفقهاء لا يملكون المهارات السياسية اللازمة لتولى منصب الخلافة، فى حين أن من يمتلكون الدهاء السياسى يفتقدون التكوين الدينى المطلوب. ولعل المشكلة هنا تظهر بوضوح لكل من يتابع الشأن الإيرانى، فنظرة واحدة على الجبهة الداخلية الإيرانية ومعرفة مدى تماسك مؤسساتها نكتشف الخلافات الحادة التى تعصف بها منذ فترة وتؤثر فى العلاقات بين السلطات التنفيذية والقضائية والعسكرية فى البلاد. بالطبع لم تنفجر قضية الخلافة فى إيران بين عشية وضحاها. صحيح أن الحديث عن مرض المرشد كان يتم دوما فى الغرف المغلقة باعتباره أحد الأسرار الحربية التى لا يجب للعامة معرفتها أو حتى التناقش فيها إلا أنه تمت مناقشة ذلك فى اجتماع الخبراء منتصف العام الماضى بعد التأكد من أن المسألة أكبر من كونها مجرد شائعات كتلك التى تعج بها دوما السياسة الإيرانية. بالطبع ظهر العديد من الأسماء التى يمكن أن تتولى المنصب، ولكن كما سبق وذكرنا فهى إما تفتقد للحنكة السياسية أو تفتقد للروحانية الدينية. فالمرشد يعد رأس السلطة الدينية والسياسية فى إيران حيث لا حدود لصلاحياته. فهو من يتولى السياسة الخارجية بشكل مباشر ويشرف بنفسه على كل قضايا الدولة بمساعدة مستشاريه، بما فى ذلك السياسات الإقليمية والداخلية والأهم بالطبع العلاقات مع الولاياتالمتحدة والبرنامج النووى. فالمرشد لم يعد هذا المنصب الإشرافى الضعيف كما كان فى الماضى، بل على العكس لقد تحول إلى منصب قيادى غاية فى التعقيد والحزم والقدرة على التدخل فى شئون الدولة من أصغر شأن إلى أعظم شأن مرورا بالقدرة على عرقلة أية قوانين غير مرغوب فيها بالنسبة له. وبسبب كل هذه التعقيدات نجد القليل من الأسماء المرشحة مثل كل من هاشمى رافسنجانى "81 عاما" وحسن روحانى "66 عاما" إلا أنهما يعانيان من صورتهما المعتدلة والتى لا تعجب الكثيرين. يظهر فى الصورة أيضا "هادى خامنئى"، الشقيق الصغر للمرشد العام والذى شغل منصب مستشار الرئيس محمد خاتمى وله تاريخ طويل فى النضال ضد الشاه قبل الثورة، وكذلك له دور قوى فى الحركة الإصلاحية، ولهذا فهو غير مرحب به نهائيا من قبل المتشددين. يأتى هذا فى الوقت الذى يتولى فيه "مجتبى خامنئى – 45 عاما" نجل المرشد الأعلى آية الله على خامنئى قيادة جهاز "الباسيج". والباسيج بالفارسية تعنى "التعبئة" أى "قوات التعبئة الشعبية" هى قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين ذكور وإناث، أسسها الإمام مصطفى أحمد الموسوى الخمينى فى نوفمبر 1979. وتتبع الحرس الثورى الإيرانى الذى يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية فى إيران. كذلك تضم قوات الباسيج مجموعات من رجال الدين وتابعيهم. وكان لتلك الميليشيا نشاط بارز أثناء الحرب العراقيةالإيرانية فى الثمانينيات. ويبلغ عددهم حاليا قرابة 90.000 متطوع ومتطوعة، ويمكن أن يرتفع إلى مليون عند الحاجة. ويوصف مجتبى بأنه "رجل إيران القوى" وبناء عليه فهو الشخص الوحيد الذى يمكن أن يتولى منصب المرشد فهو سياسى نشط رغم أنه يعمل من وراء الستار. فلقد كان له دور فى اختيار قادة الحرس الثورى فضلا عن أنه يمتلك فريقا استشاريا كما أنه هو الذى يحدد سياسات النظام الأساسية عبر مكتب والده إضافة لعلاقاته وطيدة بمجلس قيادة الحرس الثورى وله تأثير قوى بين كبار القادة العسكريين والسياسيين فى إيران. ولكن تظل هناك مشكلة وهى أن مجتبى لا يملك المؤهلات الدينية ليحل محل والده. وذلك على عكس "آية الله محمود هاشمى شاهرودى"، نائب رئيس مجلس الخبراء والذى يبلغ من العمر 66 عاما . فقد ولد شاهرودى فى العراق لأسرة إيرانية وانتقل إلى إيران عشية قيام الثورة عام 1979 حيث تولى بعد ذلك بعشرين عاما منصب رئيس القضاء لمدة عشر سنوات، وهو المنصب الذى يشغله دوما أقرب المقربين للمرشد الأعلى. كما شغل شاهرودى عدة مناصب أخرى ولعب دوراً كبيراً فى تحجيم الحركة الإصلاحية فى إيران، وترأس أحد أهم مجالس الحكم هناك وهو مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما افتتح مكتباً فى النجف لتقوية النفوذ الإيرانى فى العراق بدعم على خامنئى شخصيا . أما الأقوى من كل ذلك فهو الزعيم الروحى لمعظم أعضاء حزب الله بمن فيهم حسن نصر الله زعيم الحزب فى لبنان. ويرأس شاهرودى حاليا رئاسة مجلس الخبراء الذى هو عبارة عن هيئة منتخبة من 86 شخصية من رجال الدين الشيعى ممن يعرف عنهم التقوى والعلم، ويضطلع المجلس بالإشراف على أداء المرشد الأعلى، لكن وظيفته الرئيسية هى اختيار خليفة له بعد وفاته. بالطبع لا يمكن نسيان دور مؤسسة الحرس الثورى التى تعد من أهم مواقع القوة فى إيران وكذلك المؤسسة الدينية التى تعد القوة الثالثة من حيث التأثير والانتشار، فضلا عن أصحاب المصالح الاقتصادية كأحد مصادر القوة والضغط والتى يحرص المسئولون فى إيران على رعاية مصالحهم وعدم الاصطدام بهم، نظراً لفاعليتهم وقدرتهم على التأثير على الصعيد الشعبى والسياسى. خلاصة ما سبق أن تعيين المرشد فى إيران سيشهد ضغوطا لاختيار مرشح يحظى بدعم أكثر من مؤسسة، إذ يتطلب الاختيار معرفة متغيرات المصالح الإيرانية إقليمياً ودولياً. ولعل كل ذلك يكشف عن مدى القلق الذى يمكن أن يستشعره المجتمع الدولى حيال إيران خاصة فى نفس اللحظة التى تدعو فيها للعب دور مركزى فى المعركة ضد الدولة الإسلامية فى كل من سورياوالعراق. ويظل السؤال قائما يبحث عن إجابة بلا جدوى، وهو: من الذى سيخلف المرشد الأعلى آية الله على خامنئى؟.