فرض الغموض نفسه على الساحة السياسية المصرية، بفعل تضارب القرارات، وتعدد الرؤى والاقتراحات، وتداخل الاختصاصات وتعارض المصالح، حتى بات الحديث عن المستقبل، أمرا يحيط به الغموض من كل جانب، وينذر بما لا يرضاه أو يتمناه أى مصرى محب لبلده، عاش ثورتها وانتظر أن يعيش على أرضها حالة التغيير إلى الأفضل، لكن الواقع خالف الآمال حتى الآن، ولا يوجد ما يوحى بأن ما يحدث على الأرض يمكن أن يمضى بنا خطوة نحو بر الأمان الذى ننشده. والغموض الذى يفرض نفسه على الساحة السياسية ليس مجرد رأى شخصى، وإنما هو شعور عام ينتاب الكثيرين من أهل مصر، الذين نراهم ونتحاور معهم، وهو ذات الشعور الذى عبر عنه أكثر من سياسى أو مرشح رئاسى، كما هى حال خيرت الشاطر مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة، والذى ينتظر حكم القضاء فى أحقيته من عدمه فى الترشح، فالرجل يرى الوضع غامضا ويتساءل هل ستتم كتابة دستور أم لا؟ وهل ستقام انتخابات رئاسية أم لا؟ وهل ستكون هناك حكومة تعبر عن الأغلبية أم لا؟ تلك هى تساؤلات الشاطر التى سبقها بتأكيد أن الغموض يسيطر على الموقف ولو حاولنا البحث عن إجابات لأسئلة الشاطر، فسنجد أننا ندور فى حلقة مفرغة، فكتابة الدستور تعطلت بل وتجمدت لحين إشعار آخر بعد حكم المحكمة الدستورية، ولأن القوى الثورية والأحزاب السياسية المدنية القديمة منها والحديثة ترفض احتكار الأغلبية للجمعية التأسيسية للدستور، وتصر على أن يكون تشكيل اللجنة من خارج البرلمان بغرفتيه - الشعب والشورى - أو أن يكون التمثيل لكل أطياف الشارع السياسى المصرى موجوداً ومتوازنا بحيث لا تطغى فئة أو جماعة أو حزب على الآخرين، ويبدو أن الحزبين، صاحبى الأغلبية فى البرلمان وأعنى الحرية والعدالة والنور، وجدا نفسهما فى مفترق طرق، وأمام أزمة لا يحسدان عليها، فما كان منهما إلا أن قبلا بالحكم رغم التصريحات التى تنوعت ما بين الغضب والرفض للعودة لنقطة الصفر، كما عبر النور، لكنهما أبديا مرونة فى إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية، تجعلنا نتساءل: ولماذا لم تكن هذه المرونة موجودة من البداية بدلا من العناد الذى أوصلنا إلى مرحلة التجميد، ثم البدء من جديد؟ ويأتى السؤال الثانى عن إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية فى ضوء التحركات البرلمانية التى أسفرت عن تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية من أجل عزل رموز النظام السابق من الترشح على مقعد الرئاسة، وهو أمر تأخر فيه البرلمان إلى حد بدا معه أنه نسيه أو تناساه، فلما أُعلن عن ترشح عمر سليمان، تذكره وسعى للحيلولة دون ترشحه، والغريب أن البرلمان لم يتذكر قانون العزل عندما ترشح أحمد شفيق، وهو أمر أعلن منذ فترة طويلة، لكن يبدو أن شفيق لم يكن يقلق مرشح الإخوان، مثلما أقلقهم ترشيح سليمان، ما وضع علامات استفهام عديدة حول الأداء البرلمانى لمجلس الشعب بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انتخابه وبدء مهام عمله فى التشريع والرقابة، إذ لم يتمكن مجلس الشعب من حسم أمر واحد حتى الآن رغم عشرات الموضوعات والقضايا التى ناقشها وانبرى أعضاؤه فى الحديث عنها بغض النظر عن خبراتهم ورغم أن القانون أو التعديل الذى أقره البرلمان حق أصيل له، فإن كل الشواهد تؤكد أن ما جرى وما أعقبه من سجال قانونى بلغ حد الجدل بين الطرفين المؤيد والمعارض، أعادنا إلى مرحلة الغموض، والتى لا يمكن معها التكهن بما ستسفر عنه هذه المعركة القانونية، حيث تشير المؤشرات إلى رفض القانون ليس من المجلس العسكرى الذى سيبعد نفسه عن هذا الصراع ويحيل القانون إلى المحكمة الدستورية لتقول كلمتها التى يتوقعها الخبراء القانونيون بالرفض، لكن ما ينبغى التوقف عنده، أن كل القضايا فى مصر بعد الثورة تشهد الشىء ونقيضه فى آن واحد، وكل فريق يدافع عن رأيه باستماتة مدعيا أنه يستمد حججه من القانون، وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ، فيما يرى رأى منافسيه دائما خطأ لا يحتمل الصواب وكأنه امتلك وحده الحقيقة وأوتى الحكمة، ونحن تائهون حائرون لا نعرف على أى شاطئ يمكن أن ترسو سفينة الوطن التى تتعرض لرياح عاتية، وهى تمخر عباب البحر الهائج. وبعيدا عن صراع البرلمان وسليمان الذى أعلن إزاءه المجلس العسكرى أنه ليس طرفا فيه ولا دخل له فى الجدل السياسى الدائر وأنه لا يدعم أياً من المرشحين، تزداد حيرتنا أمام قضية حازم أبو إسماعيل التى ورغم صدور حكم قضائى، اختلف الكثيرون حول تفسيره، ولا نعرف لماذا يغيب الحسم فى مثل هذه القضايا؟ ولماذا نترك هواة التنظير السياسى والقانونيين يتلاعبون بأفكارنا ويزيدون من حيرتنا وخوفنا على مستقبل بلدنا الذى ينزف كل يوم بفعل اقتراب الاحتياطى النقدى من النفاد، وتهالك الاقتصاد وتوقف عجلة الإنتاج بفعل الاعتصامات والتظاهرات، كل ما نريده الآن من جميع الفرقاء فى الساحة السياسية أن يسمو كل منهم على خلافاته ومصالحه، ويفضل مصلحة الوطن ويرفع رايته حتى نخرج من مرحلة الغموض إلى مستقبل أكثر إشراقا وازدهاراً يليق بمصرنا الحبيبة قبل فوات الأوان. والرأى عندى أن نحتكم إلى قضائنا الشامخ الذى نباهى به ونفاخر ونراه الحصن الحصين لحماية الوطن من العابثين بمقدراته، فنعرض عليه كل الأمور الشائكة، على أن نلتزم جميعا بما يقرره القضاء ويحسمه القانون والدستور الذى هو فوق الجميع، لنسدل الستار على هذا السجال الذى لا طائل من ورائه سوى استمرار الغموض الذى يبدد كل أمل نرجوه لمستقبل أفضل يترجم التضحيات التى قدمها الشعب من أجل الغد الأفضل.