⢴ حوار – عزمى عبد الوهاب كان السؤال الأسوأ فى هذا الحوار هو: هل تشعر بأنك ظُلمت بسبب اسمك يا مايكل؟ بما يحمله السؤال من مضامين طائفية، ينبغى أن ننأى بأنفسنا عنها، لكنها المواضعات السياسية، التى قادتنا إليها جماعات مفتونة ومروجة للفتنة، فالقصيدة تحمل نفسها إلى قارئ، لا يعنيه منها سوى ما تقدمه من حمولات جمالية وفنية تمس روحه، هكذا يجب أن يكون الأمر، وهكذا كانت إجابة الشاعر «مايكل عادل» عن السؤال جسرا للبهجة والتفاؤل بغد أفضل، ووطن يعترف بالتنوع، وجيل مختلف تدور صراعاته حول القيمة، بعيدا عن حسابات خارج الفكرة والقصيدة. «مايكل عادل» برهان ساطع على امتداد سلسال قصيدة العامية المصرية، التى بدأت – ربما – قبل أن يولد بيرم التونسى، لكنها خرجت رويدا من وضعها فى إطار الأزجال والنقد الاجتماعي، لتفتح آفاقا أرحب، بالانفتاح على مختلف الفنون والأفكار، لذلك ليس غريبا أن يمارس «مايكل عادل» المتخرج فى كلية العلاج الطبيعى، الكتابة المسرحية والصحفية، ويكتب الأغنية، وينفتح على الثقافة الأجنبية، ويكتب القصيدة طبقا لمفهومه هو عنها، ويتبنى مشروعا لإعادة الشعر إلى شكله الأول كفن سماعى. إنه حفيد يونس القاضى وبيرم التونسى وبديع خيرى وصلاح جاهين وسيد حجاب وفؤاد حداد ومجدى نجيب والأبنودى ونجم، وكان واعيا للفروقات الجوهرية بين هذه الأصوات، عارفا بمناطق التمايز بين قصيدة هذا وذاك، هل نقول إن الأسد مجموعة خراف مهضومة؟ نعم يقف «مايكل عادل» على ميراث طويل من قصيدة العامية، وفى هذا مكمن الصعوبة والخطر: أن يتخلص من هذا الإرث، وهو يكتب قصيدته، التى تضعه ضمن هذا الطابور من الشعراء الذين أضافوا إلى الشعر. ينتمى «مايكل عادل» إلى نسق جديد فى الثقافة المصرية، يصنع حراكا فى الشارع، ويعيد القارئ إلى الكتاب، بعد سنوات من القطيعة بين الجمهور وفنون القول، كانت الكتابة مجرد تهويمات غامضة، لا تعنى القارئ من قريب أو بعيد، هنا قصيدة «مايكل عادل» مكتوبة من القارئ وإلى القارئ، الذى تلقفها بمحبة من يبحث عن شيء ضائع، هذا ما يمكن أن تلمسه من خلال أرقام توزيع دواوينه: «ورقة وقلم» و«س 28» و«نظر» ومن خلال المهرجانات المصرية والعربية التى يشارك فيها، أو من خلال الأغانى التى كتبها لدينا الوديدى ومحمد محسن، هنا يتخلق جمهور جديد حول صوت جديد وكلمة جديدة. .. وهنا حوار مع الشاعر «مايكل عادل» فإلى التفاصيل. ** إذا توقفنا عند البدايات فكيف كانت؟ كانت البداية عن طريق قراءة أعمال نزار قبانى ومحمود درويش، إلى أن اصطدمت بقصيدة العامية المصرية، عبر روادها الأوائل، اكتشفت أنها الأقرب إلى روحى وحالتى المزاجية، بعد عدة تجارب فى الكتابة بالفصحى، اكتشفت بعد هذه المرحلة من القراءات المختلفة والمتنوعة فى مجالات عدة، أن التمكن من قصيدة العامية أقرب إلى التعامل اليومى فى الحياة بالنسبة لى كإنسان، لأن قصيدة العامية تحقق لى المعادلة المتوازنة بين البساطة والبعد عن الابتذال. منذ تلك اللحظة الفارقة عكفت على قراءة قصائد مجدى نجيب، خصوصا فى ديوانه «صهد الشتا»، ومنه اتجهت إلى الأبنودى ونجم، كان مجدى نجيب دليلى إلى هذين الشاعرين وغيرهما، لكن لقائى بالشاعر سيد حجاب يمثل نقلة نوعية أخرى، ففى تلك الفترة كنت أكتب القصيدة وتظل حبيسة الأدراج، فلم أكن أعتبر أن ما أكتبه شعرا، وتجرأت على الاقتراب من سيد حجاب، وكأننى كنت أكلم نفسي، حين قلت له إن لدى محاولات شعرية، وعندما قرأ فاجأنى برأيه: «إن ما تكتبه فيه إضافات إلى شعر العامية» وأهدانى نصيحته الذهبية: «عندما تقرأ فى مجالات المعرفة المختلفة، بعيدا عن الشعر، ستكتب بشكل أفضل». ** وهل امتثلت لهذه النصائح وابتعدت عن قراءة الشعر فعلا؟ نفذت نصائح الشاعر سيد حجاب بالحرف، وأنا بطبعى «طالب دحيح» قرأت أعمالا مختلفة بلغات أخرى، فى الفلسفة والمسرح والرواية، فى كل الاتجاهات، وابتعدت عن قراءة الشعر. ** أكان يجب أن تلتزم بنصيحة حجاب بحذافيرها؟ حذرنى «حجاب» من الإفراط فى قراءة الشعر، خصوصا فى فترة التكوين، وأذكر أنه قال لى: «أنت متأثر ببناء القصيدة عند مجدى نجيب والأبنودي» إلى أن التقيت الشاعر أحمد فؤاد نجم، الذى استمع إلى قصيدتى «لو تفرحي» وأعجب بها، حتى إنه كتب مقالين عنى فى صحيفة «الوفد» كان له فضل كبير فى عبور مرحلة التأكيد أن ما أكتبه شعرا، وفيما بعد التقيت سيد حجاب ثانية، وكان كلامه معى مبهرا، قال لي: «أنت تطورت بشكل سريع واتخذت قصيدتك شكلها المكتمل» وما يبعث على الفرح أنه ختم كلامه معى قائلا: «أنت هتكون حاجة كويسة وتسيب علامة فى شعر العامية المصرية». ** لكننا لم نعرف الأسباب التى جعلتك تتقدم فى كتابة قصيدة العامية المصرية كخيار نهائي؟ اكتشفت أننى أفكر بالعامية وأترجم ذلك بالفصحى، أحسست أننى مبتذل، فالفصحى لها قداستها، وأرفض أن يعبث بها أحد، بمن فى ذلك أنا، حبى للغة العربية يتجلى فى عملى الصحفي، وعندما أقرأ بها تشدنى التراكيب اللغوية الثرية، من يقرأ نجيب محفوظ لا بد أن يقع فى غرام هذه اللغة، فقد جمع بين مزايا العامية وعبقرية الفصحى، وقد ساعده على حل معادلاته السردية المعقدة، بساطة اللغة لديه، وعبقريتها فى الوقت نفسه. ** على ذكر نجيب محفوظ.. كيف تنظر إلى الرواج غير العادى الذى تلقاه روايات لكتاب مثل علاء الأسوانى وأحمد مراد؟ هؤلاء يستخدمون عناصر من داخل العمل لتسويقه، علاء الأسوانى مثلا يستغل البعد الجنسى الجريء، للترويج لعمله، بينما يستغل أحمد مراد الصورة الذهنية للمجتمع، الذى يكتب عنه، فهو يكتب عن الأرستقراطية الحديثة، برجوازية ما بعد الانفتاح الاقتصادي، فى حين أن علاء الأسوانى شغوف فى كتاباته بالحنين، لما تبقى من الأرستقراطية القديمة، هذا واضح فى «عمارة يعقوبيان» و«نادى السيارات» الأسوانى يترجم الحياة الجنسية لزكى الدسوقى فى «عمارة يعقوبيان» وشذوذ حاتم رشيد، ولا يهدف من وراء ذلك إلى المعرفة والانفتاح على هذا الجانب الغامض لدى شخصياته، هو يريد فقط أن يظهره، حتى يضمن أن الرواية ستقرأ. أما أحمد مراد فهو نموذج منقح من الرواية التجارية، كما نراها لدى الأسوانى، مراد يعتمد على «الصورة الماركة» و«شياكة الكتاب نفسه» لأنه مصور فوتوغرافيا أساسا، يعرف كيف ينقل إلى المشاهد الصورة التى يحب أن يراها، «تحس إن رواية مراد محتاجة يتحط عليها شعار أديداس أو أى ماركة معروفة» وفى النهاية مثل هؤلاء الكتاب يحققون أعلى المبيعات، وكل مرحلة فيها ما يروج لدى القارئ، ولا بد أن نعرف لماذا يقرأ الناس مثل هذه الكتابات؟ ** لماذا غامرت بأن تترك عيادتك التى كنت تمارس فيها العلاج الطبيعى? هل يستحق الشعر أن تضحى باستقرارك المهنى والحياتى من أجله؟ رأيت أمامى حالة فشلت الجراحة فى إنقاذها، وكان العلاج الطبيعى هو المنقذ، ومنذ هذه اللحظة تبلور حلمى فى الالتحاق بكلية الطب، والتخصص فى مجال العلاج الطبيعي، وبمجرد التخرج فى العام 2008 مارست عملى فى عيادتى الخاصة وفى المستشفيات الحكومية، واستطعت أن أصنع حالة من التوازن بين عملى طبيبا، وبين الكتابة، إلى أن قامت الثورة، فشاركت فى المستشفى الميدانى بالتحرير، واكتسبت خبرة العمل تحت ضغط ظروف سيئة، كانت جديدة علي. فجأة انتابتنى حالة من الملل والاكتئاب، تركت العمل فى العيادة الخاصة لأحد الزملاء، واتجهت إلى العمل بالصحافة، إلى أن انتهت تلك المرحلة، كنت أترجم مراجعات الكتب من النيوزويك والتايم، حتى تعرفت إلى الصديق الراحل «هانى درويش» استفدت منه كثيرا، تعلمت كيف أقرا مقالا فى صحيفة أجنبية أو عربية، وجاءت الخطوة الأهم حين عملت معه فى أحد المواقع اللبنانية، ثم قامت ثورة 30 يونيو وفوجئت بتوجهات الموقع اللبنانى المعادية لما حدث فى 30 يونيو، فأرسلت إلى رئيس تحرير الموقع رسالة قلت فيها إننى لا يشرفنى العمل فى مكان لا يتسم بالحيادية، بل يدعم القتلة وأعداء الوطن، ومن المفارقات المدهشة أنه فى هذا اليوم الذى أنهيت فيه علاقتى بالموقع كان «هانى درويش» قد فارق الحياة، كانت لحظة فاجعة بالنسبة لي، ورفضت أن أقبض آخر راتب لى لدى الموقع اللبناني، لأننى لا أحب المال الملوث، وتركت العمل فى الموقع، وانتقلت إلى عدة أماكن إلى أن استقر بى المقام كاتبا فى صحيفة «الأخبار» اللبنانية. ** كثير من الأطباء أبدعوا فى مجالات الكتابة المختلفة كيف كان تأثير الطب عليك شعريا؟ تجربة العمل فى مستشفى حكومى كان لها تأثير كبير علي، فقد صقلت شخصيتى وزادتنى خبرات كبيرة، حين تعرفت إلى معاناة الطبقات الدنيا من المجتمع، وزرعت بداخلى توجهات يسارية، لم تكن مبنية على قراءات، كانت مبنية على خبرات معايشة يومية، وكان لها تأثير سياسى مباشر، كان الأنسب لى آنذاك هو كتابة الشعر عن الفقراء والمعاناة اليومية، التى كانت تتجسد أمامى فى كل لحظة. أحب أن أشير إلى الجوانب النفسية لدى طالب الطب، فهو الطالب المجتهد المهذب، ومع ذلك كان لدى استعداد أن أكون طالبا متوسط المستوى دراسيا، فى سبيل أن أبنى نفسى كإنسان، كان التناقض الحقيقى بين أن أكون دارسا لشيء منضبط، يتعلق بالحياة والموت، وفى الوقت نفسه أعيش حياتى العادية خارج أسوار المستشفى، هذه الفكرة كانت عاملا مؤثرا بدرجة كبيرة على حياتى أولا، ثم الكتابة ثانيا. ** ألم تخش على المبدع بداخلك من أن تستهلكه طاحونة العمل الصحفي؟ حذرنى كثيرون من مغبة العمل بالصحافة، لأنها تأكل المبدع، لكننى أومن بأن صاحب الموهبة يستطيع أن يكون صحفيا شاطرا، وفى النهاية لجأت إلى العمل بالصحافة، لأننى لا أريد أن أكون ترسا فى آلة، كما أن هناك جوانب لا أستطيع صياغتها شعرا، فتغنينى الصحافة عن ذلك. ** التقيت شعراء كبارا من منهم نستطيع أن نقول إنك تتلمذت على يديه أو كتاباته؟ أعتبر نفسى تلميذا للشيخ يونس القاضى وبيرم التونسى وبديع خيرى وفؤاد حداد وصلاح جاهين ونجم، أحاول أن أكون تلميذا لهؤلاء، حتى لا تنقطع سلسلة القصيدة العامية، خصوصا بعد موت نجم. ** وأين الأبنودى ومجدى نجيب من هذه السلسلة؟ «الأبنودى ما ينفعش يكون معلم» قصيدة الأبنودى لن تخرج منها بشيء أكثر مما تمنحه هى لك، مجرد عرض فلسفى لا يثير الذهن، بقدر ما يثير الشجن لديك، أستمتع بكتابة الأبنودي، لكننى لا أتتلمذ على قصيدته، فهو لا يمهد الطريق لمن يأتى بعده. ** لكن الأبنودى قدم أكثر من شاعر عامية فى ندوات خاصة بمعرض القاهرة للكتاب؟ نعم وأذكر أنه تحدث عن مصطفى إبراهيم، وكان مبهرا لى أن يتحدث عن شاعر لا يعرفه، ولا يكتب بطريقته، لكنه لم يقدم مصطفى كشاعر، كما فعل مع آخرين، مصطفى كان متحققا آنذاك، الأصوات التى قدمها الأبنودى تشبهه كثيرا، وأنا لا أرى أى داع لأن يكتب الشاعر على نهج آخر، أيا كانت قيمته وقامته. ** وماذا عن مجدى نجيب؟ أدركت أننى إذا تركت نفسى لتجربة مجدى نجيب، فإنه سيسرقنى من روحى ونفسي، وهذا ما لاحظه سيد حجاب حين قرأ بداياتى الشعرية، أعتقد أن مجدى نجيب لم يقرأ بشكل جيد حتى الآن. ** هل لديك موقف من قصيدة النثر المكتوبة بالعامية المصرية؟ ليست شعرا، قد تكون فيها معان جميلة، لكنها نص مصمت، أرى أنه يكسر هيبة اللغة، الأجدر بها أن تكتب بالفصحى، ولا داعى لها، خصوصا إذا كان من يكتبها يستطيع أن يكتب جملة موسيقية، هى باختصار إهدار للطاقة، قد تصلح لأن تكون خاطرة بالعامية، لكنها لم تطرح بديلا موسيقيا، وهدفها مخاطبة العقل، إنها لا تمنحنى شيئا، أنشغل به بعيدا عن الموسيقى الغائبة، لا يوجد لدى هذه القصيدة بديل وجداني. عندما قرر الشاعر أحمد رامى أن يترجم «رباعيات الخيام» إلى العربية، ترجمها فى قالب موزون، حتى يحافظ على الحالة التى جعلت منها شعرا، وبذلك أنقذ هذا العمل من أن تكون قراءته مقصورة على الأكاديميات، لقد وصلت ترجمة رامى للرباعيات إلى الوجدان، عن طريق ترجمتها شعرا، وعندما غنت أم كلثوم مقاطع منها كان الغناء عبقريا. ** من من الأصوات الشعرية الجديدة الذى تهتم بكتاباته؟ مصطفى إبراهيم، لأنه استطاع أن يحقق التوازن بين قصيدة تخاطب العقل والوجدان، قصيدته مبنية بإحكام، وربما يعود ذلك إلى أنه مهندس طيران، لذلك جاء البناء لديه محكما، اقتربت كثيرا من مصطفى، وأعرف أنه يمكن أن يرفض الاستمرار فى كتابة القصيدة، لأنه غير راض عن كلمة معينة، هو دؤوب فى اشتغاله على القصيدة، لأنها مشروع قائم بذاته، وتمثل كل قصيدة لديه مرحلة لا يعود إليها، لأنه عنده جديد مع كل قصيدة. هناك أسماء أخرى مثل أحمد الطحان، هو شاعر عبقرى فى رأيي، لكنه يرفض النشر، عن قناعة منه بأن الأدب أصبح سوقا، وتم تسليع كل شيء فيه، هناك أيضا أحمد عبد الحى، وقد أصدر ديوانه «السما غية حمام» لكنه ظلم فى التوزيع. ** غنى محمد محسن ودينا الوديدى قصائد لك هل هذا هو طموحك النهائى بالنسبة للغناء؟ أتمنى أن تغنى فيروز لي. ** وماذا عن المشروع الذى تتبناه بتحويل الشعر إلى فن سماعي؟ الشعر فن قائم بذاته وسماعى أيضا فى الأساس، قبل أن يكون مقروءا، وأنا أعمل على هذا المشروع من خلال فرقة موسيقية، تصاحب عملية الإلقاء، وقد تعلمت من مسرح الجامعة كيف ألقى قصيدتى بشكل غير كلاسيكي، أنا أومن بأن الديوان المطبوع لا بد أن يكون مصحوبا بديوان صوتي، وقد اتفقت مع إحدى شركات الإنتاج على إنجاز هذا المشروع. ** نأتى إلى السؤال الأصعب: هل ظلمك اسمك يا مايكل؟ عندما نشرت ديوانى الأول قال لى أحد الأصدقاء: «مفيش حد اسمه مايكل فى البلد دى هيبقى حاجة» فقررت أن أكون مايكل «وأبقى حاجة فى البلد دي» فى الواقع لم أصادف معوقات بسبب اسمي، لم يرفض أحد شيئا لى لأن اسمى مايكل، من الممكن أن تكون هناك فرص لم أستطع الحصول عليها، لأسباب لها علاقة بالتسويق، كان من الممكن أن أختار لى اسما محايدا فى البداية، بصرف النظر عن التوجهات الدينية، التى يعبر عنها، أنا أعيش فى زمن مختلف وجيل مختلف أيضا، جيلى يفكر خارج الصندوق، نختلف فى وجهات النظر بحدة شديدة، تصل على حد توجيه السباب، هذا اختلاف فكرى لا ديني، لكننى لم أواجه أى نوع من العنصرية كشاعر، حتى من القراء الذين ينتمون إلى التيارات الدينية، الاسم لا يمثل عائقا، لقد عملت مع لبنانيين وعرفت معنى الطائفية حتى بين المثقفين الكبار، على نحو لم أره فى مصر، رأيت آثار الحرب الأهلية اللبنانية على وجوه الناس وعلى الأماكن، التى كانت تحترق وتخرب على أساس الهوية الدينية، سواء كانت شيعية أم مارونية أم سنية، نحن «غلابة» فى طائفيتنا، هذا إذا كانت لدينا طائفية بالمعنى العميق، من يتابعنى شخص متسامح ومتصالح، ولا أريد أن يكون بين جمهورى شخص طائفى. 90% ممن يتابعوننى ليسوا مسيحيين، الإحباط يأتى من جانب المسيحى الذى يقول لي: «عمرك ما هتوصل لحاجة لأن اسمك مايكل». ** شاركت فى ثورتى يناير ويونيو.. هل تحولت قصيدتك إلى نوع من الشعار السياسى؟ لا توجد لدى كلمة ثورة فى القصائد، التى كتبتها فى عز الغليان الثورى، لأن هدفى أن يقرأ شعرى فى كل الأوقات، فالشعر ليس فنا وقتيا، أريد أن يقرأ قصيدتى من يتملكه الإحباط فيما بعد، فيجد فيها شيئا، وأنا لدى من أدوات الصنعة، ما يجعلنى أكتب قصيدة ثورية حارقة، تتيح لى شهرة عريضة، لكننى لا أريد أن أكون كذلك، لدى خوف مرضى من القصيدة السياسية السطحية. ** هل كان لمواقع التواصل الاجتماعى آثار تقنية على قصيدتك؟ هذه المواقع وفرت لى مساحة إعلامية وتسويقية بالمجان، وذلك بعيدا عن المنظومة السائدة، الجمهور هنا يقوم بدور الوسيط فى التسويق، فى ظل غياب هذه الآلية، من يتابعوننى على الفيس بوك يزيد عددهم على 60 ألفا، وهؤلاء يسوقون شغلي، قبل أن يصل إلى مكتبات البيع. ** لكن هذه المواقع صنعت من أسماء معينة شعراء دون أن تكون لديهم قيمة؟ نعم هناك ضليعون فى قواعد التسويق الإلكترونى، ومع ذلك لا يمتلكون الموهبة، لكن فرزا سيحدث فى النهاية، لمعرفة الجيد من الرديء. ** لم نتحدث عن فؤاد حداد. هو أكثر الناس المغروسة فى طينة العامية المصرية، ما يميز مصر أن النزعة الوطنية بها تصل إلى مراتب العشق الصوفي، وهذه ليست شوفونية، لم يكن فؤاد حداد - بأصوله اللبنانية - مضطرا لأن يكون مصريا، وقد ناضل وسجن من أجل هذا البلد، كثير من قصائد حداد تشعر حين تقرأها وكأنها كتبت اليوم.