تقرير إيمان عمر الفاروق الصين هى الحاضر الغائب فى الصراع الدائر الآن بالعراقوسوريا، فرغم وجود جُملة من المُعطيات السياسية التى تدفعها للانخراط بشكل أو بآخر فى هذا المجال الإقليمى فإنها تُفضل اتباع سياسة «النعامة» والحرص على أن تنأى بنفسها عنه، ولكن الأطراف الأخرى للصراع سواء الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تقود التحالف الدولى ضد تنظيم «داعش» أو الأخير، يحاول كل منهما جرها لأتون هذا الصراع، وأخيرا دخل تنظيم «القاعدة»على الخط الساخن للأزمة، وإذا كان موقف الصين واضحا ومفهوما فى إطار حسابات المكسب والخسارة، فإن ثمة مشاهد أخرى ذات صلة مازالت ضبابية كحقيقة انضمام مقاتلين صينيين إلى صفوف داعش؟ ومدى قدرة الصين كلاعب إقليمى على التأثير سياسيا و عسكريا ؟ ولماذا يهتم كل من القاعدة و داعش بالصين؟ وما أبعاد وحدود هذا الاهتمام؟ ولنبدأ بالتطور الأخير الذى تمثل فى تغيير بوصلة تنظيم القاعدة لتتجه صوب محيط الباسفيك وآسيا وبالتحديد الصين، حيث خصصت العدد الأول بالكامل من مجلتها الحديثة "ريسرجينس" عن آسيا وبالتركيز على الصين، فضلا عن عدد من التقارير عن أفغانستان وباكستان، إلى جانب مقالات متعمقة عن الهند وبنجلاديش، ويرى عدد من المحللين أنها مستوحاة من مجلّة "إنسباير" الإلكترونية الناطقة بالإنجليزية والصادرة عن تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، ويكمن الاختلاف بينهما فى أن "إنسباير" كانت تخاطب بالأساس جمهور الدول الغربية، بينما تخاطب "ريسرجينس"الجمهور الآسيوى. وهى خطوة رأى كثير من الخبراء أنها تأتى فى إطار الصراع بين القاعدة وداعش، فى ضوء اهتمام الأخير بالصين والذى تبدى فى تصريح زعيمه أبو بكر البغدادى يوليو الماضى والذى جاء به ما نصه»إن حقوق المسلمين بالصين، والهند وفلسطين يتم انتهاكها ليلا ونهارا «وذلك فى إشارة إلى القمع الذى تمارسه الحكومة الصينية ضد أقلية الإيغور المسلمة بإقليم جيانج. تنظيم القاعدة ركز هو الآخر على إقليم «جينجانج» حيث أفرد مقالاً كاملا بالعدد الأول من مجلته سالفة الذكر بعنوان»10 حقائق غائبة عن تركستان" استعرض من خلاله محاولات الصين تغيير الطابع الإسلامى للإقليم ومحو إرثه التاريخي، وتبنى ممارسات قمعية بحق سكانه المسلمين من أقلية الإيغور،كتوقيع عقوبة تصل إلى السجن 10 سنوات لمن يقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وحرمانهم من صوم شهر رمضان، وتغريم السيدات اللاتى يرتدين الحجاب غرامة كبيرة توازى خمسة أضعاف الدخل السنوى للإقليم ككل!.وفى عام 1949قام الحزب الشيوعى الصينى بقتل 4,5 مليون مسلم. وانتقل المقال إلى الآثار السلبية التى نجمت عن التجارب النووية التى أجرتها الصين والتى بلغت ما لا يقل عن 35 تجربة نووية بالإقليم تسببت الإشعاعات المنبعثة منها فى وفاة 200,000 مسلم، فضلا عن ولادة نحو 20.000 طفل يعانون من التشوهات الخلقية بعام 1998. وتمثل أقلية الإيغور المسلمة نقطة مفصلية فى الصراع ضد داعش فقد دأبت وسائل الإعلام الغربية على الترويج لشائعة أن المقاتلين الصينيين بصفوف داعش من ينتمون لتلك الأقلية وهو نوع من التشويه للحقائق، وفق ما كشفته أخيرا دراسة لمعهد "جايمس تاون" قامت بتفنيد تصريحات السفير لو سكى - مبعوث الصين للشرق الأوسط- التى أشارت إلى أن هؤلاء المقاتلين من أقلية الإيغور، ولكن تبين من فحص عدد من لقطات الفيديو والصور الفوتوغرافية، ومراجعة بيانات هؤلاء المقاتلين أن هناك عددا آخر ممن ينحدرون من عرقية "الهان"يقاتلون فى صفوف داعش بالعراق و"الجيش السورى الحُر" بسوريا. وقومية الهان هى إحدى القوميات التى يتكون منها الشعب الصينى وتمثل نحو 92 % منه، وفى الصين بقيت قومية الهان هى القومية الغالبة برغم انتقال البلاد من الإمبراطورية إلى العهد الاشتراكي، فكل من الأباطرة وقادة الحزب الشيوعى وقواعده الشعبية من قومية الهان، فالهان هم الجماعة الإثنية الرئيسية التى تسكن الصين، حيث استمر حكم الهان لأكثر من 400 سنة، وعملت الحكومة الصينية أخيرا على توطين العديد من ذوى أصول قومية الهان فى إقليم شينجيانج أى المستعمرة الجديدة أو دولة تركستان الشرقية والذى تمثل مساحتها نحو سدس مساحة الصين لتتغير الطبيعة الديموجرافية للمنطقة، حيث غيرت نسبة المسلمين فيها من 90 % إلى 50 % بقصد طمس الصبغة الإسلامية عن الإقليم . دراسة معهد"جيمس تاون"رصدت عددا من الحقائق لعل أهمها أن الأعمال القتالية ليست هى المجال الوحيد الذى يستقطبهم، ولكن المفاجأة أن أغلبهم مغامرون أو معارضون، يرون فى ذلك طريقة خاصة للتعبير عن احتجاجهم على دعم الحكومة الصينية لنظام بشار الأسد، وهكذا فإن الدافع الأساسى وراء انضمامهم لصفوف داعش أو الجيش السورى الحر دافع سياسى محض. واستشهدت الدراسة بعدد من الفيديوهات التى يظهر من خلالها هؤلاء وهم يرددون الهتافات التى تنادى بالديمقراطية والحرية والمنددة بسياسات الحكومة الصينية إزاء أقلية الإيغور، وكان أبرز ما اعتمدت عليه الدراسة صورا للنحات الصينى الشهير "شن" المعروف بأعماله الناقدة للسياسيين، خصوصا الرئيس الأمريكى باراك أوباما مرتديا "تى شيرت"يحمل صورة تمثال الحرية وهو ما كان بمثابة أيقونة احتجاجات عام 1989 بالصين حينما كان شن طالبا بالجامعة. وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يبلغ نحو 100 مقاتل، ويبدو هذا العدد كبيرا مقارنة بعدد المقاتلين من الدول الآسيوية الأخرى فمثلاً يبلغ عدد المقاتلين من إندونيسيا، وماليزيا والفلبين مجتمعين أكثر من 125مليونا كازخستان، قيرغستان، طاجكيستان وأوزباكستان معا أكثر من 400 مقاتل. وإزاء كل تلك التطورات فضلت الصين الالتزام بسياسة عدم التدخل الخارجي، حيث كان أقصى ما قامت به هو إجلاء نحو 10.000صينى ممن يعملون بالعراق .ولكن مجلة "فورين بواسي" كشفت عن تطور لافت للنظر فى الموقف الصينى بصدد التحالف الدولى ضد داعش وإن لم يرق إلى المشاركة لكنه اكتفى بالمباركة فيما يُعد نوعا من الخيانة لمواقف سابقة للصين لطالما عارضت التدخل الغربى فى الصراعات الخارجية مثل فرض الولاياتالمتحدةالأمريكية عقوبات على السودان، وسوريا وإيران كما عارضت بقوة فكرة تدخل الولاياتالمتحدة فى سوريا، ورفضت فى 2011 دعم عمل عسكرى فى ليبيا (وإنْ كانت قد امتنعت عن التصويت فى مجلس الأمن على ترخيص للضربات الجوية). وبناء عليه، فعندما اتصلت صحيفة "تشينا ديلي" المملوكة للدولة بوزارة الشئون الخارجية الصينية، فى وقت سابق من هذا الشهر، من أجل معرفة تعليقها على ترخيص أوباما لضربات جوية فى العراق، فأغلب الظن أنها كانت تتوقع تنديداً قوياً بالإمبريالية الأمريكية، ولكنها حصلت على شيء مختلف، حيث قالت الصحيفة نقلاً عن تصريح لوزارة الخارجية:"إن الصين تدعم الحفاظ على سيادة واستقلال وسلامة أراضى العراق، وجهود محاربة الإرهاب، وتتبنى موقفا متفهما بشأن العمليات التى تحافظ على الأمن والاستقرار فى العراق". فعلى ما يبدو دائما ما تتلاقى المصالح الصينيةالأمريكيةبالعراق عند نقطة معينة حيث صرح مبعوث الصين إلى الشرق الأوسط فى 29 يوليو الماضى عن زيارته إلى العراق ولقائه رئيس الوزراء العراقى آنذاك نورى المالكى قائلا:"إننا ندعم الجهود الدولية لدحر داعش فهذا من شأنه أن يعود بالنفع على العالم أجمع والصين، بالطبع لكن بكين تحترم سيادة العراق على أراضيه". ذات المعنى يؤكده الباحثون بالصين، مثل وانج شونج - بمركز شارهار ببكين للدبلوماسية والسياسات العامة - بل و يذهب أبعد من هذا داعيا إلى إرسال قوات عسكرية للقتال ضد داعش. أما زو ويلى – مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاى للدراسات الدولية - فقد قال لصحيفة "جلوبال تايمز" الرسمية المملوكة للدولة إن الصين تعتقد أن تحرك دولى يجب أن يكون تحت مظلة ألأمم المتحدة لتوفير غطاء شرعي، وأنها إذا ما توافر هذا الشرط يمكن للصين المشاركة فى إطاره، ولكنها أبدا لن تتورط فى الشرق الأوسط مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو كما تريد أمريكا لها ذلك". المحاولات والدعوات الأمريكية لتخلى الصين عن حيادها العملى تراهن على أن خوف بكين على مصالحها واستثماراتها بمجال الطاقة بالعراق، فضلا عن أن 10 % من وارداتها من النفط مصدرها العراق، سوف يدفعها إن عاجلا أو آجلا لتبديل سياساتها. ينظر كل من الكاتب الكبير توماس فريدمان، والفرنسى تيرى مايسان لما يجرى بالمشرق العربى بوصفه محاولة أمريكية لمنع الصين من النفاذ إلى موارد الطاقة بالمنطقة.