وفاء فراج تلوث نهر النيل والتغيرات المناخية والتنمية المستدامة والمخلفات الصلبة وتلوث الهواء والتصحر، جميعها قضايا تؤثر على المواطن بشكل مباشر وفى كل شئون حياته، تلك القضايا المهمة وأكثر منها هى الشغل الشاغل لوزارة الدولة لشئون البيئة، حيث إن عملها يتلخص فى حل تلك المشاكل وتوفير بيئة نظيفة وآمنة وصحية للمواطن المصرى، ولا تعتقد أيها القارئ أن تلك المهمة بالسهلة أوالهينة، على الإطلاق، حيث تواجه الوزارة تحديات على جميع المستويات بداية من عدم وعى المواطن إلى الإمكانات المادية شبه المنعدمة، إضافة إلى عدم وجود إرادة سياسية أحيانا فى السنوات السابقة، والأهم التحديات الطبيعية التى تواجهها، وهناك مقولة شهيرة تلخص أهمية البيئة لحياة الإنسان تقول (دلنى على ما هو ليس بيئة)، لذلك قررنا أن ندخل فى عقر دار وزارة البيئة ونتعرف من وزير البيئة الدكتور خالد فهمى، والذى كانت له مواقف حاسمة وصادمة فى مجال البيئة، حيث شخص أهم القضايا التى تواجه الوزارة وفرص الاستثمار المتاحة فى مجال البيئة، وكيف ستواجه البيئة مشروع قناة السويس الجديد؟ وكيف تحافظ على الأصول الجينية للأجيال المقبلة؟ وقضايا أخرى مهمة نقرأها من خلال حوار «الأهرام العربى» معه فى السطور التالية: هل تمت دراسة الآثار البيئية التى قد تنجم بسبب مشروع قناة السويس الجديد؟ وهل من الممكن اتخاذ موقف إذا وجد أن آثاره خطر على البيئة؟ مشروع قناة السويس بشكل خاص كنا ننتظر أن نعرف الشركة التى ستقوم بعمله لكى نطالبها بدراسة بيئية كاملة متكاملة ودراسة للتقييم البيئى للمشروع وليس على يد خبراء مصريين بل من قبل خبراء أجانب ليكونوا محايدين، ولأنهم أكثر خبرة فى مثل تلك الدراسات، ولو رجعنا إلى الشروط التى كانت معلنة وموجودة فى كراسة المواصفات سنجد أن هناك شرطا أساسيا لإعداد دراسة تقييم بيئية إستراتيجية لكل المشروع، ثم دراسة لكل مشروع داخل المشروع، وكان مطلوبا أن يقوم بها فريق أجنبى، ولقد طلبت عقد اجتماع موسع مع تلك الشركة المنفذة ومع الفريق مميش، رئيس هيئة قناة السويس لكى نضع الاشتراطات البيئية المناسبة لهذا المشروع والبيئة المحيطة. كيف ستحمى الوزارة البيئة بجوار مشروع القناة؟ وماذا إذا تعارض المشروع مع محمية طبيعية موجودة هناك؟ ليس هناك محميات سوى محمية آشتون الجميل، وهى بعيدة عن مسار ومخطط القناة،لكن هناك مساحة من حرم المحمية قد يدخل جزء منه فى نطاق المشروع، وهو أمر طبيعى يمكن أن يحدث فى أى مشروع، لذلك نتوسع فى حرم المحميات لحمايتها من الانتهاك، وقد نحاول أن نغير من مسار القناة إذا تعارض مع المحمية ووجدنا أنه يسبب خطرا على وجودها . هناك دراسات قديمة أكدت أن زيادة تعميق قناة السويس ستؤثر بالسلب على البيئة المحيطة، فما الحال مع حفر قناة جديدة؟ ليس شرطا أن تكون مخاطر القناة الجديدة بنفس خطورة القناة القديمة، بالإضافة إلى أن الدراسات البيئية مازال عليها خلاف وتباين شديد بين العلماء والخبراء وبعضهم بعضا، وفى تلك الحالة ومع التباين نعمل تقدير مخاطر، ونستشير الجهات الدولية لكل البدائل ونختار أقل المخاطر، خصوصا أن الدراسات فيها جزء كبير من عدم اليقين بسب التغييرات البيئية والطبيعية المفاجئة، وفى قناة السويس لم نواجهه إلى الآن أيا من ذلك التباين والجدل العلميين.. وسنضع مخططا زمنيا لتقيم المخاطر البيئية سريعا . ما مجهودات وزارة البيئة فى حماية الأصول الوراثية النباتية والحيوانية خصوصا أن لديكم إدارة التنوع الحيوى؟ نقوم بعمل مشروع كبير لتوثيق لكل الأنواع الوراثية النباتية والحيوانية الموجودة فى مصر، لدرجة أننا اكتشفنا أنواعا لم تكن مسجلة فى العالم من خلال ذلك التوثيق، ونعمل الآن إستراتيجية المحافظة على التنوع البيولوجى، وهذه نعملها التزاما بالمواثيق الدولية مع وزارة الزراعة والتخطيط والمالية، كما نخطط لعمل بنوك للجينات لحفظ كل ما هو حى ويؤثر على البيئة كما نقوم بعمل ما يسمى الإكثار فى الأسر لأى حيوان أو نبات يقرب على الانقراض، حيث نهيئ له الظروف المناسبة للتكاثر حتى يزداد نسله ثم نطلق تلك الأجيال فى الطبيعة، كما نحاول أن نحد من عمليات الصيد ونتحكم فى مشروعات التنمية التى يمكن أن تقضى على أنواع معينة من النبات أو الحيوان، لذلك نحافظ على الأنواع الأصيلة من البذور والجينات حتى نحمى ونؤصل هذا النبات بعد أن هجن كل شىء ليصبح ميراثا للأحفاد ويكون لهم الحق فى الحفاظ على هذا التراث . ما أهم القضايا البيئية التى تهتم بها الوزارة فى الوقت الحالى؟ القضايا التى تتصدى لها وزارة البيئة عديدة على رأسها قضية نهر النيل، حيث تتصدى لأى مخلفات على نهر النيل أى كان شكل تلك المخلفات، إذا كان بالتعدى أو بالتلوث أو بالمزراع السمكية، وبالتالى أكثر من وزارة تعمل فى هذا الشأن، وهما وزارة الرى والإسكان والزراعة والداخلية والبيئة والتموين والمحافظة المعنية، وقد تم الاتفاق على خطة عمل تتولى فيها وزارة الرى قيادة هذه الخطة.. دور وزارة البيئة فيها التصدى للتلوث من الصرف الصحى والصرف الصناعى والزراعى، حيث إن نهر النيل تصب فيه اكثر من 15 مليار من مياه صرف سنويا 90 % من حجم تلك المياه تأتى من الصرف الزراعى يليه الصرف الصحى ثم الصرف الصناعى والذى لا يتعدى نصف المائة. هل يمكن للوزارة أن تفرض عقوبات أو تتخذ إجراءات تجاه مصادر تلوث النيل؟ نضطر أحيانا إلى إغلاق محطات تنقية مياه غير مطابقة للشروط الصحية والمنشآت التى تصرف ملوثاتها على نهر النيل، ولكن هذا يحدث بعد أن تكون الوزارة قامت بتحذير تلك الجهة أكثر من مرة وأحيانا يكون هناك غلق للمنشأة مع دفع غرامة مالية مقترن بعقوبة الحبس. وحتى تكون قرارات وإجراءات الوزارة صارمة ننسق مع وزارة الرى من أجل تغيير وإضافة بعض مواد فى قوانين البيئة لتغليظ العقوبة على المخالفين ومواد تزيد من قدرتنا على الإلزام . وماذا عن المخلفات الصلبة هل هى أهم القضايا المطروحة فى جدول أعمال الوزارة ؟ المخلفات الصلبة من المشاكل المهمة جدا التى تهتم الوزارة بحلها، حيث يوجد 70 مليون طن مخلفات صلبة منها 30 مليون طن مخلفات زراعية ومن 20 إلى 22 مليون طن مخلفات القمامة، وبحسب التشكيل الوزارى الجديد تم التنسيق مع وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات التى أصبحت مسئولة عن قضية المخلفات المنزلية والبلدية ومخلفات الهدم والبناء ونحن أصبحنا مسئولين عن المخلفات الزراعية والصناعية والإلكترونية والطبية والمخلفات الخطرة بكل أشكالها. المخلفات الزراعية أزمة فى جسد الوطن وتتفاقم سنويا مع موسم قش الأرز .. ما مخطط الدولة للقضاء على تلك الأزمة؟ الوزارة تتبنى مشروعا مع الصندوق الاجتماعى للتنمية من أجل عمل مشاريع جمع وكبس وتكسير واعادة تدوير المخلفات الزراعة للمستثمرين الشباب لبيعها مع شركات الاسمدة والصناعات البتروكيماويات حب الاتفاقات التى عقدتها وزارة البيئة مع تلك الشركات، وسنعلن عن تلك المبادرة فى وسائل الإعلام قريبا، وسنقوم بتوفير المكابس والأفران للشباب وهم عليهم تأجير أو توفير الأرض وجمع المخلفات، ولنساعد الشباب والمستثمرين نقوم حاليا فى الوزارة بالتعاون مع «صندوق الأممالمتحدة الإنمائى» بعمل إحصاء لحجم ونوع المخلفات الزراعية فى مصر وأماكنها ونسبة الرطوبة فيها لكى نحدد اتجاه تصنيعها ولدينا تجربة نرصدها فى قرية «القط» فى محافظة القليوبية والتجربة أثبتت نجاح وتوسع واستمرارية، وأبشر المجتمع أنه فى موسم قش الأرز العام المقبل لن تكون هناك مشكلة خاصة مع تعميم التجربة على مستوى الجمهورية، كما تدرس الوزارة أيضا مشروع الأرز لاستخدامها للصناعات الخشبية، وذلك بالتنسيق مع اتحاد المستثمرين المصريين والذين سيخصصون أرضاً تابعة للوزارة لتكون لدينا لأول مرة فى الشرق الأوسط منطقة صناعية كاملة لتدوير المخلفات فى مصر ويكون تابع لها مدافن امنة لباقى المخلفات. كنت من أكثر ممن دافعوا عن استخدام الفحم كطاقة، هل مازلت مصراً أنه الأفضل الآن لمصر؟ ولماذا لم يتم العمل به إلى الآن ؟ لم يكن قرار استخدام الفحم قرارى وحدى، فهو قرار مجلس الوزراء بالإجماع، وفيما يتعلق بتلك القضية هناك آراء مختلفة ومتباينة جدا حول استخدامه سواء فى مصر أو العالم كله، ففى ألمانيا أكبر الدول المستخدمة الفحم مازال هناك يوجد هذا الجدل بين الخبراء، وأرى أنها ظاهرة صحية أن تكون هناك عدة آراء فى هذا الأمر، لكن تقدير الموقف كله من الناحية الاقتصادية والموارد والناحية البيئية يتم فى مجلس الوزراء ووزير الصحة بنفسه أعلن أن استخدام التكنولوجيات الحديثة فى حرق الفحم ليست له خطورة على صحة الإنسان، أما فيما يتعلق بالتأخر فى استخدامه، أؤكد أننا لسنا متأخرين فى وضع الضوابط البيئية لاستخدام الفحم فى صناعة الإسمنت، حيث اتفقنا مع وزارة البترول أن نكتفى باستخدام الفحم فى توليد الطاقة لتلك الصناعة الأخيرة فقط، وحاليا نقوم بوضع الضوابط البيئية لتشغيل هذه المصانع، لكن من خلال دراسة أرض الواقع، خصوصا أن شركات الإسمنت فى مصر وهى 42 خط إنتاج ب 24 شركة مختلفة الظروف تماما، كل على حدة له مواصفاته وتتباين أماكن وجوده وتختلف إمكاناته المادية، ولكى نضع المسودة لتلك الضوابط نجلس مع كل الأطراف لنضع الشروط التى تتناسب مع كل مصنع، ولقد انتهينا من المعالم الرئيسية للضوابط وسنجتمع قريبا لإعلانها لعمل حوار مجتمعى حولها، وقد صدرت الموافقة ل 12 شركة إسمنت للبدء فى استخدام الفحم لتوليد الطاقة، وكل سيبدأ على حسب إمكاناته وتجهيز الأفران اللازمة لهذا الغرض، لكن قبل نهاية العام ستعمل أكثر من شركة فى هذا المجال. خاصة أننا لم نفرض عليهم خططا زمنية ولكن لزاما عليهم تقديم تقرير بحجم احتياجاتهم من الفحم وحجم المخلفات الناتجة منه، وأؤكد للمجتمع أننا لن نعطى تصريح لتداول واستيراد الفحم إلا لشركات الإسمنت نفسها وليست شركات استيراد حتى نستطيع أن نتحكم فى كمية الإسمنت التى ستدخل البلد ولا يترك الأمر للتجار، فيتم إغراق البلد بالفحم، ومن المتوقع أن يدخل مصر سنويا من 5 إلى 6 ملايين طن لصناعة الإسمنت. وهل الفحم هو البديل لحل أزمة الطاقة والكهرباء التى تعانى منها الدولة الآن ؟ إن استخدام الفحم فى توليد الكهرباء يحتاج إلى خطوات طويلة ومعقدة أولاها أن تكون لدينا خريطة طاقة فى كل مصر والخطط المستقبلية لاستخدام الطاقة، ولابد أن تعمل هذه الإستراتيجية والتى تقوم بها حاليا وزارة الطاقة، بالإضافة إلى أن لدينا إشكالية كبيرة، وهى أن تلك المحطات للكهرباء لابد أن تكون بجوار مصدر للمياه ووسط كتلة سكانية، وهو أمر مخالف لضوابط استخدام الفحم، لذا ففى حالة استخدام الفحم فى توليد الكهرباء علينا إنشاء وبناء محطات جديدة بعيدة عن الكتل السكنية وبمواصفات فنية تتناسب مع حرق الفحم، لذلك نحتاج أن نبنى محطات جديدة على سواحل البحر الأحمر والمتوسط، كما أننا وقتها سنأخذ الفحم مباشرة من البحر ونوفر نقل ومخاطر النقل على صحة الإنسان، ومع استخدام التكنولوجيا الجديدة لحرق الفحم والتى تسمى "الجيل الرابع" والتى هى آمنة بدرجة 99 % ، فنستطيع أن نبيع هذه الطاقة للصناعات بسعر تجارى، ونترك المحطات القديمة للاستخدامات المنزلية، وبشكل عام فإن مصر ستستقبل فى شهر نوفمبر المقبل أكبر شاحنة لنقل الغاز الطبيعى لإنعاش أزمة الكهرباء التى ستنتهى بشكل كبير فى شهر ديسمبر . تحضرون للقاء وزراء البيئة الأفارقة الشهر المقبل، ما أهم ملامحه والقضايا المطروحة فيه؟ لقاء وزراء البيئة الأفارقة هو فكرة مصرية أنشئت عام 1985 وترأسته مصر أول مرة، وكان هناك قرار من الاتحاد الإفريقى أن الدورة الحالية الخامسة عشر تكون الأخيرة، وأن يتم إدماج وزاراء البيئة الأفارقة كلجنة تابعة للاتحاد الإفريقى، وقد جاهدت الدبلوماسية المصرية لتجميد ذلك القرار، وأن يكون هناك الدورة ال 16 وترأستها مصر، وبالتالى أنا أعتبره نصرا للدبلوماسية المصرية، وهذه الدورة جاءت فى وقت مصر تسترجع علاقتها بالدول الإفريقية، واتجاه الدولة والقيادة المصرية يشجع تلك العلاقات، وقد ظهر هذا الترحيب بعد أن رحبت كل الدول الإفريقية برئاسة مصر لهذه الدورة، وأهم القضايا التى ستناقش فى تلك الدورة، أن يكون هناك موقف متجانس فيما يخص الدول الإفريقية فيما يخص الاتفاقيات الدولية التى ستعقد فى عام 2015 الخاصة بالتغيرات المناخية والتنمية المستدامة، وهذه القضية الأخيرة مهمة جدا لمستقبل إفريقيا الاقتصادى، كما سنناقش فكرة تتبناها مصر فحواها دراسة رأس المال الطبيعى الإفريقى وكيف يدار من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، حيث إن هناك دولا كثيرة فى إفريقيا لديها موارد ضخمة يمكن أن تغير حال القارة من الفقر إلى الغنى، لكن المهم كيفية الاستفادة بها، فعلى سبيل المثال مصر لديها من الموارد التعدينية ثورة عظيمة لم تمس حتى الآن، يمكن أن تغير من الخريطة الاقتصادية للدولة مثل (السيلكا) الرمال الزجاج التى تصنع منه سترات الفضاء ورقائق الكمبيوتر، كما سنتكلم عن قضية التنووع البيولجى على مستوى القارة وقضية تغيير المناخ والتنمية المستدامة، وقد قمت بدعوة وزيرى البيئة الهندى والصينى لأن هاتين الدولتين شغوفتان بالاستثمار فى القارة ليشاركا فى الفاعليات ويحضرا اللقاء الذى من المؤكد أنه ستنتج عنه اتفاقيات تعاون مشتركة واستثمارات عديدة، وكنتيجة لتلك المساعى، وهذا المؤتمر سينصب الرئيس عبد الفتاح السيسى شرفيا بالمنصب كرئيس رؤساء إفريقيا فيما يتعلق بالشأن البيئى فى ديسمبر المقبل لمدة عامين، لنؤكد للعالم أن مصر مازالت رائدة وأتوقع أنهما سيكونان عامين حافلين بقضايا البيئة, والعمل على إيجاد حلول والتنسيق بين الدول والتعاون الفنى والاقتصادى معها .