ريم عزمي الهجرة غير الشرعية غالبا تتم من بلدان العالم الثالث للدول المتقدمة، والدول المتقدمة لا ترغب في المزيد من البشر، وهؤلاء المهاجرون يعيشون في بؤس لا ينتهي، لذا نجدهم على استعداد للمجازفة لأقصى درجة وتقبل أقسى الظروف لعلهم يحظون بمستقبل أفضل! لا سيما وأن أمامهم نماذج هاجرت سواء بطريقة شريعة أم غير شرعية ونجحت في الغربة، وتعتبر مدينتا سبتة ومليلية أهم بوابتين في إفريقيا للعبور إلى أوروبا ربما لقربهما من مضيق جبل طارق. من هذا المضيق يعتقدون أنهم سيجدون فرجا بعد الضيق، وبعد الرحلة الشاقة البعض يكتفي بالبقاء في المغرب بعد انتعاشته الاقتصادية أخيرا، والبعض الآخر ينجح في العبور بالفعل وأقرب دولة لهم هي إسبانيا، وربما يجدون عملا لكنهم يعيشون في ظروف قاسية أيضا مثل استغلال أصحاب العمل لهم فيشغلونهم لفترات طويلة ويعطونهم الفتات، لكن ما يجعل هؤلاء يصبرون هو محاولتهم التمسك بالأمل في إيجاد فرصة حقيقية أو عدم امتلاكهم للمبلغ المالي للعودة لديارهم!. يقول المفكر الإسلامي الشيخ محمد الغزالي «في أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل»، فلا يمكن أن نلوم الشباب الذي يريد أن يسافر للعمل بعد أن ضاقت به السبل، خصوصا أن بلدانا عديدة في إفريقيا تعاني الفقر والجهل والمرض، كما تركت الحروب الأهلية الكثير من الجراح الغائرة، فهناك مقولة منسوبة للإمام علي بن أبي طالب يقول فيها «الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن». المخاطرة بالروح وبعد الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية في شمال المغرب صارت كل منهما تتمتع بحكم ذاتي، أما منطقة جبل طارق على الأراضي الإسبانية فهي تتبع التاج البريطاني وتتمتع بحكم ذاتي. وبعد مرور ستة أشهر من إعلان الرباط عن «سياسة جديدة للهجرة»، يجد المغرب اليوم نفسه في سباق ضد الوقت من أجل تنفيذها وسط تحذير المنظمات غير الحكومية من «كارثة إنسانية» بسبب التدفق الكبير للمهاجرين على العاصمة!ووفق آخر أرقام صادرة عن وزارة الداخلية المغربية، فإن ما يقرب من 40 ألف مهاجر غير نظامي قادم من دول جنوب الصحراء يقيمون على أراضي المملكة، في انتظار عبور محتمل إلى أوروبا عبر جيبي سبتة ومليلية.ولمعالجة تدفق المهاجرين المتزايد، خصوصا مع التوتر الأمني في دول الساحل والصحراء، وللرد على الانتقادات المتزايدة للمنظمات الوطنية والدولية بخصوص انتهاك حقوق المهاجرين، أعلنت الرباط في سبتمبر الماضي عن برنامج «استثنائي» من أجل «مراجعة الإطار القانوني والمؤسسي» الخاص بالمهاجرين والأجانب على أراضيها.وتعمل الحكومة في هذا الإطار على ثلاثة مشاريع قوانين خاصة باللجوء والاتجار في البشر والهجرة، حيث قام أنيس بيرو الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشئون الهجرة بعرض أهم مضامين هذه المشاريع، وقال في حديث لإذاعة فرنسا الدولية إن «المغرب صار بلد استقرار، بعدما ظل لسنوات بلد عبور، وهذا أمر جديد علينا» مضيفا أن سلطات الرباط «تحاول تقديم إجابات لمشاكل الهجرة تحترم حقوق الإنسان»، وبعد محاولة من ضمن المحاولات الفاشلة لاقتحام السياج الحدودي الفاصل بين المغرب ومليلية، اعتقلت أخيرا السلطات المغربية نحو مائة مهاجر غير نظامي ونقلتهم إلى محطة الحافلات «القامرة» في العاصمة الرباط.وغالبا يكونون قد وصلوا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر عبر بلدان مختلفة وأحيانا يكونون قد تعرضوا لإصابات خطيرة! وتفيد شهادات وقصص هؤلاء المهاجرين المنقولين إلى العاصمة الرباط أنه تم إرجاعهم إلى المغرب «قسرا»، بعد أن تمكنوا من الدخول إلى مدينة مليلة شمال شرق المغرب، ومن إحدى الشهادات يقول شاب ثلاثيني قادم من جمهورية إفريقيا الوسطى «لقد أساء الإسبان معاملتنا وكبلت أيدينا وتم اقتيادنا وتسليمنا لقوات الدرك المغربية، ثم بقينا مدة 24 ساعة دون أكل، وهنا (محطة النقل البري) تركونا من دون شيء والجو ممطر، وليس لدينا مكان للمبيت».ويروي آخر كيف اعتقله الحرس المدني الإسباني وكبله. ويضيف محتجا «ما نقوله اليوم للأوروبيين هو أنهم يضعون القوانين ثم يخرقونها بأنفسهم»!! جهود مغربية ومن المفترض أن تسمح حملة التسوية القانونية التي أطلقتها السلطات المغربية طوال سنة 2014، للمهاجرين بالإقامة والعمل بشكل قانوني، لكن دراسة الملفات بدت تسير ببطء، ويقول كونستانتين إيباندا رئيس «مجلس مهاجري جنوب الصحراء» فإن «13 ألف ملف تم تقديمها للتسوية لكن 300 منها فقط خضعت للدراسة» خلال ثلاثة أشهر، ويضيف أنه على الرغم من اجتماع مع الوزير المغربي، فإنه يعتقد أن المنظمات غير الحكومية ليست متحمسة كثيرا لخطة الحكومة المغربية، برغم «بعض التقدم» عبر صدور قرار وزاري يسمح بإدماج أطفال المهاجرين في المدارس المغربية، ويؤكد أنه «لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لتحسين ظروف المهاجرين خصوصا في مجال الصحة والعدل»، وطالبت عشر منظمات غير حكومية في المغرب بإرسال مراقبين دوليين إلى جانبي الحدود مع المدينتين «الإسبانيتين» سبتة ومليلية في شمال المغرب، لرصد «الانتهاكات الخطيرة» بحق المهاجرين، ومن بين الممارسات التي نددت بها الجمعيات «النقل القسري» للمهاجرين من شمال المغرب إلى العاصمة الرباط، وأضاف البيان «منذ ديسمبر عاينت منظماتنا وصول عشرات المهاجرين يوميا، ثم المئات إلى العاصمة الرباط على متن حافلات تخضع لمراقبة الشرطة، حيث يتم توزيع هؤلاء المهاجرين على مجموعة من التجمعات السكنية»، موضحة أنها لم تحصل «على أي تفسيرات من الجهات الرسمية حول ما يحدث».ووفق البيان فإن إحدى هذه المنظمات غير الحكومية وتحمل اسم «كاريتاس»، اضطرت إلى إغلاق أبوابها نهائيا بسبب ازدحام غير مسبوق داخل مركز الاستقبال الخاص بها، إضافة إلى «الظروف الطبية الخاصة بالقدرة على رعاية الوافدين»، من جانبها دعت مدريد الجمعة مرة أخرى الاتحاد الأوروبي إلى تحمل مسئوليته في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وذلك بعد أيام على نجاح أكثر من 500 مهاجر في اجتياز السياج الحدودي في مدينة سبتة، في أكبر عملية اقتحام عرفتها المدينة، ولقي 15 مهاجرا مصرعهم غرقا في بداية فبرايرالماضي، ما دفع منظمات حقوقية والاتحاد الأوروبي إلى توجيه انتقادات شديدة للحكومة الإسبانية، وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى هذا الاجتماع في بيان لها، ودعت سلطات البلدين إلى «تحديد إجراءات جديدة من أجل حماية حقوق المهاجرين»، وقالت المنظمة غير الحكومية إنها جمعت «معلومات» عن طرد وترحيل المهاجرين، وعبرت عن إدانتها ل«انتهاك القوانين الإسبانية والأوروبية والدولية» جذور قديمة يرجع أصل اسم سبتة إلى عصر روما القديمة حيث أطلقوا على جبال المدينة بالاسم (Septem Fratres)، بمعنى (الإخوة السبعة) ومع التطور تغيرت التسمية حتى صارت بالإسبانية: (ثيوتا = Ceuta). وجاء في الفصل الخامس من الأحكام الانتقالية للدستور الإسباني المؤرخ سنة 1978 ما يلي «يمكن لمدينتي سبتة ومليلية أن تصبح ذات حكم ذاتي لكل منهما إذا قررته مجالسهما البلدية بواسطة اتفاق موافق عليه من قبل الأغلبية المطلقة للأعضاء، وإذا رخص به البرلمان بقانون عضوي في المصطلحات الواردة في المادة 144». وقد أصبحت المنطقة تتمتع بصيغة للحكم الذاتي داخل إسبانيا بقرار البرلمان الإسباني عام 1995، وهي صيغة لا تتضمن إقامة برلمان مستقل، بل جمعية ثم مجلساً للحكومة ورئيساً. وترفض المغرب الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.ويتمتع سكان سبتة من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المغرب كباقي المغاربة. يطالب المغرب إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها لأجل استرجاعهما، كما يعتبرهما أحد أواخر معاقل الاستعمار في إفريقيا، غير أن المنطقة لم تصنفها الأممالمتحدة ضمن المناطق المحتلة والواجب تحريرها.بعد حروب الاسترداد للإسبان في الأندلس، أطلق الفاتيكان دعوة للسيطرة على الساحل المتوسطي للمغرب، وقامت البرتغال بالسيطرة على الساحل الأطلسي، وقد تعددت المحاولات التاريخية للمغرب لاستعادة المنطقة، وتتميز المدينة بمينائها، حيث يعتبر همزة وصل بين إسبانيا ومدينة سبتة تتميز بكثرة الزهور في أنهجها ولقد زارها الملك خوان كارلوس في أبريل 2007 م ليؤكد للمغاربة إسبانية المدينة وأنها أولوية وطنية عليا ولا يمكن لإسبانيا التفريط فيها، حيث يمكن من سبتة مراقبة المهاجرين غير الشرعيين ويمكن للإسبان السيطرة على 85% من مساحة المياه الإقليمية بين المغرب ومملكة إسبانيا بحر البرهان، وبدأ النفوذ الإسباني في مليلية- أو مليلا Melilla بالإسبانية - عام 1497 عندما استولى عليها خوان ألفونسو بيريث إل بوينو ثالث دوق لمدينة صيدونيا، وحددت معاهدات إسبانية مع المغرب حدود المنطقة أعوام 1859 و1860 و1861 و1894.وتبقى الملفات العالقة بين المغرب وإسبانيا متعددة بداية بسبتة ومليلية وانتهاء بجزيرة ليلى أو جزيرة تورة المتنازعة حسب التسمية التي يرى المغاربة أنها الأصح تاريخياً. ويعكس ذلك وضعاً يسميه بعض المحللين المغاربة علاقة العداء الودي بين المغرب وإسبانيا.