محمد أبو العباس بحثًا عن فرصة عمل بات قدر الشباب المصرى أن يهرب من بلاده، آملا أن يجد حياة كريمة أو حتى «لقمة عيش» فى أماكن أخرى، الهروب من الوطن - سواء بطرق شرعية أو غير شرعية – أصبح حلا وحيدا متاحا أمام شباب ضاقت بهم السبل فى بلادهم، وباتوا عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية، لاسيما فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية. للأسف البحث عن "لقمة عيش" أصبح أمرًا محفوفًا بالمخاطر، فى بعض الدول العربية الشقيقة التى تعانى من تداعيات "ثورات الربيع العربي"، وعلى رأسها ليبيا التى شهدت الأسبوع الماضى جريمة بشعة راح ضحيتها 7 مصريين أقباط من قرية نجع مخيمر بمركز المراغة فى سوهاج على يد مسلحين مجهولين بمدينة بنى غازي، وهو ما دفع الكثير من المصريين ولا سيما الأقباط إلى الهروب من جديد، لكن هذه المرة كان الهروب إلى أحضان الوطن. فى البداية يقول صفوت بباوى "عامل 45 سنة"، أحد الهاربين من بنى غازى: أتردد على ليبيا منذ عدة سنوات سعيا وراء لقمة العيش الحلال بعد أن فشلت فى الحصول عليها داخل البلاد، لكن للأسف اكتشفت أن المواطن المصرى فى البلاد العربية لا قيمة له، بخلاف أى مواطن عربي، فالمصريون يتعرضون لأسوأ معاملة، وأغلبهم لا يحصلون على حقوقهم المادية كاملة، ويضطرون إلى الصمت خوفا على "لقمة العيش". وحول حادث المصريين السبة فى بنغازى يقول: حتى الآن لم يتم الكشف عن مرتكبى تلك الجريمة البشعة، ويجب أن يكون للحكومة والخارجية المصرية موقفجاد وشديد تجاه تلك الواقعة، ولاسيما أن المصريين عامة والمسيحيين خاصة يتعرضون لأسوأ معاملة من الجماعات المتشددة فى ليبيا. وبالمثل طالب وجيه وليم، الحكومة المصرية بوقفة حازمة وتدخل قوى لملاحقة تلك العصابات الإرهابية والكشف عن ملابسات هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمة وقف مسلسل قتل المصريين، كما طالب السفارة بمساعدة المصريين الذين يرغبون العودة إلى مصر. فيما قال رشيد قلدس، أحد المصريين الهاربين من بنى غازى، إن جماعة أنصار الشريعة تستهدف فقط أقباط مصر، والغريب أنهم لا يعتدون على أى شخص مسيحى غير مصرى، مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من الأقباط غير المصريين بليبيا، لا يجرؤ أحد على التعرض لهم، لأن هناك من يسأل عنهم، بنص تعبيره. وبنبرة حزينة عنتر بولس، "49 سنة - عامل": للأسف كنت أعيش فى نفس الشقة، وعندما حضروا وطرقوا علىَّ الباب خرجت لهم، ففوجئت ب 3 أشخاص ملثمين ومسلحين وأحدهم كل ملابسه سوداء، سألنى عن اسمي، قلت له محمد لأننى لم أوشم الصليب على يدي، وعندما اعتقد أننى مسلم تركني، وذهبوا إلى غرفة أخرى واقتادوا 8 أقباط تحت تهديد السلاح، لكن هرب منهم شخص اسمه داود، وذهبوا بهم إلى منطقة جبلية حسبما سمعنا وقتلوهم بالرصاص، وأضاف أن العشرات من شباب النجع عادوا إلى مصر بعد هذه المجزرة البشعة. ويقول سامى بشرى "سائق توك توك": "الأوضاع السيئة التى يعانى منها شباب مصر داخل ليبيا تجعل من أى عمل شريف داخل مصر طوق نجاة للهروب من الجحيم، فقد عانيت كثيرا طوال 4 سنوات عشتها فى ليبيا، وبعد عودتى اشتريت توك توك، وهو حل أفضل من الغربة وسنينها". فيما يؤكد لطيف بولس، 36 سنة، عامل، أحد الهاربين من ليبيا، أنه سبق وأن تعرض للتعدى من قبل أحد الجماعات المسلحة، حيث طرحوه على الأرض وهموا بذبحه، لكن تراجعوا عن ذلك، بعد أن قال أحدهم إن دمه سينجس الأرض، مشيرا إلى أنه عاد إلى مصر بعد تلك الواقعة. وبلهجة يملؤها الأسى قالت فايقة حبيب زوجة طلعت صديق أحد الضحايا: سافر زوجى إلى ليبيا بحثا عن "لقمة العيش" لتوفير مأكل ومشرب لأسرته وبناته الثلاث، والآن أصبحت بلا عائل بعدما اغتالته يد الإرهاب، وأضافت أنه كان يتردد على ليبيا منذ أكثر من 20 سنة وقبل مقتله بثلاثة أيام اتصل بى وقال إنها آخر رحلة أذهب فيها إلى ليبيا لأن الأوضاع أصبحت صعبة للغاية، وإنهم يتعرضون لمضايقات من جماعات تحاول التعدى عليهم كل يوم، وأضافت: قبل مقتله ب48 ساعة وسألنى "محتاجة حاجة أنت والأولاد قبل ما أرجع". فيما قالت نيفين، زوجة هانى جرجس أحد الضحايا: بعد زفافنا بشهرين سافر هانى للبحث عن عمل فى ليبيا بعد أن فشل فى الحصول عليه فى مصر، وقبل مقتله بعشرة أيام كان ينوى العودة لرؤية ابنه "اللى جاي" ولكن رصاص الغدر والخيانة لم تمهله، والآن لا أعرف "هأقول لابنى اللى جاى أبوك فين". من جانبه، قال نيافة الأنبا باخوم أسقف مطرانية سوهاج والمنشأة والمراغة: نحتسبهم عند الله شهداء فى الجنة لأنهم خرجوا فى سبيل الرزق وبحثا عن لقمة العيش، وربنا يصبر ويعزى أسرهم، وأشار إلى أن الضحايا السبع هم: طلعت صديق 47 سنة وإدوارد ناشد 28 سنة، وندهى جرجس 26 سنة، وشقيقه هانى، 24 سنة، وسامح رومانى 19 سنة، وأيوب صبرى 19 سنة، وفوزى فتحى 18 سنة وتربطهم جميعا صلة قرابة. وقال خلف ناشد شقيق إدوارد أحد الضحايا: إن شقيقه يعمل فى ليبيا منذ فترة طويلة وأنه اعتاد الذهاب والعودة مع باقى أصدقائه الضحايا لرؤية ذويهم، وبرغم المعاملة السيئة كانوا يسافرون إلى ليبيا من أجل الرزق، وعندما سمعنا بالحادث البشع والمؤلم الذى هز مشاعر جميع المصريين من التليفزيون حاولنا التأكد من الخبر فاتصلنا على هواتفهم المحمولة، فلم نجد ردا وبدأ القلق يسيطر عل جميع أهل النجع خصوصا ذويهم، حتى جاءت الصدمة التى نزلت علينا فى القرية ومصر عامة كالصاعقة، متسائلا: هل هذا أصبح مصير من يترك بلده بحثا عن لقمة العيش فى الدول العربية؟ يعود جثة هامدة على يد ناس لا تعرف ربنا، وأضاف أن شقيقه متزوج ولديه بنتان وولد لم يدخلوا المدرسة بعد، ونظرا لظروف المعيشة الصعبة قرر السفر مع أبناء النجع للعمل فى ليبيا وأصر على ذلك رغم تحذيرنا له من خطورة الأوضاع والانفلات الأمنى وزيادة معدلات الجرائم، لكنه رد علينا قائلا "العمر واحد والرب واحد والعيال عاوزه تاكل وأنا أجيب منين". أما جرجس حبيب والد الضحيتين ندهى وهانى، فقد أصيب بحالة ذهول ووجوم شديد وتساقطت الدموع من عينيه بعد أن فقد نجليه اللذين كانا سنده وعونا له ولأشقائه ولم ينطق بأى كلمات سوى "عيالى فين هما راجعين تانى.. هما اتقتلوا صحيح ومين قتلهم وعملوا إيه علشان خاطر يقتلهم". ويقول فهيم مسعود: فى الستينات كان العامل المصرى فاكهة فى الدول العربية لكنه أصبح بلا قيمة وحقه ضائع، بالإضافة إلى سوء معاملة الكفيل، ويضيف: "كنا زمان نسمع أن الشعوب العربية تريد أن ترى مواطنا مصريا، خصوصا فى عهد جمال عبد الناصر أما الآن فأصبح المصرى بلا كرامة ولا احترام من العرب، ويجب على الحكومة أن يكون لها وقفة مع كل البلاد العربية بعد إهانة أولادها وقتلهم. فيما يقول رأفت عزيز "عامل" اضطرت لهجر أسرتى المكونة من 4 أفراد بقريتى نجع مخيمر، والعمل باليومية فى بنى غازى لعدم وجود فرص عمل داخل البلاد وسكنت أنا مع خمسة من أصدقائى من ابناء القرية فى "حوش" كنا نعيش فى حالة رعب يوميا بسبب الأحداث التى نشاهدها ونسمع عنها ونراها بأعيننا من المعاملة السيئة من بعض الليبين، ولا أفكر فى العودة إلى ليبيا مرة ثانية بعد المهانة التى شهدناها. وأخيرا يشير مسعد فوزى "بكالوريوس خدمة اجتماعية" إلى أن الآلاف من الشباب يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد والدبلومات الفنية وفى المقابل فرص العمل محدودة للغاية، مما يدفع الشباب للهجرة والسفر للعمل بمهن غير لائقة ولا تتناسب مع مؤهلاتهم، وأضاف: سافرت إلى ليبيا منذ 14 شهرا للعمل مبيض محارة، نظرا لعدم توافر أى فرص عمل فى مصر برغم حصولى على بكالوريوس خدمة اجتماعية منذ أكثر من 7 سنوات، وللأسف الشديد طوال هذه الفترة كنا نتعرض لمعاملة سيئة، ولا نحصل على حقوقنا.