أشرف بدر لم يكن الاقتحام الأخير الذى قامت به الشرطة الإسرائيلية لباحة المسجد الأقصى الأسير «استثنائيا»، رغم همجيته التى تمثلت فى استخدام المقتحمين اليهود الرصاص المطاطى والقنابل.. بل تزامن ذلك مع مناقشة الكنيست لمشروع قانون تقدم به، العضو المتشدد موشى فيغلين فى حزب الليكود الذى يترأسه نيتانياهو، وينص على " بسط السيادة الإسرائيلية " على المسجد الأقصى! وبرغم أن الكنيست الإسرائيلى أجل الموافقة على هذا القانون.. فإنه نجح فى اختبار الأجواء، وتأكد من أن ردود الأفعال العربية والإسلامية ما هى إلا بيانات وتصريحات إنشائية للاستنكار والإدانة، بل إن إسرائيل لم تنزعج كثيرا من تحرك البرلمان الأردنى، ومطالبته بطرد السفير الإسرائيلى، حيث إنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التى يصدر فيها البرلمان الأردنى قرارا دون أن يجد طريقه للتنفيذ، رغم أن بلاده تشرف على المقدسات فى فلسطين بحكم اتفاق السلام الذى وقعه مع إسرائيل فى وادى عربة فى عام 1994 . كما نجح الكنيست أيضا فى تحقيق سابقة تاريخية تؤسس لإعادة طرح القانون وإقراره مجددا فى أى وقت، واعتباره ورقة ضغط على الفلسطينيين فى أى مفاوضات!! وهكذا يبدو الطريق ممهدا أمام هدم الأقصى واستكمال تهويد القدسالمحتلة، فيما ينشغل العرب والمسلمون بصراعاتهم وحروبهم ومجازرهم ومؤامراتهم بالنيابة عن الدولة اليهودية. فهل من معطيات أكثر ملاءمة من هذه لتستكمل إسرائيل مخططاتها؟ وهو السؤال الذى طرحته صحيفة «القدس»الفلسطينية فى افتتاحيتها عقب الهجوم البربرى الإسرائيلى على الأقصى. والغريب أنه فى الوقت الذى ينشط فيه المجتمع الدولى بمختلف منظماته لنبذ التطرف والعنف، والعمل على التقريب بين أتباع الديانات ونشر مفاهيم التسامح والانفتاح واحترام الآخر، وإدانة طرد أى مواطن من بلده، أو تدنيس أى مقدسات - إلا فى فلسطين - فيحل لصهيونى أن يدنس المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، بل يحل دم كل من يتصدى لمحاولات التدنيس اليهودى للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وآخرها إصابة 15 فلسطينيا من المدافعين عن قدسية الأقصى نيابة عن أمة قوامها أكثر من مليار مسلم! إن الدولة الصهيونية تعمل منذ قيامها على تطهير ما تعتبره أرضها التى كانت تسمى «فلسطين» من سكانها الأصليين، سواء بارتكاب المجازر ضدهم، أو بالقوانين الجائرة التى تمنعهم من ترميم بيوتهم أو إقامة نقاط تفتيش تنغص حياتهم، أو بالاعتقالات العشوائية أو بإطلاق قطعان المستوطنين لترويعهم، أو إتلاف مزروعاتهم وأشجارهم وسياراتهم، أو كتابة شعارات عنصرية ضدهم، أو إحراق أماكن العبادة أو تدنيسها. ولا أحد ينسى ما قام به الصهيونى «باروخ جولدشتاين» فى مثل هذه الأيام عام 1994 عندما اقتحم المسجد الإبراهيمى وفتح نيران رشاشه على المصلين ساعة الفجر، وقتل 29 وجرح العشرات قبل أن يتمكن المصلون من السيطرة عليه وقتله. بعدها قامت إسرائيل بالاستيلاء على ثلثى المسجد الإبراهيمى.. واليوم جاء الدور على المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، للاستيلاء عليه واستكمال الحفريات التى تقوم بها الجماعات اليهودية المتطرفة تحت جدرانه على أمل العثور على أثر من الهيكل المزعوم، الذى لم ولن تجده، وربما تلجأ لإحدى حيلها المكشوفة وتضع أشياء وهمية تحت الحفريات لتكمل تهويد القدس بالكامل حتى تستحق اسمها "أورشليم". نحن نعيش مقدمات حروب عالمية بين أهل التوحيد والكفر، وستذهب خرافة السلام العالمى إلى الجحيم، فالسلام العالمى لن يحدث إلا فى عصر نزول المسيح عليه السلام إلى الأرض مرة أخرى، وعندها يعم الإسلام كل ربوع العالم، أما فى هذا الوقت فلا يوجد إلا التدافع بين الإيمان والكفر : «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين». ولعل صرخة مؤسسة الأقصى للوقف والتراث وتحذيرها من أن الاقتحامات المتكررة من قوات الاحتلال للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، يؤشران على تدبير شىء ما ضد الأقصى، وازدادت القناعة بعد إعلان جماعات يهودية نية اقتحام الأقصى فى 14 نيسان/إبريل، بمناسبة عيد الفصح، وأن الاستعداد قبل هذا الموعد يعنى أن حدثاً كبيرا سيكون فى هذا اليوم، معتبرة أن عمليات اقتحام الاحتلال المتكررة للأقصى ودخول القناصة ما هى إلا مناورات وتدريبات لليوم المنتظر المشئوم! ولأن المقدسات الإسلامية لا تخص شعباً بمفرده، فإن المسئولية عن حمايتها ضد هذه الهجمات الصهيونية المسعورة، لا يمكن ولا يجب أن تقع على عاتق عاصمة واحدة، أو سلطة أو منظمة أو حركة أعلنت المقاومة منهاجا لها، وانشغلت بالعمل السياسى لصالح «الجماعة» وأضحى الجهاد الذى رفعته شعارا تاريخيا ليس له ظل تاريخى على أرض الواقع، لذا فإننا نحمل كل الأنظمة العربية وليس النظام الأردنى الذى أنيطت به الرعاية والحماية للمسجد الأقصى، مسئولية العجز والخذلان للمقدسات التى تتعرض لمؤامرة دولية لا يجوز الصمت عليها . يا أهل العروبة والشهامة.. إن البيت له رب يحميه .. أما العار فسيلاحق الذين سيذكر التاريخ أنهم أداروا ظهورهم، وأصموا آذانهم، وغيبوا ضمائرهم عن نصرة دينه وبيته!