محمد عبد الحميد متى يعلنون وفاة ظاهرة الائتلافات والحركات والنشطاء السياسيين فى مصر؟ وتصبح الأحزاب هى البوابة الرسمية لكل من يريد مزاولة العمل السياسي؟! السؤال يعكس الحالة التى بات عليها فريق من هؤلاء النشطاء، فبعضهم تطارده فضائح تتعلق بالخيانة والتآمر والعمل وفق أجندات مشبوهة هدفها إبقاء مصر فى حالة الفوضى، وتكريس معاناة أبنائها، وزيادة الانقسام والخلافات بينهم! وآخرون تلاحقهم دعاوى قضائية وأحكام بالسجن، ناهيك عن حاله فقدان الثقة والريبة التى بات يتعامل بها رجل الشارع تجاه كل من يدعى أنه ناشط سياسى مهموم بحال البلد. عشر سنوات مرت تقريبا على بداية ظاهرة الحركات السياسية والنشطاء فى المجتمع المصرى الذى استيقظ فى عام 2004، على خبر تدشين حركة كفاية، التى أعلنت أنها حركة مناهضة لاستمرار مبارك فى حكم مصر، وترفض توريث الحكم لنجله جمال، الأمر الذى جعل فئات عدة من الشعب المصرى تتعاطف معها ويدعم مطالبها التى هى فى الحقيقة مطالب الملايين من المصريين وتعرف الناس رويدا رويدا على رموز تلك الحركة، لاسيما عبد الحليم قنديل وجورج إسحاق. وفى عام 2008، ظهرت فى الشارع المصرى حركة أخرى لقبت ب 6 إبريل، أسسها مهندس شاب يدعى أحمد ماهر وصديقه أحمد صلاح، وأيضا ادعت معارضتها لمبارك، وأنها تعمل هى الأخرى على إسقاطه، اللافت للنظر أن تلك الحركة دارت من حولها حكايات كثيرة وتعرضت منذ نشأتها وحتى الآن لكم كبير من اتهامات الخيانة والعمالة لأمريكا، وأنها تعمل وفقا لمخطط الهيمنة الأمريكية على العالم والتى سبق أن أعلنت فى زمن حكم جورج بوش الابن، عن تغيرات فى منطقة الشرق الأوسط من خلال مخطط الفوضى الخلاقة، وبقيام ثورة 25 يناير، ونجاحها فى إجبار مبارك على التنحى، انفتح الباب على مصراعيه لتشهد مصر قيام عده حركات وائتلافات شبابية تدعى كل منها الثورية، وأنها مستمرة فى العمل لتحقيق أهداف الثورة، وشهد الشارع المصرى منذ ذلك التاريخ الكثير من الهتافات التى تدعو لهدم ما تبقى من مؤسسات الدولة تارة بالهتاف والتظاهر ضد الداخلية والجيش، وأخرى بالمطالبة بالقصاص من الشهداء ورفض أى توجه لإعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد، ولم يحل دون ذلك قيام ثورة 30 يونيو، والإطاحة بحكم الإخوان وتوجه الشعب المصرى لتنفيذ خارطة الطريق التى دعا إليها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وتجلت مظاهر ذلك فى المساندة الشعبية للجنة الخمسين التى تشكلت لإعادة صياغة مواد دستور 2012، المعطل وخروج ملايين المصريين لتفويض الجيش والداخلية فى مواجهة الإرهاب وقيام حكومة د. حازم الببلاوى، بسن قانون تنظيم التظاهر فى الشارع المصرى لمواجهة حالات الفوضى والخراب التى تعمل جماعة الإخوان على نشرها من خلال المظاهرات المتتالية التى يقوم بها أفرادها وما يترتب عليها من تعطل المرور ووقف عجلة العمل والإنتاج وتدمير السياحة المصرية، وتردى أوضاع الاقتصاد الوطنى، وعلى الرغم من ترحيب غالبية القوى الوطنية بقانون تنظيم التظاهر إلا أن بعض ممن يدعون «النشطاء السياسيين» كان لهم موقف مغاير وتحدوا القانون وخرجوا فى مظاهرات أمام مجلس الشورى وفى ميدان طلعت حرب، تطالب بإلغائه وإسقاط الحكومة ما دفع بالنائب العام إلى فتح تحقيق لمعرفة الجهات التى تقف وراء ما حدث وصدرت أحكام بالسجن ضد أحمد ماهر، ومحمد عادل، وأحمد دومة، بعدما أثبتت التحقيقات أنهم ضالعون فى تلك الفوضى والعنف، وتبعت ذلك تسريبات تليفونية جرى إذاعتها فى برنامج «الصندوق الأسود» على قناة القاهرة والناس والذى يقدمه عبد الرحيم على، وعبر مواقع الإنترنت المختلفة تكشف جانب آخر لفريق من هؤلاء النشطاء، وكيف أنهم تاجروا بثورة 25 يناير، وبمعاناة الشعب المصرى وسعوا لتحقيق منافع شخصية لهم وعملوا على اقتحام مقرات أمن الدولة، لسرقة ملفاتهم الشخصية التى تحتوى على جرائمهم بحق مصر، وهو ما أثار حالة من الجدل بين مؤيد لإذاعة تلك التسريبات كى يعلم الشعب حقيقة من تاجروا بمعاناته، وبين رافض بدعوى انتهاكها حرمة الحياة الشخصية لهؤلاء النشطاء، ومعه انتقل الأمر إلى القضاء من خلال دعاوى وبلاغات تحمل اتهامات كثيرة حال ثبوت صحتها فإنها تعنى مزيدا من تدهور شعبية هؤلاء النشطاء، وفقدان ثقة قطاع كبير من المصريين فيهم، وكان أبرزها بلاغ تقدم به الدكتور سمير صبرى، للنائب العام المستشار هشام بركات، والمقيد برقم 4 لسنة2014، ضد مصطفى النجار، وعبد الرحمن القرضاوى، وأسماء محفوظ، وأحمد ماهر، وأسامة سعيد، ومحمد سوكة، بأنهم حشدوا واقتحموا مقار أمن الدولة فى كل من لاظوغلى، ومدينة نصر، وسرق «سوكة» ساعة وولاعة وملفات تتعلق بجهاز أمن الدولة، وتم تصويرها وإخراجها من مقر جهاز أمن وطنى سيادى، وكلها وثائق تتعلق بأمن الوطن تتضمن أسراره الحساسة، وباعترافهم جميعا بأن هذه الملفات وما تحويها من مستندات تقطع بمعلومات تخص المبلغ ضدهم وآخرين وكلها تحوى فضائح وفساد المبلغ ضدهم وآخرين باعترافهم فى التسجيلات. وقال صبرى فى بلاغه، إنه بشأن الزوبعة التى يثيرها المبلغ ضدهم والمنظمات الحقوقية وحقوق الإنسان حول قانونية إذاعة المكالمات المُسرّبة، يعتبر تصرفا ومسلكا غير قانونيين على ادعاء أنه تدخل فى الحياة الخاصة للمبلغ ضدهم وهو ما يجرمه القانون، وهذا القول مردود عليه بأن ما أذيع أبعد ما يكون عن الحياة الخاصة للمبلغ ضدهم، وأن ما تمت إذاعته كلها جرائم تتعلق بأمن وسلامة واستقرار الدولة. وأوضح أنه فى حالة عدم إذاعة عبد الرحيم على، لهذه الجرائم والإبلاغ عنها يقع تحت طائلة المسائلة القانونية لعلمه وتعمده إخفاء لجريمة تتعلق بأمن الدولة، واقتحام مقر جهة أمنية سيادية، وسرقة ملفاتها وأجهزتها، وهو من شأنه تهديد أمن وسلامة البلاد. وطالب صبرى، بمنع المبلغ ضدهم من مغادرة البلاد والتحقيق فى الوقائع والجرائم المنسوبة إليهم جميعا وفى حالة ثبوتها تقديمهم للمحاكمة الجنائية. من جهته يرى نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، أن الأحداث الأخيرة وكم الاتهامات التى راجت حول عدد من النشطاء السياسيين أسهمت بما لا يدع مجال للشك فى أن تثور علامات الشك والريبة فى صدور كثير من المصريين حول تلك الشخصيات، وما الذى تفعله، وبالتالى فقد تراجعت ثقة المصريين بهم، وأشار مكرم إلى أهمية أن تسود دولة القانون والاهتمام بمضمون المكالمات والمعلومات التى تهدد الأمن الوطنى، ولا يجوز أن نتعامل مع النشطاء على أنهم رموز للثورة، ولا يجب المساس بهم وأن محاكمتهم انتقاص لثورة 25 يناير، فهذا قول مغلوط، فالثورة قام بها شعب مصر وليس حفنة من النشطاء، لافتا النظر أن تطبيق القانون وحده من شأنه تطهير الساحة السياسية من الفاسدين. وأوضح مكرم أن الوقت قد حان لتقنين وجود الحركات السياسية والائتلافات من خلال قانون ينظم عملها وجهات التمويل الخاصة بها تماما، كالأحزاب، وذلك كى نضع حدا للاتهامات العبثية التى تروج من حين لآخر تجاه هذا أو ذاك وتتهم البعض بالخيانة والآخر بالعمالة، ففى حالة تقنين أوضاع تلك الحركات، فمن شأنه أن يعمل الجميع وفقا للقانون فى شفافية، ومن شأن هذا أيضا أن أى تجاوز وقتها يقابل بالعقاب الرادع. وبدوره رفض أبو العز الحريري، المرشح الرئاسى السابق كل تلك التصرفات والتسريبات والحرب التى يشنها البعض لتشويه صورة كل ناشط سياسى فى مصر بدعوى أن وراءها نفرا من المحسوبين على نظام المخلوع حسنى مبارك، سعيا شيطنة ثورة 25 يناير، من خلال تعميم أخطاء نفر قليل من النشطاء السياسيين على أن كلهم فاسدون، وهذا لا يصح ولا يجوز، مؤكدا أنه يرفض أى خروج عن القانون سواء فيما قام به هؤلاء النشطاء من تصرفات أو من قام بالتسريبات دون إذن قانونى وانتهك حرمة الحياة الشخصية لمواطنين مصريين، وتابع: كل من أخطأ يحاسب وفقا للقانون دون تعميم. وأن من يقول إن ظاهرة النشطاء السياسيين تموت وتفقد رصيدها فى الشارع المصرى هم واهمون، فالشعب المصرى كله صار نشطاء سياسيين بدليل قيامه بثورتين فى نحو عامين، أن الجميع بات يناقش ما يدور ويسأل عن حقوقه، ويرى أن الجميع على يقين بأن تلك الأسماء المتورطة أو التى تعمل على تشويه سمعتها لا تمثل ثورة يناير التى لولاها ما تغير شيء فى مصر، فهى من أطاحت بنظام مبارك الفاسد وتبعه بجماعة الإخوان الإرهابية، ولم يكن هذا ليحدث لو لم يكن الشعب المصرى بكل طوائفه قد وعى أهمية حقوقه السياسية، وأن زمن السكوت قد ولى. من جهته أكد الخبير الأمنى اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، أن الأجهزة الأمنية ليست طرفا فى هذه الأزمة وغير معنية ببقاء أو انتهاء ظاهرة النشطاء السياسيين أو غيرهم من الموجودين فى المشهد السياسى المصرى، فهو جهاز أمنى مهمته حفظ الأمن والأمان للدولة وفقا للقوانين المحددة لعمله. لافتا النظر أن جهاز أمن الدولة كان شبه معطل فى الفترة التى تروج من خلالها التسريبات الأخيرة، بعدما اقتحم البعض مقراته وجرى نهبها، ولذا فإن الحديث عن أن أمن الدولة هو من يسعى لتشويه صورة هؤلاء النشطاء، حديث مغلوط ويهدف إلى إبعاد الناس عن حقيقة ما جاء فى تلك التسريبات من اعترافات بجرائم، وما قام به بعض هؤلاء النشطاء فى السنوات الثلاث الماضية من جرائم ومخالفات، ولذا فإن فتح تحقيق شامل فى كل ما جرى, من شأنه إيضاح الصورة كاملة لمعرفة من خطط ونفذ ونهب مقرات أمن الدولة ومن قبل حرق أقسام الشرطة واقتحم السجون ومن تعامل مع جهات أجنبية مشبوهة للإضرار بمصر وحصل على أموال منها، مشددا على أن التحقيقات القانونية من المهم أن يحتكم لها الجميع فى تلك المرحلة الصعبة التى تمر بها مصر.