حوار وفاء فراج مخططات خارجية وأياد محلية للعبث في الثروة النباتية والعشبية في الصحراء المصرية ، وتدمير كل ما يتعلق في مجال البحث العلمي خصوصاً فيما يتعلق ببحوث النبات البري وتنمية وزراعة الصحراء، وأكبر دليل الأيادي التي مازالت خفية إلى اليوم، التي دمرت بنك الجينات النباتية الأول في مصر الموجود في مدينة الشيخ زويد، متزامنا مع الهجوم علي مركز بحوث الصحراء في المطرية والاستيلاء علي عدد كبير وخطير من الدراسات والأبحاث والمعلومات المتعلقة بالنباتات البرية والعشبية التي لها شأن كبير في علاج الكثير من الأمراض المستعصية ومنها أمراض كالسرطان والكلي وغيرهما الكثير، أسرار كثيرة يكشفها الدكتور «إسماعيل عبد الجليل» رئيس مركز بحوث الصحراء السابق، ومؤسس بنك الجينات، والذي يشير بأصابع الاتهام إلى كل من إسرائيل وأمريكا في التخطيط والوقوف أمام أي محاولة مصرية جادة لاستصلاح الصحراء وتنميتها، أو استخدام التراكيب الوراثية للنباتات التي منحها الله لمصر لحل فجوة الغذاء والماء التي تتسع داخل الوطن كل ثانية، متهما «الحكومات الغبية» كما وصفها بالتقصير في عدم استغلال البحث العلمي في حل أزمات مصر المستعصية والتعتيم علي عمليات التخريب المنظمة لكل موارد الدولة، لذلك يتقدم عالم البيوتكنولوجي «إسماعيل عبد الجليل» من خلال مجلة «الأهرام العربي» ببلاغ للنائب العام عن التدمير الممنهج مع سبق الإصرار والترصد، الذي يحدث ضد البحث العلمي في مجال الزراعة وبحوث الصحراء، كما يكشف العديد من القضايا والأسرار خلال الحوار التالي: كيف تفسر سرقة بنك الجينات النباتية في سيناء والغموض الذي مازال يحيط بالحادث؟ لا أستبعد أن تكون فكرة سرقة البنك عملية مخابراتية مخططة بدقة وأرجح أن تكون السرقة تمت بأيد محلية وتخطيط خارجي، والمتهم الأول من وجهة نظري والمستفيد هما إسرائيل وأمريكا، فالأولي لن ترضي أن تتقدم مصر في مجال الزراعة أبدا، والثانية لا ترغب في وجود بنك يعوق استيلاءها علي النباتات المصرية وإنتاج منتج جديد تنسبه لصالحها، كما فعلت من قبل في محاصيل كالذرة والطماطم، حيث كان يهدف البنك إلى توثيق النباتات البرية المصرية عالميا، ليصبح لها حق الملكية الفكرية فى استخدامها كثروة طبيعية، وجمع ثروة النباتات الطبيعية المصرية، الموجود نصفها فى سيناء، واستثمارها فى التنمية الاقتصادية وإثبات الحق في أي استخدام تجاري للنبات المصري من خلال البصمة الوراثية للنبات، خصوصاً أن البنك تم إدراجه عالمياً ك «بيت خبرة» وتدريب للشرق الأوسط عام 2009، وتفوق على بنوك الجينات الأوروبية فى ألمانيا وهولندا، ونافس على المركز الأول مع بنك جينات الولاياتالمتحدةالأمريكية. وضح للقارئ حجم الخسائر التي حدثت لبنك الجينات النباتية في سيناء؟ عقب ثورة 25 يناير، تم تدمير بنك الجينات في الشيخ زويد، بالكامل تقريبا والاستيلاء علي أجهزة الكمبيوتر والثلاجات والسيارات التابعة له من أجل الاستكشاف، لكن من حسن الحظ أن بذور النباتات لم يستطع المخربون الاستيلاء عليها بالكامل، نظرا لوجود ثلاجاتها داخل الجدران ، لكن الأخطر هو الاستيلاء علي كل المعلومات التي تخص النبات من منشأه وتاريخه الوراثي وبصمته الوراثية وأماكن وجوده، وغيرها من معلومات وجهد علماء مصريين لعشرات السنوات، مما يجعل البذور بدون المعلومات التابعة لها دون فائدة لمصر وتلك المعلومات كانت جميعا داخل الكمبيوترات التي سرقت أو خربت ، وبالتأكيد جزء ممن سرق البنك يعرف تلك المعلومات جيدا واستولي علي تلك المعلومات. بعد ما حدث هل تري أن اختيار مكان البنك اختيار غير موفق؟ لقد تم اتهامي من بعض الإعلاميين بسبب اختيار مكان البنك في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية بالعمالة لإتاحة الفرصة أمام إسرائيل لاستيلاء عليه، وهو أمر غير منطقي وخاطئ خصوصاً أن الأنواع النباتية في مصر 2500 نوع، وسيناء تحتوي علي نصف تلك الأنواع حوالي 1250 فيها صفات وراثية مهمة جدا، فكان اختيار سيناء هو المكان الأمثل لوجود البنك قريبا من نشأة النبات لسهولة نقله وسرعة تخزينه قبل أن يتلف ولا يجوز علميا أن ننقل النبات عن مجتمعه المحلي، فلا يمكن إنشاء بنك للنباتات البرية الصحراوية في القاهرة مثلا، وقد كرمت في روما عام 2009، بسبب إنشائى للبنك داخل مجتمع النبات المحلي والارتقاء بالمنطقة والمواطنين هناك، لذلك أقول بدلا من اتهامي بكلام أجوف كان يجب محاسبة الدولة عن سر تقصيرها في تعمير سيناء وتنميتها لتكون عائقاً أمام طمع إسرائيل الاستيطاني. من وجهة نظرك كيف نعوض ما سرق من بنك الجينات؟ بالفعل تم إعادة افتتاح بنك الجينات في الشيخ زويد من جديد منذ ست أشهر، بعد تعويض مالي من الدولة لإعادة شراء الأجهزة، ولكن لاستعادة ما نهب من البنك من بذور ومعلومات يجب العمل الحثيث والمضاعف لسنوات، ويجب توفير سيارات مجهزة للرحلات الاستكشافية في الصحراء والجبال لنقل الباحثين، إضافة إلى توافر الأمن، وهذان العنصران غير متوفرين في الوقت الحالي مما سيؤخر عملية استرجاع ما نهب لحين توافرهما، بالإضافة أنه يجب علي الدولة أن تستفيد من الدرس السابق وتخصص أمناً حقيقياً لحماية البنك، ففي كل دول العالم تقوم الأجهزة المخابراتية بحراسة بنوكها للجينات النباتية إلا مصر. أشرت إلى أن إسرائيل تضع مصر صوب عينها وتترصدها في أي مجال للتطوير خصوصاً المجال الزراعي وتنمية سيناء، لماذا؟ قطاع الزراعة في إسرائيل يعتبر أحد القطاعات الاقتصادية المهمة حيث تشكل 2.5 % من مجموع الناتج المحلي و3.6 % من صادرات إسرائيل، ويوظف القطاع الزراعي حوالي 3.7 % من مجموع العمال في إسرائيل، ويتم إنتاج ما يصل إلى 95 % من احتياجاتها الغذائية للدولة داخل إسرائيل، وعلي الرغم من هذا تترصد أي نمو زراعي في مصر خصوصاً أن نصف أراضي إسرائيل عبارة عن أراض صحراوية، لذلك تضع سيناء صوب عينها خصوصاً أن أراضيها مشابهة تماما للأراضي في إسرائيل وأن هناك بعض النباتات المهمة لطبيعة سيناء التي تعلم إسرائيل أن مصر تجري عليها أبحاثا كبيرة وخصوصاً النباتات الطبية، فاستغلت ظروف الثورة مع ضعاف النفوس وبطريقة غير مباشرة حصلت علي هذه الجينات أو المعلومات التي تخصها، والدليل أنني تفاجأت في أحد المؤتمرات الدولية بوزير الزراعة الإسرائيلي جاء ليتحدث معي عن بنك الجينات، وكانت لديه من المعلومات عن البنك أكثر مما يعرف أصحاب القرار في مصر أنفسهم، ووضح لي أنهم قد بدأوا بالفعل أثناء الاحتلال ما بين 67 وحتى الجلاء عن سيناء، بعمل دراسات علي بعض النباتات المصرية في سيناء وأن أمر هذه النباتات والحياة البرية هناك تهم إسرئيل بشكل كبير جدا. ذكرت أن مركز بحوث الصحراء بأبحاثه وعلمائه قادرون علي حل أهم القضايا في الغذاء والماء.. ماذا تقصد بالضبط؟ يجب أن يعلم الجميع أن مستقبل العالم، فيما يخص أهم مشاكله علاجه في التقدم في علم «البيوتكنولوجي» وهو قائم علي الاستخدام الأمثل للتراكيب الوراثية الموجودة في النبات، وفي القرن الحالي هناك تحديات عديدة أهمها ندرة المياه وتدهور نوعية المياه وزيادة ملوحته، بالتالي فإن كمية المياه العذبة الصالحة للزراعة لا تتناسب مع حجم الزيادة السكانية،كما لدينا مشكلة الجفاف والارتفاع في نسبة حرارة الأرض ومشكلة الغذاء، وتلك المشاكل لا يوجد حل لها إلا من خلال إدماج جينات النبات التي خلقها الله في الأراضي الصحراوية والجافة والحارة، مع جينات نباتات أخري لتكوين محاصيل غذائية تتحمل قلة المياه وملوحة الأرض وحرارة الجو، ليتم زراعتها في صحراء العالم الممتدة لحل مشاكل وتحديات الإنسان في العالم، وقد وهب الله الدول الفقيرة ذات الطبيعة الصحراوية والصعبة النباتات والبذور المطلوبة لهذا الأمر، ووهب دول العالم المتقدم الموارد المالية والإمكانات والتكنولوجيا ليتم التكامل لإنقاذ العالم، لكن دول العالم المتقدم أبت أن تتكامل مع الدول الفقيرة، بل أرادت أن تحتكر الحلول وتستولي علي النباتات من الدول الفقيرة دون وجهه حق ودون تعويض مادي مناسب، وهناك أمثال كثيرة حدثت في مصر، حيث جاءت العشرات بل المئات من البعثات الأجنبية لتبحث وتستولي علي خيرات مصر من النباتات والأعشاب البرية تحت سمع وبصر الدولة دون التصدي لتلك الحملات الاستلائية، أما عن مركز بحوث الصحراء فهو من أهم المراكز البحثية في الشرق الأوسط والعالم، الذي يضم علماء وباحثين لديهم مشاريع وأفكار كثيرة لحل أزمة الغذاء واستصلاح الأراضي الصحراوية لكن دون جدوي، خصوصاً أن الإرادة السياسية لم تسع نهائيا من الاستفادة من تلك المشاريع التي قد تغير الخريطة المصرية. من وجهة نظرك كيف نحل أزمة البحث العلمي في مصر؟ هذا كلام أجوف، وأزمة مفتعلة، ففي مصر لا ينقصنا في مجال البحث العلمي كما يردد الجميع الموارد المالية، لكن ينقصنا حسن الإدارة وتنظيم استخدام تلك الموارد، بدليل أن وزارة البحث العلمي ردت هذا العام لخزينة الدولة ملايين من ميزانيتها لأنها لم تجد بنوداً لاستثمارها، لكن ما ينقص البحث العلمي هو تهيئة المناخ للباحث العلمي والمعملي والاجتماعي ليبتكر ويخترع، وهو أمر بسيط وليس معقداً، وقد أثبتنا في مركز بحوث الصحراء رغم إمكاناته المتواضعة عكس تلك المبررات،وأحرجنا جهات كثيرة كانت تتحجج بالموارد المالية، ففي تجربة قمنا بها تم تجميع كل الأجهزة المعملية والثلاجات وغيرها من مواد في مجمع معامل واحد ليستخدمها جميع الأقسام وكانت تجربة رائدة لأنه كانت في تلك الحالة لدينا أجهزة مضاعفة لاحتياجاتنا، لكن سرعان ما تم تفكيك المشروع بعد تركي للمركز ، وعادت الأقسام تعمل كل علي حدة كجزر منعزلة، وأؤكد أن قضية مصر تحتاج إلى إدارة ومتابعة ومحاسبة، وما يخيب الآمال أن حكومة الببلاوي تدرس إقرار مشروع جديد تحت عنوان «حسن النوايا» للبحث عن مبررات لفشل القيادات من خلال هذا القانون، أي يخرب كل كما يريد ثم ينطبق عليه قانون حسن النوايا فتبرأ ذمته وهذا منتهي العبث والاستهتار بمقدرات مصر. كيف تري السبيل لمواجهة حجم الفساد والتقصير في مجال التنمية الزراعية في الصحراء؟ الدولة قصرت في مسئوليتها للوصول إلى الجناة في تدمير وسرقة البنك بل تم التعتيم الإعلامي والأمني علي ذلك الحادث بشكل مريب، خصوصاً أنه متداول أن يتم سرقة بنك تجاري وليس هيئة علمية بحثية في وقت تزامن مع سرقة مركز بحوث الصحراء الرئيسي في القاهرة، مما يجعلنا نتساءل أو نتوجه ببلاغ للنائب العام بشأن هذا الأمر الخطير الذي من شأنه تدمير البحث العلمي في مجال الزراعة،كما يجب أن نفتح أمام المجتمع والقضاء ملف الفساد والإهمال والإهدار في هذا المجال الذي من شأنه أن يقفز بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة، وأري أنه بدلا من أن نشغل القضاء في قضايا سرقة الأموال العامة وغيرها، يجب أن نحاسب عن المسئول عن تخفيض ميزانية البحث العلمي إلى النصف، وأن نحاسب صاحب مشروع السلام الذي كان مخططاً لزراعة 400 ألف فدان، ثم توقف المشروع وجفت الترعة، ونحاسب صاحب فكرة ترعة الحمام الذي قام ببناء نصفها ثم هجرها، كما نحاسب من أهدر المليارات في توشكي دون جدوي، كما نحاسب المسئول عن فقدان ثلاثة أفدنة زراعية كل ساعة للبناء عليهما، والمسئول عن توقف الإستراتيجية القومية لاستصلاح أراض جديدة بمثابة 150 ألف فدان كل عام والذي كان مخططاً حتي عام 2017، لأن كل القضايا التي تعرض عن الفساد المالي لا تعادل التخريب الذي حدث في المجال الزراعي والبحث العلمي والذي يجب محاسبة المسئولين عنه محاسبة حقيقية.