رجب البنا فى يوم 30 سبتمبر الماضى، نشرت صحفية نيويورك تايمز الأمريكية القريبة الصلة بدوائر صنع القرار فى الولاياتالمتحدة، خريطة تظهر تقسيم خمس دول عربية إلى 14 دويلة، وفى تحليل للباحث الأمريكى روبن رايت قالت الصحيفة الأمريكية المشهورة بتحرى الدقة، أن سوريا سوف يتم تقسيمها إلى ثلاث دول: دولة علوية، ودولة كردستان السورية، ودولة سنية. وفى الخريطة أن اليمن سينقسم إلى دولتين إحداهما فى الشمال والثانية فى الجنوب، وليبيا ستنقسم إلى ثلاث دويلات، والسعودية ستنقسم إلى خمس دويلات إحداها فى الشمال، والثانية فى الشرق، والثالثة فى الجنوب، والخامسة دويلة وهابية. وصحيفة محترمة وذات نفوذ واسع مثل نيوريوك تايمز لا تنشر التخاريف، ولا تعرف «الفرقعة الصحفية» ولا «الفبركة»، وكذلك فإن المحلل السياسى والإستراتيجى روبن رايت لا يكتب من فراغ ولا يتعب نفسه فى رسم أو قراءة الخرائط، ونشر التنبؤات بدون أساس، ومن الغريب أنه لم يؤكد ما يحاك لمصر ضمن هذا المخطط الشيطانى، مع أن المؤامرة على مصر خرجت من نطاق السرية إلى نطاق العلنية منذ سنوات، ومن يدقق فى الأحداث التى تجرى فى مصر وبقية الدول العربية سوف يلاحظ أن «مشروع التقسيم» يجرى الإعداد له بكل جدية وعلى أيدى الغافلين والمغفلين والمتآمرين فى صفوف الشعوب العربية مع الأسف، يتحدثون بلغتها، ويحملون جنسياتها ويظهرون بوجوه بريئة ويدّعون الثورية والحرص على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتلقون معونات هائلة من جهات خارجية مشبوهة. وبالنسبة لمصر، ليس خافيا أمر الوثيقة التى نشرها فى الثمانينيات إسرائيل شاحاك الأستاذ بالجامعة العبرية فى القدس، وكانت بعنوان «خطة إسرائيل فى الثمانينيات»، وقال فى مقدمتها إن الإستراتيجية قائمة على تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات كأن ذلك هو الضمان لأمن وسيطرة إسرائيل إلى الأبد، وقبل ذلك كتب الباحث الإسرائيلى زيف شيف فى صحيفة هاآرتس، قائلا: إن أفضل ما يمكن أن يحدث فى العراق لتحقيق مصالح إسرائيل هو تجزئة العراق إلى دولة شيعية ودولة سنية وفصل المنطقة الكردية فى الشمال وقال فى ختام دراسته:«إن هذا الجانب من الخطة قديم جدا»، وها نحن نرى ما حدث فى العراق بعد سنوات من نشر وثيقة زيف شيف. أما وثيقة إسرائيل شاحاك فقد نشرت لأول مرة باللغة العبرية فى مجلة «اتجاهات» اليهودية الصهيونية فى العدد رقم (14) فى شهر فبراير 1982 والتى نشرتها هى إدارة النشر بالمنظمة الصهيونية العالمية فى القدس ونشرت بقلم أوددينون وترجمها إسرائيل شاحاك إلى اللغة الإنجليزية، وفى المقدمة قال شاحاك إن العلاقة بين هذه الوثيقة وبين تفكير التيار اليمينى الجديد فى الولاياتالمتحدة علاقة وثيقة، وهدف إسرائيل الأكبر هو أن تصبح دولة إمبريالية وقوة عالمية وليس مجرد دولة فى المنطقة. وتشرح الوثيقة بالتفصيل كيف يمكن تجزئة مصر إلى دويلات بدون حكومة مركزية، لكن تعطل التنفيذ بسبب حرب أكتوبر التى وحدت العرب، ثم اتفاقية السلام مع مصر ولكن التنفيذ يبدو مؤجلا إلى أن تحين الفرص، وبالنسبة للبنان فإن تجزئته إلى خمس مقاطعات ليس مستحيلا كما قال زيف شيف، وكذلك من الممكن تجزئة سوريا إلى دويلة شيعية علوية على طوال الساحل السورى، ودولة سنية فى منطقة حلب، ودولة سنية أخرى فى دمشق معادية لجارتها (الدولة السنية فى الشمال) ودولة للدروز، وبالنسبة للأردن فإنه يمثل هدفا إستراتيجيا لإسرائيل فى المدى البعيد لأنه لا يشكل خطرا على إسرائيل. القهر الإستراتيجى الأمريكى والإسرائيلى معلن ومنشور منذ سنوات، وكان المفروض وفقا لهذه الوثائق أن يكون التنفيذ والتقسيم فى عقد الثمانينيات، لكن كانت هناك ظروف دفعت للتأجيل إلى أن جاء جورج دبليو بوش إلى الحكم مع اليمين الأمريكى المتشدد وخطط لغزو العراق وتدمير جيش من أقوى الجيوش العربية ونشر فيه الخراب والقتل والفوضى، ولم تكن السياسة الأمريكية خافية، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بدء تنفيذ سياسة «الفوضى الخلاقة» وبعد بوش جاء أوباما وأعلنت وزيرة خارجيته السابقة هيلارى كلينتون إن خريطة الشرق الأوسط لا بد أن تتغير. أجراس الإنذار تدق منذ سنوات، والخطر ماثل أمام العيون وليس أمام العرب لإنقاذ بلادهم إلا أن يركبوا معا «سفينة نوح» قبل أن يغرقهم الطوفان.