ميرفت فهد تصوير - محمد محرم - هل عادت ثورات الربيع العربي إلي »المربع رقم 1«؟! ما يحدث في تونس وليبيا ومصر واليمن يؤكد أن الهوة مازالت واسعة بين الأهداف التي قامت من أجلها تلك الثورات.. والواقع علي الأرض.. كان العامل المشترك في ثورات الربيع حرية.. عيش.. عدالة اجتماعية.. لكن الحرية لم تكتمل فقد سقط رأس النظام فقط دون بقيته.. والأزمات الاقتصادية مازالت دون حل والعدالة الاجتماعية مازالت في الخيال فقط.. من هنا اشتعلت الميادين العربية مجددا لتضيف زخما قويا إلي الحالة الثورية التي تطالب بتحقيق أهداف الثورات كاملة كالقصاص من قتلة الشهداء وإنجاز محاكمات سريعة للمفسدين وتطهير المؤسسات من أذناب النظام السابق.. «الأهرام العربي» التقت الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام والذي رسم في حواره المسار الطبيعي لآليات التحول من أنظمة مستبدة إلي نظم ديمقراطية حقيقية تحقق أهداف ثورات الربيع، وهو أحد من استعانت به تونس للإستفادة من خبراته فى هذا المجال ولم تستفد منه مصر! قامت ثورات الربيع العربي لأهداف معلنة.. لكن واضح أن هناك حالات تعثر في مساراتها.. كيف تري المسار الطبيعي والآمن لهذه الثورات؟ هناك آليات للتحول الديمقراطي التي تنتهجها مختلف الدول حينما تتحول من النظم الاستبدادية غير الديمقراطية إلي النظم الديمقراطية والثورة المصرية المجيدة ثورة 25 يناير بالمناسبة هي ليست أول الثورات في تاريخ الشعوب ولن تكون أيضا آخرها، لأن هناك تجارب وخبرات أخري سابقة أكبر وأكثر من الثورات التي وقعت بالمنطقة العربية والمسماة بالربيع العربي. وفي الحالة المصرية كان لزاما علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومات المتعاقبة منذ إقصاء النظام الفاسد في 11 فبراير العام المنصرم أن تنتهج هذا النهج الديمقراطي وأن تتسلح بالأدوات والوسائل المحددة التي لم تختلف عليها ثمة دولة سبقت مصر في التحول الديمقراطي، وهذه الآليات تحديدا في عملية التحول الديمقراطي 7 آليات هي: كشف الحقيقة، المحاكمات، تعويض الضحايا، تخليد ذكري الضحايا، التطهير، الإصلاح المؤسسي، العفو والمصالحة. لو أردنا الحديث عن الآلية الأولي وهي كشف الحقيقة.. فماذا تقول؟ المقصود بكشف الحقيقة هو الكشف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ليس فقط في أحداث محددة مثل أحداث التحرير أو محمد محمود أو قصر العيني أو ماسبيرو أو إمبابة أو كنائس مصر ولكن كشف الحقيقة عن الحقبة المستبدة للنظام السابق، وهي حقبة من 11 أكتوبر 1981 إلي 11 فبراير 2011 وهو تاريخ خلع النظام السابق، وهنا يمكن تشكيل لجان كشف الحقيقة من خبراء قانونيين وغير قانونيين، ومن منظمات مجتمع مدني ومن جميع التيارات المستقلة بالبلاد حتي نستطيع أن نكشف الحقائق التي تم تجهيل الشعب المصري بها، ولم تمنح وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المصري الفرصة الكافية لكشف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. نحن نعلم أن النظام السابق وزمرة النظام يحاكمون عن قضيتين فقط وهما: الأولي قتل المتظاهرين في ميدان التحرير في أحداث يناير وفي سائر محافظات مصر، والثانية هي قضية إهدار المال العام والتربح من صفقات الغاز مع إسرائيل، ليست فقط هذه هي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مارسها النظام السابق في فترة الثلاثين عاما ولكن هناك كما كبيرا من جرائم التعذيب وجرائم الاختفاء العسكري والاعتقال دونما محاكمات وجرائم تدخل في عداد ما يسمي بالإفساد السياسي وتزوير الانتخابات وتزييف إرادة الناخبين وإقصاء جماعات معينة، إذن يجب أن يكون هناك كشف حقيقة بشفافية عن الفترة السابقة. وماذا عن المحاكمات كإحدي آليات التحول الديمقراطي.. وما تعليقك علي ما يجري في مصر حاليا من محاكمات؟ المحاكمات هنا تعني محاكمة رؤوس النظام سواء كان رئيس هذا النظام الديكتاتوري وأيضا كل المسئولين السابقين في هذا النظام الذين ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات. وبالفعل تم إعمال هذه الآلية، ولكن لدي تعقيبات قانونية مهمة وهى أن الشرعية الثورية لا تعني المحاكم الانتقامية أو المحاكم الثأرية أو نصب المشانق في ميدان التحرير، كما طالب بعض الثوار المتحمسين الشرفاء للانتقام من الرئيس السابق برغم أنه قام بقتل مئات بل ربما آلاف المصريين وعذب عشرات الآلاف في السجون وفي مراكز الشرطة اعتبارا من 1981، وهذا المبدأ يجافي المعايير العالمية التي ترسى ضمانات محددة علي رأسها افتراض قرينة البراءة للمتهم. أنا لا أقتنع ببعض التوجهات التي كانت تريد القصاص ولكن أؤيد القصاص العادل بمحاكمة سريعة وليست متسرعة.. المحاكمة السريعة هي ضمانة للمتهم لأن إبطاء المحاكمة ليس إلا عدالة بطيئة أو ظلم بين، وإذا كان البعض يري أن المحاكمة السريعة ضمانة لحقوق الضحايا، فإني أؤكد أنها ضمانة أيضا لحقوق المتهم قبل الضحايا لأن ليس من العدل إبقاء أي متهم في أي جرم دونما محاكمة ناجزة وسريعة، أما المحاكمات السريعة المتلهفة ليس بغرض المحاكمة فأنا لا أعتقد إلا أن هذا سيرجعنا للخلف وستكون هذه ردة وانتكاسة وهزيمة للديمقراطية. لأن الديمقراطية تعني حقوق الإنسان. والديمقراطية تعني الضمانات الديمقراطية تعني الشفافية والمحاسبة والمكاشفة ولا تعني الثأر والانتقام وهكذا.. هل هناك أمثلة لهذه المحاكمات بشأن الحالة المصرية؟ هناك نموذج مماثل لحالتنا وهو محاكمة الرئيس السابق لألمانياالشرقية إريك هونيكر.. بمجرد إقصاء النظام في 1999 بأيام قليلة فقد شرعت الحكومة الديمقراطية المنتخبة في كشف الحقيقة وعلي إثرها تمت محاكمة الديكتاتور السابق. وحوكم عن ماذا؟ حوكم أيضا عن قتل الأحرار الألمان الشرقيين الذين حاولوا الهرب وتسلق سور برلين الذي كان يفصل بين برلينالشرقية وما بين الحرية والليبرالية والنظام الديمقراطي. فقتل العشرات بل المئات من الألمان الشرقيين علي يد قوات حرس الحدود وبأوامر صريحة مباشرة من إريك هونيكر فتم محاسبته والعديد من الضباط والجنود الذين قتلوا بدماء باردة هؤلاء الضحايا من الثوار الألمان الذين هربوا للحرية، فهذه المسألة مماثلة في آلية المحاكمة ومحاكمة رئيس ديكتاتور سابق في نظام سابق مستبد. حددت التطهير كثالث خطوة في آليات التحول.. ما شكل وتداعيات هذه الآلية؟ التخلص من الفساد والطغيان والسلطوية والقهر والتطهير هو من المسئولين الكبار والرموز الكبيرة التي كانت تعبث فسادا في الأرض في الأنظمة السابقة. وفي التاريخ الحديث كانت التجربة الألمانية والمسماة nagifacation تطهير الحزب النازي الألماني ثم أيضا تطهير الحزب الفاشستي في إيطاليا، ثم بعد ذلك أشهر آليات تطهير كانت في 1991 في أوروبا الشرقية السابقة، في 1991 نجد كل الدول سواء كانت بلغازيا رومانيا ألمانياالشرقية السابقة هولندا تشيكوسلوفاكيا السابقة يوغسلافيا ألبانيا المجر قامت بإعمال آلية التطهير، ولكن قامت بتطهير مؤسسات معينة في البداية وهي مؤسسات الشرطة وأمن الدولة والاستخبارات والقضاء والإعلام. هذه أهم مؤسسات تم تطهير فيها الرموز وكبار المسئولين الذين ارتكبوا فعلا جرائم وتم حظر ممارستهم حتي لحقوقهم السياسية والمدنية سواء في الترشح للرئاسة أم الترشح للبرلمان والمجالس الأخري التمثيلية وأيضا تم إقصاؤهم وحرمانهم من تولي وظائف عليا في البلاد جراء ارتكابهم جرائم في العهد السابق. حدثت محاولات من هذا القبيل في مصر.. فقد تم حل جهاز أمن الدولة وإعادة هيكلة جهاز الشرطة، فكيف تري الفارق؟ حين شكلت لجان للتطهير كانت مستقلة من خارج الجهاز أو المؤسسة التي يتم تطهيرها وهذا لم يحدث في مصر. بمعني أن في تطهير أمن الدولة أو تطهير أجهزة الشرطة أو تطهير الإعلام في هذه الدول تم تشكيل لجان مستقلة من الخبراء والقانونيين والحقوقيين حتي الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني من خارج هذه المؤسسات حتي تتسم عملية التطهير بالتكامل والحيدة والنزاهة وحتي لا تكون فيها مجال للثأر أو الانتقام أو المحاباة. للأسف لم يتم حتي هذه اللحظة تطهير أي جهاز في مصر وكل مؤسسات الدولة والتي استشري فيها الفساد والمحسوبية.. لم يتم التطهير إلا في جهاز أمن الدولة المصري حتي وزارة الداخلية نفسها كوزارة لم يتم تطهيرها حتي هذه اللحظة.. ولكن ملف تعويض الضحايا كإحدى الخطوات المهمة في التحول خطت فيه التجربة المصرية خطوات معقولة؟! قام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بدور كبير في هذا الصدد بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لجبر الضحايا سواء الشهداء أم الجرحي المصابين وفعلا لا أعتقد أن هناك انتقادات أو مسائل كبيرة شابت هذه الآلية. والتعويض لا يكون فقط بتعويض مالي ولكن أيضا التعويض المعنوي الأخلاقي وهو ما يسمي بالترضية وكلا الشكلين من أشكال التعويض بما يسمي في القانون باسم »الجبر« سواء التعويض المعنوي أم التعويض المالي لضحايا هؤلاء الشهداء والمصابين.. تخليد ضحايا الثورة أيضا.. هل نال ما يستحق من اهتمام؟ هناك أشكال وأنماط وآليات عديدة لتكريم وتخليد ذكري الضحايا سواء بإقامة نصب تذكارية لهم أم إقرار عيد قومي للثورة أيضا بإقامة احتفالات ومهرجانات سواء بتنظيم مسابقات علمية وثقافية وإقامة منتديات فكرية وثقافية أم بالإبقاء أيضا كما حدث في المغرب علي أشهر السجون ومراكز الاعتقالات وتكون هذه عبارة عن متاحف ودور للزيارة وبصفة دورية يتم زيارة طلبة المدارس والجامعات والعمال حتي يروا الباقين من أهالي هؤلاء الضحايا ليقصوا عليهم التجارب ولا يتم إغلاق مثل هذه المراكز والمقار السرية لأمن الدولة والشرطة والسجون ولكن تخصيص عدد رمزي منهم، يكون فعلا ويكون فعلا مزاراً، لتخليد ذكري الضحايا. ولديّ رأي معين أن القرار الذي اتخذ بتمويل مقر الحزب الوطني الفاسد البائد علي كورنيش النيل قرار تحويله إلي فندق أو مسألة سياحية لا أعتقد أنه قرار صائب كان من المهم إبقاء المبني برمته ال 12 دوراً بالحريق الأسود بالدخان الأسود لأن هذا فعلا أكبر رمز للحزب الفاسد حتي يكون عبرة لمن يعتبر. ولكن هناك من يطالب بالعفو والتسامح عن بعض ما جري سابقا حتي لا تسود ثقافة الانتقام؟ مسألة خلافية. والتجربة الرائدة كانت في جنوب إفريقيا في عام 1994 بعد نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا قاموا بالعفو ولكن العفو عن من؟ العفو عن الدرجات والمراتب الدنيا من المسئولين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الإنسانية. ولكن لا يوجد عفو عن رؤساء الدول وعن قادة الجيوش أو قادة الشرطة الذين ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات الجسيمة، لا يمكن أن يكون في القانون الدولي تحديدا عفو عن المحرضين والمتأمرين علي ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ومنها جرائم القتل الجماعي التي شهدته مصر في أثناء الثورة أو جرائم التعذيب الممنهج إذا ثبت وقوعه في أجهزة الشرطة وأمن الدولة في فترة حسني مبارك. يمكن أن يكون هناك عفو عن الجنود الذين قتلوا ولكن يجب أن يكون هذا العفو ليس فقط من البرلمان ولكن يجب أن توافق عليه ويجمع عليه الشعب المصري وهو ما يسمي الصفح. وما موقف القانون الدولي من قضية كمحاكمة الرئيس السابق وأيضا مسألة العفو؟! وأود أن أشير إلي مسألة قانونية مهمة جدا في مسألة العفو وهي أن مصر دولة طرف في اتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1968 لمنع التقادم والعفو عن الجرائم في الحرب وضد الإنسانية، ومن ثم فلا يجوز إصدار أية مراسيم أو قوانين للعفو عمن أمر وحرض وتآمر علي ارتكاب الجرائم الدولية سواء كانت جرائم ضد الإنسانية إذا كيفتها المحكمة الجنائية الذي يحاكم أمامها الرئيس السابق بأنهاجرائم قتل جماعي أي جرائم ضد الإنسانية. لماذا تعثرت التجربة المصرية في حين نجحت تونس؟ الرموز السياسية والثقافية في تونس غير موجودة علي الساحة المصرية فقد استطاعت هذه النخبة أن تخلق إجماعا وطنيا هناك في فترة وزمن قياسيين توافقت عليه كل الأطياف والتوجهات والإيديولوجيات علي مراحل مجددة للتحول. هناك أيضا في تونس توجهات مختلفة هناك إسلاميون وسلفيون وليبراليون وقوميون وفلول لنظام زين العابدين بن علي ولكن المرزوقي وغير المرزوقي في فترة قياسية استطاعوا أن يقوموا بتأثير وخلق التوافق إن لم يكن الإجماع علي الثوابت في فترة التحول الديمقراطي. لكننا في مصر افتقدنا وافتقرنا لمثل هذه النخبة التي تستطيع أن تؤثر في جموع الشعب وذلك لتقصير أمد الفترة الانتقالية ومن ثم وجدنا مظاهر للفوضي السياسية والتخبط في اتخاذ القرارات المصيرية من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومن الحكومات المتعاقبة. ما الذي تحتاجه مصر لكي تتحول ديمقراطيا؟ سيادة القانون في المقام الأول هي المنقذ أو المخرج لحل كل الأزمات والمشكلات التي تعصف بالسفينة المصرية ونحن في مصر كسائر الدول غير الديمقراطية لا نضع القانون في المكانة والمرتبة التي يستحقها.