سوزى الجنيدى - لم تمر قمة الآسيان التى عقدت فى مدينة بالى الإندونيسية مرور الكرام هذه المرة، كما كانت دائما تتم منذ تأسيسها، بل إن القمة التى شاركت فيها الدول العشر الأعضاء فى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بجانب الرئيس الأمريكى باراك أوباما وبان كى مون، أمين عام الأممالمتحدة ورئيسة وزراء أستراليا ورئيس كوريا الجنوبية. اعتبرها البعض بمثابة البداية الحقيقية للصدام على الأرض بين الصين وبعض دول آسيا من جهة والولاياتالمتحدة وبعض الدول الغربية والآسيوية من جهة أخرى. ولم تفلح روعة جزيرة بالى التى عقدت بها القمة من 16 إلى 18 نوفمبر والتى يعتبرها الكثيرون قطعة من الجنة أو جزيرة الآلهة وأرض الألف معبد فى تهدئة الخلاف الذى تصاعد ووصل إلى الصدام فى أروقة القمة، حيث دخلت الولاياتالمتحدة والصين فى مواجهة بسبب القضية الشائكة المتعلقة بكيفية تسوية المطالب المتنافسة للدول الآسيوية بشأن السيادة على بحر الصين الجنوبى، فقد سارع الرئيس الأمريكى باراك أوباما بالرد علنا على المطالب غير المباشرة لرئيس الوزراء الصينى وين جيا باو، بأن تبقى واشنطن بعيدة عن النزاع على السيادة على بحر الصين الجنوبى، وأكد أوباما صراحة أن بلاده تريد ضمان أن تظل الممرات البحرية مفتوحة وآمنة فى تلك المنطقة، مما أدى لتوتر الأجواء خلال القمة، وبدأت الاتهامات تتصاعد بشكل علنى بين الجانبين بشأن كيفية التعامل مع هذا النزاع طويل الأمد، ويرى بعض المحللين أن و اشنطن تحاول وضع أصابعها فى هذا النزاع الذى يمثل حساسية لبكين للضغط عليها، خصوصا بعد المواقف الصينية السلبية الأخيرة من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها دول الغرب وهو ما بدى واضحا فى التحذير الأمريكى الذى تم توجيهه للصين فى قمة الآسيان بضرورة احترام القواعد التجارية وحقوق الملكية الفكرية وألا تتدخل لخفض قيمة عملتها، وردت الصين بتجاهل ذلك التحذير تماما وتوجيه تحذير مضاد ضد الوجود العسكرى الأمريكى المتجدد فى دول آسيا والمحيط الهادئ الذى اعتبرته تهديدا لنفوذها الإقليمى. وأشار رئيس الوزراء الصينى وين جيا باو فى بالى أنه لا يجب على قوى خارجية أن تدخل فى النزاع على السيادة على بحر الصين الجنوبى تحت أى ذريعة، لأن هذا النزاع موجود بين الدول ذات الصحة فى المنطقة منذ سنوات عديدة وتجب تسويته من خلال مشاورات ومفاوضات ودية بين الدول ذات السيادة المعنية بصورة مباشرة. ولعل حدوث الصدام بين القوى الكبرى فى إندونيسيا بالذات أمر له مغزى، فأوباما عاش فترة من طفولته فى إندونيسيا فى الفترة التى تزوجت والدته من رجل إندونيسى مسلم ولديه شقيقة مسلمة ومتزوجة وتعيش ما بين إندونيسيا وأمريكا، وقد زار أوباما إندونيسيا وعاصمتها جاكارتا فى نفس الشهر نوفمبر من العام الماضى. وقد حاول المسئولون الإندونيسيون استهلال زيارة أوباما بالتأكيد على لسان وزير الخارجية الإندونيسى مارتى ناتا ليجاوا بصفة بلاده رئيسا للآسيان من أن منتدى الحوار والتعاون بين دول جنوب شرق آسيا لن يسمح بأن تكون المنطقة ساحة للتنافس بين الدول الكبرى. كما أشار المسئولون الإندونيسيون إلى أهمية قمة الآسيان من أجل تحسين العلاقات الجيدة بين الولاياتالمتحدة والآسيان وتعزيز التعاون فى مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتغير المناخى ومكافحة الإرهاب. وكانت قمة الآسيان قد عقدت بمشاركة عشر دول ثم اتبعتها قمة أوسع لشرق آسيا تضمنت مشاركة شركاء حوار الآسيان التقليديين وهم : الصين واليابان وكوريا الجنوبية وعدة دول أخرى وتم توجيه الدعوة للولايات المتحدة للمشاركة للمرة الأولى. والجدير بالذكر أن الفلبين أكدت أنها تحاول جمع الدعم من الحلفاء لتشكيل جبهة ضد الصين بشأن النزاع الإقليمى، وهو ما أعطى الضوء الأخضر للولايات المتحدة لكى تتلاعب بدول الآسيان لصالحها، خصوصا أن تسليح عدد كبير من دول الآسيان يأتى من الولاياتالمتحدة، كما أن هناك معاهدة تحالف منذ 60 عاما تربط بين الفلبين وأمريكا، ولعل حضور وزير الدفاع الأمريكى ليوى آى بانيتا اجتماع وزراء دفاع الآسيان السنوى الذى عقد فى أكتوبر الماضى فى جزيرة بالى أكبر دليل على مدى الإصرار الأمريكى على التدخل، خصوصا أنه كان المسئول الوحيد من خارج الآسيان الذى حضر الاجتماع. وكانت دول الآسيان والصين قد أقرت عام 2002 قرار ا غير ملزم بمنع التحركات العدائية فى بحر الصين الجنوبى، مما جمد بعض الشئ من تفاعل الخلاف، إلا أن الأصابع الأمريكية ربما تؤدى لتفاقم الخلاف مجددا. وقد أثار أوباما غضب الصين بشكل مزدوج عندما لم يكتف بالحديث عن أهمية العمل على قضية الأمن البحرى، لكنه قام قبل قمة الآسيان بالعمل على تعزيز الدور الأمريكى كقوة دولية والإعلان عن تمركز قوات مارينز فى شمال أستراليا ودفعه باتجاه معاهدة تجارية تجمع بلدان منطقة المحيط الهادئ، وهو ما من شأنه تغيير قواعد اللعبة فى المنطقة وهو تحد واضح للنفوذ الصينى، والمعروف أن الصين تعتبر تلك المنطقة نفوذا لها وتتنازع عليها مع تايوان، بينما تتنازع 4 دول أخرى فى جنوب شرقى آسيا على الأحقية فى أجزاء من مياه وجزر البحر بينهما فيتنام والفلبين، اللتان تتهمان القوات الصينية بالعدائية فى التعامل فى تلك المنطقة، وترجع أهمية تلك المنطقة أنها تضم مسارات ملاحية تسلكها أكثر من ثلث حركة التجارة البحرية فى العالم ونحو نصف حركة النقل والغاز عالميا، بجانب الاعتقاد بوجود احتياطات نفطية ضخمة فى قاع البحر. وتسعى الصين لطمأنة دول المنطقة، حيث أكدت أنها لا تسعى إلى الهيمنة، وأن الخلافات لابد أن تحل بالمشاورات الودية، خصوصا أن الصين هى الشريك التجارى الأضخم لبلدان الآسيان. والجدير بالذكر أن رابطة دول الآسيان كانت قد تأسست عام 1967 عندما اجتمع قادة دول إندونيسيا وتايلاند وماليزيا والفلبين وسنغافورة فى بانكوك عاصمة تايلاند، وأصدروا إعلان بانكوك عن تأسيس رابطة دول جنوب شرق آسيا، وفى عام 1969 وقعت الدول الخمس المؤسسة للآسيان على اتفاق وضع الأسس المادية وقواعد العمل للرابطة، ثم فى عام 1971 صدر إعلان كوالالمبور الذى نص على أن منطقة سلام شرق آسيا هى منطقة سلام وتقف على الحياد. وفى عام 1976 صدر إعلان بالى الذى وضع برنامج عمل للرابطة ثم بدأت منذ عام 1984، بعض الدول بالانضمام غير الدول الخمس المؤسسة، حيث انضمت بروناى عام 1984 ثم فيتنام عام 1995 ثم لاوس وميانمار بورما عام 1997، وكانت آخر دولة كمبوديا عام 1999، وتتركز مبادئ الرابطة وفق ميثاقها على الاحترام المتبادل للاستقلال وعدم التدخل فى الشئون الداخلية وحل الخلافات بالطرق السلمية والتخلى عن التهديد واستعمال القوى العسكرية بين دول الرابطة. وعقدت أول قمة لدول الآسيان زائد ثلاثة (الصين وكوريا الجنوبية و اليابان) فى كوالالمبور فى ديسمبر 1997، وتم التركيز على أزمة الركود الاقتصادى ومن بعدها تم تطوير مجموعة الآسيان+ ثلاثة لتصبح أهم الآليات التى تهدف لتعزيز التعاون بين دول شرق آسيا فى مختلف المجالات.