ما إن تطأ قدماك أرض ساحة الخط في منطقة قلب الشارقة، حتى تقع عيناك على تلك المعارض التي أخذت نصيباً لابأس به من الملتقى، بدءاً من "بيوت الخطاطين" و "بيت الخزف" و "مركز الشارقة لفنّ الخطّ العربيّ والزخرفة" و "دار الندوة"، فضلاً عن جمعية الإمارات لفنّ الخطّ العربي والزخرفة الإسلامية التي تتعاون دائرة الثقافة في الشارقة معها في تنظيم معرض "جوهر زايد الإنسان" للإضاءة على شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات. مجرة خاصة تستقبلك في ساحة الخط تلك التحفة الفنية من الحروف العربية التي جسدها الفنان الإماراتي "مطر بن لاحج" والتي حملت عنوان معرض "المجرة" ، أيقونة مهمة تستمد قوة حضورها، من الإيمان المستمر بأن القطعة الفنية، دلالة جوهرية لتطور الوعي الجمالي في المجتمعات. والفنان مطر لم يكتف بتعريف مشروعه الكوني، بمنتج فني فقط، بل برسالة أطلقها،من خلال تدشينه 3 منحوتات فنية، اتخذت من الحروف العربية ذخيرتها الجمالية، معبراً أن "المجرة" الفنية في مخيلته، أبعد من المريخ، وأقرب إلى طاقته الكامنة، أو ما أسماه بالمجرة الخاصة. ويتحدث مطر بن لاحج عن مشاركته في الملتقى العربي للخط بالقول : شاركت بالمجرة في الكثير من المعارض العالمية، لكن تظل للشارقة رونقها الخاص خاصة في هذا الملتقى الذي يجمع كافة النقاد والمتخصصين في الخط العرب، الذي يعد ثروتنا الحقيقية التي نحتمي بها من كل تطورات العصر، ويكمل بن لاحج حديثه عن مجرته " الفنان يتعامل مع الحروف العربية، باعتباره نيزكا قابلا للاشتعال، ورأسي يحمل الكثير من تلك الإشعاعات البصرية، والعمل الفني سبيل لإخراج هذا العالم إلى أبعاد ثلاثية وتراكيب، ضمن فيزياء اللحظة، ومقياس الجودة في الدلالة المعنوية والمادية للمنحوتة". ويختم بن لاحج حديثه: أن حاجتنا لقطعة فنية، ترسم تاريخاً من التواصل، الهادف للارتقاء إلى مبادئ التعاطي مع المعرفة، في كونها تجليات للتنامي الحضاري في العالم. لمسة وفاء لزايد من مجرة بن لاحج إلى معرض " جوهر زايد الإنسان" ننتقل لنرصد لمسة وفاء يقدمها الملتقى الذي يعقد في عام زايد، ليحجز معرضاص خاص اشترك فيه نخبة من فناني الخط من الإمارات ومن مختلف بلدان العالم، ليجسد الجميع تلك اللمسة بأنامل فنية خالصة، تستقبلك أقوال الشيخ زايد التي وضعها الإماراتيون نصب الأعين، وساروا على نهجها وفلسفتها فأصبحوا من أسعد الشعوب، مقولات كثيرة كُتبت بأنواع مختلفة من الخط" ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال"، "إن الإلمام بالتراث ينير الأفكار وينير طريق الحياة"، ومشاعر وقصائد يجسدها الفنانون بخطوطهم" دنيا ما أحلى وطرها" ،"وراء كل فكرة عظيمة شعب عظيم وقائد أعظم" "علمتنا الصحراء". زخرفة وجماليات أهم ما يلفت النظر في ساحة الخط التي احتضنت معظم أعمال ملتقى الخط العربي، هو تلك المعارض التي تنتمي إلى جمعية الإمارات لفن الخط العربي، تلك التي قدمت فنون الخط من حيث كتابة وتصميم الحرف العربي القابل لاستيعاب أشكال هندسية مختلفة بين المد والاستدارة والتشابك والتداخل، كما برزت فيه فنون الزخرفة العربية، و تراوحت الأعمال المشاركة فيه بين اعتمادها على جماليات الخط العربي من حيث الالتزام بالقواعد المعروفة من حيث النقطة والدائرة، ومن جهة أخرى الاعتماد على تقنيات الفن المعاصر بالاستفادة من أبعاد وعناصر اللوحة الفنية التشكيلية بالمعنى الجمالي والمضموني، وبرزت في تلك المعارض على نحو خاص تأثيرات البعد الروحي الذي يستمد مقوماته من دور القرآن الكريم في إبراز الخط العربي على المستوى الفكري، تجلى ذلك في الآيات القرآنية الكثيرة التي حفل بها المعرض، كما كان لفنون التزيين والتذهيب جانب كبير من المشاركات، بالإضافة إلى تقديم البعض للوحات حروفية غاية في الجمال بمسحة لونية وذائقة بصرية يمكن قراءتها في مستويات عدة من محاولات استخدام الحرف على سطح اللوحة. وإذا كانت معارض جمعية الإمارات قد احتضنت الكثير من الأعمال الفنية المتفردة في عالم الخط العربي، فإن بقية المعارض التي احتضنتها بيوت الخطاطين، ودار الندوة، وبيت الخزف قد ضمت الكثير من اللوحات التي رسمها نخبة الفنانيم من مختلف دول العالم، والتي حملت الخط العربي بفنياته وطاقته وجمالياته وحتى حركته اليدوية لتعبر عن شغف واكتشاف من الفنان غير العربي، وحتى القارئ غير العربي، وهكذا نجح ملتقى الشارقة للخط العربي في دورته الثامنة بأن يقرب فنانون من العالم إلى روح الخط العربي وكل واحد منهم وفقاً إلى اجتهاده وثقافته ومقاربته من الفنون الإسلامية، وهذا سرعان ما تجده من نظرة سريعة إلى ديمتري لامونوف من روسيا في عمله "جوهر الجوّ"،و سيمين فرحات من أمريكا في عملها "لقطات الدم"، والأمريكي "كريبتيك" في عمله الحروفي الزخرفي المزاوج بين الدائرة والمربع والمثلث، والياباني "كوجي كاكينوما" في عمله التجريدي الإيحائي "أداء حي" والأمريكية "يايا تشو" في عملها "ملاذ". ولا نبالغ عندما نقول أن هذا الملتقى جمع ما بين لغة التسامح والفكر والإبداع.