أم يوسف: عرفت مشكلة ابنى من متابعتى البرامج التى تتحدث عن نفسية الطفل وكيفية التعامل معه أم مصطفى: أولياء الأمور فى المدارس يرفضون أبناءنا فيزيدون معاناتنا
الدولة لا تعتبر مصابى التوحد من بين ذوى الاحتياجات الخاصة!
عبير عبدالرازق: دمج الطفل مع أقرانه الطبيعيين يساعد على شفائه
أقر العديد من الدراسات، بأن آباء وأمهات أطفال التوحد يعانون درجة أعلى من الضغوط مقارنة بأولياء أمور الأطفال الذين لديهم أى نوع من اضطرابات النمو الأخرى، نتيجة الصعوبات التى تواجه الطفل فى التواصل، والعزلة الاجتماعية، وصعوبة العناية بالذات، فضلاً عن نقص المعلومات حول "التوحد"، وتفهم المجتمع لطبيعته.. وتكشف هذه الدراسات مدى تأثير الضغوط النفسية على العلاقات الأسرية، وعلى قدرة الأسرة المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية، كما تؤثر هذه الضغوط على العلاقة بين الزوجين، وعلاقة الطفل التوحدى بإخوته.. وتظهر كثير من الدراسات انتشار "التوحد" فى العديد من دول المنطقة العربية.
بداية تلفت الانتباه د.منال زكريا حسين – أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة – إلى أن الإحساس بزيادة معدلات أطفال التوحد، إنما يرجع إلى الاكتشاف المبكر، وزيادة وعى الأمهات. كما أن كثيرا من الأسر تلحق أولادها بالحضانة فى سن صغيرة، وبهذا يسهل اكتشاف الفروق بين طفل وآخر .
وترى د. منال زكريا أنه على الرغم من وجود العديد من الدراسات عن أطفال التوحد والآثار والضغوط النفسية التى تعانى منها أسرهم، فإن كل الدراسات حبيسة الأرفف، لا تطبق نتائجها أو يُستفاد منها،مؤكدة أننا فى حاجة شديدة وملحة لرؤية شباب الباحثين الذين قاموا بالدراسات، وقدموا برامج لكيفية التعامل مع طفل التوحد، ورفع الروح المعنوية للأم، لأنها تعانى من ضغوط نفسية رهيبة، فهى تواجه معاملة الناس مع ابنها على أنه "متخلف"، فتخشى أن تصطحبه فى أى مكان، لأنه عبء ثقيل عليها، فهى ربطت نفسها بالبيت وبه، وأصبحت لا تخرج بسبب ضغط الآخرين ونظرتهم ومعاملتهم له، إلى جانب أنه ليست لدينا دورات تدريبية تُقدِم للأمهات كيفية التعامل مع الأطفال المصابين بالتوحد.
وتؤكد أننا فى حاجة إلى أعمال درامية عن الطفل المصاب بالتوحد، وكذلك توعية المجتمع بهذا المرض، وتوعية المقبلين على الزواج بالتصرف الصحيح إذا ما رُزقوا بطفل مصاب بالتوحد، لأنه كلما كان الاكتشاف مبكرًا كان العلاج أسرع ومعدلات الشفاء أعلى .
فيما تؤكد الإخصائية "عبير عبد الرازق" (تشارك فى مركز خاص لذوى الاحتياجات الخاصة، يعمل على تنمية قدرات وإمكانات الطفل حسب تشخيصه) أنه كلما كان التدخل مبكرا، كان التدريب لتنمية قدرات الطفل المتوحد أفضل كثيرًا، أيًا كانت نسبة إصابته وحالته، حيث يتم وضع برنامج فردى لكل طفل، وإجراء تقييم دورى لعملية التدريب، بحيث يخضع الطفل للبرنامج التالى حسب تطور حالته، حيث التركيز على عمليتى الانتباه والتركيز، وتطور قدراته اللغوية، والجانب ما قبل الأكاديمي، أى ما قبل القراءة والكتابة والحساب، وهناك أطفال قابلون للتدريب والتعلم، مثل: حالات صعوبات التعلم أو التأخر الذهنى البسيط، وبهذا نصل بالطفل إلى مرحلة متقدمة تقربه من المرحلة العمرية التى من المفترض أنه مقيد عليها فى المدرسة.
وتؤكد "عبير عبد الرازق" أن التوحد ليس مرضا، إنما هو "اضطراب نمائي"، يؤثر على نمو الطفل بشكل كامل وعلى تواصله اللغوى والاجتماعي، مشددة على ضرورة دمج طفل التوحد مع الأطفال العاديين، لأنه يؤدى إلى تخفيف أعراض التوحد، ويتم اكتشاف المرض اذا وجدنا تواصل الطفل مع الآخرين بطيئاً جدًا، فحينما تنادى عليه لا يستجيب، يرفض العناق، دائمًا يلعب بمفرده، لا يظهر أى اهتمام بما يحدث حوله، لغته تبدأ جيدة جدًا، يبدأ يتداول كلمات، بعد ذلك نجد لديه ألفاظا غريبة، ولا يستطيع أن يُجرى حوارا مع أحد، عندما تحدثه يردد الكلمات التى تقولها، ومحاولات علاج طفل التوحد متعددة، أهمها العلاج السلوكى وتدريب النطق، حتى يبدأ التواصل البصرى والاجتماعى واللفظي، فيندمج فى المجتمع المحيط به، ثانيًا: العلاج الدوائي، حيث يتناول الطفل أطعمة خالية تمامًا من بروتين القمح والحليب، وأيضًا يجب إعطاؤه أنظمة غذائية صحيحة، والبعد عن جميع المواد الحافظة والألوان، و لا نستطيع الجزم بنوع محدد لعلاج التوحد، فلاتزال تجرى الأبحاث عن أسبابه وسبل علاجه، منوهة إلى أن نسبة ظهوره لدى الأطفال الذكور ثلاثة أو أربعة أضعاف عند الإناث، فنحن أمام ظاهرة تكاد تنتشر على أوسع نطاق حتى أصبح مرض العصر فى الوقت الحالي. وتقر بأن تكلفة العلاج تختلف حسب نوعية التشخيص، والأمر يحتاج إلى دعم كبير من المراكز القومية للتدريب والعلاج، لأن الغالبية العظمى من أهالى هؤلاء الأطفال لا يستطيعون تحمل التكاليف الباهظة، لافتة النظر إلى أن الإخصائيين أجورهم عالية جدًا، لكثرة الدراسات التى يقومون بها، من ماجستير ودكتوراه وأبحاث ودورات تدريبية متخصصة.. ومتوسط الحالة بالمراكز المتخصصة تتكلف أكثر من ألف جنيه شهريًا، وهناك حالات ليس فى استطاعتها دفع هذا المبلغ.
وعلى الجانب الآخر، تروى بعض الأمهات تجربتهن مع أطفالهن.. فتقول "أم يوسف:" لاحظت أن ابنى وعمره أقل من عام لم يكن ينظر لى إطلاقًا، ولا أجد أى استجابة منه عندما أنادى اسمه، ولا يتكلم أبدًا، ونقلت هذه الملاحظات لوالده ، إلا أنه قال لى: عادى مجرد تأخر نطق، وكذلك حماتى قالت لي:"لا تأخذى فى بالك لا مشكلة.. عمه اتكلم متأخر"، ولم أستطع إقناعهما بأن هناك مشكلة، حتى أطباء الأطفال أيضًا كانوا يرددون الكلام نفسه، وأنه طبيعى الأولاد يتأخرون فى الكلام عن البنات، وللأسف والد "يوسف" فرح جدًا عندما سمع الدكتور قال هذا الكلام! وقال لى: إنت "بتزنّي" وتقولى إن الولد لديه مشكلة، فها هو الدكتور ينفى ما تقولين".
وتستكمل قائلة: شاهدت برنامجا يتحدث عن حالات التوحد، فتأكدت أن ابنى مصاب بالتوحد، وقررت أن أذهب به إلى طبيب مختص حتى لو حدثت مشكلة بينى وبين والده، الذى اقتنع أخيرًا، وذهبنا إلى دكتور تخاطب، وكان الولد عمره سنة ونصف السنة، وأكد الدكتور أن ابنى لديه توحد، ولا بد من عمل تحاليل واختبار ذكاء، خرجت من عيادة الدكتور وزوجى يقول إنه دكتور لا يفهم حاجة، ولن أعمل ما طلبه من فحوصات، فأقنعته بالذهاب إلى مستشفى الدمرداش، وهناك أكدت الفحوصات والاختبارات أن "يوسف" لديه توحد كامل بنسبة (42) وهى تعد نسبة عالية، مع تأخر عقلي، وأخذنا أدوية لفترة، وظل والده غير مقتنع بأن يوسف مصاب بالتوحد، وترددت على أطباء كثيرين، فقالوا نتأكد أنه مصاب بالتوحد عندما يبلغ ثلاث سنوات، برغم أن طبيب مستشفى الدمرداش قال لى ابدئى علاجه خارج المستشفى مبكرًا؛ لأن هناك أطفالا كثيرين والدور طويل، ذهبت إلى مكان تأهيل، الدكتور قال لي: لن أضحك عليكِ وأقول لك أبدأ معه تخاطبا، وهو ليس بحاجة إليه الآن، لأنه ليس لديه انتباه وتركيز، نحتاج تنمية مهاراته أولاً، وسأل والد يوسف إحدى العاملات بمركز التأهيل، هل المهارات تأتى بنتيجة؟ فردت عليه بعد أن أعطاها عشرة جنيهات: "لا بيعمولها للحصول على فلوس"، وهو صدق كلامها، وبدأت المشاكل الحياتية بيننا بسبب إصرارى إن ابنى لديه مشكلة ولا بد من علاجها، ووالده يصر على نفى ذلك، وغير مقتنع بذلك، وانفصلنا خمسة أشهر، ورجعت إلى بلدى "أسوان"، ومكثت بها لفترة، والحمد لله تحسن ابنى حيث الجو المشمس والمكان المفتوح، وبدأت أعراض التوحد من جلوسه مع نفسه أو اللف حول نفسه فى المكان تختفى، وكان والده يتصل بى للاطمئنان عليه، فقلت له إنه الحمد لله بدأ ينظر لى عندما أنادى عليه، وبعد ذلك عدنا لبعضنا بعضا، واقتنع زوجى أخيرا بمرض ابننا بعد أن بلغ يوسف الثلاث سنوات، وربما فى البداية رأى زوجى وحماتى أننى كأم لأول مرة لا أفهم شيئاً، لكن إحساسى كأم ومتابعتى البرامج التى تتحدث عن نفسية الأطفال وكيفية التعامل معهم، حتى أربى ابنى جيدًا، مكنتنى من اكتشاف إصابة ابنى ، وبدأت رحلتى مع مراكز التخاطب، وكذلك مركز جامعة عين شمس للطفولة والأمومة، لكن صادفتنى مشكلة الروتين الوظيفي، وأن عدد الجلسات قليل جدًا، والحمد لله الدكتور المتابع له كان جيدا جدًا، وكنت أتدرب على ما يقدمونه لابنى، وانخفضت نسبة التوحد إلى (32) ، وذهبت به أيضًا لمركز آخر للانتظام فى المواعيد غير المتوافرة فى مركز الطفولة والأمومة، حيث عدد الجلسات قليل جدًا، إنما المراكز الخاصة تعطى عشر جلسات مطلوبة لتنمية مهارات الطفل التوحدى بمقابل مادى أعلى، كما أنهم يشرحون لى ما يمكن عمله لابنى فى البيت، والحمد لله بدأ فى التحسن، لكن بتكلفة وعبء مادى أعلى، مع أدوية مكمل غذائى مستورد كانت العلبة بمبلغ 800 جنيه، وأصبحت الآن 1800 جنيه، غير المهدئات وتكلفة الأطباء التى أصبحت غالية جدًا.
وتقول "أم يوسف": للأسف الدولة لا تعتبر مصابى التوحد من بين حالات الاحتياجات الخاصة، ولا تعترف به، وتعتبره تأخر كلام عاديا، لذا نرجو صرف معاش اجتماعى لنا كما يُعامل أطفال الاحتياجات الخاصة، بما يساعد فى تكلفة الجلسات والمواصلات، إذ كلما تابعت مع ابنى بجلسات أكثر تكون هناك نتيجة أفضل، وتستطرد: كان المفروض أن نقدم ليوسف فى المدرسة الآن بعد بلوغه ست سنوات، أجريت له اختبار ذكاء فى المستشفى الجامعى جاء بنسبة (55)، وقالوا يدخل مدرسة فكرية، وهو ليست لديه مشكلة سوى فى التواصل مع الناس، ويحتاج إلى أن يكون مع أطفال عاديين يندمج معهم، وعلى قدر إمكاناتى ألحقته بحضانة، لكن العاملين بها لم يستطيعوا استيعاب حالته، ولا يدركون كيفية التعامل معه، فيجلسونه مع أطفال فى عمر عامين، وهو لا يحتاج هذا، فضلاً عن الجيران الذين لا يراعون أنه مريض، فيقولون لي: "ابنك صعب مستحملاه إزاى"، والبعض يصفون تصرفاته بأنها قلة أدب وعدم تربية. وتضيف: أحد مركز التأهيل التى كنت أذهب بيوسف إليهم لتدريبه وتأهيله، استعانت بى بعد تدريبات عملية فى العمل معهم، وقد استفدت معلومات كثيرة، فضلاً عن الاحتكاك بالحالات المترددة على المركز. وتتمنى أن تعترف الحكومة بأن أطفال التوحد لديهم مشكلة، وكذلك إلحاق إخصائيين بمدارس الدمج لمراقبة الأطفال ومساعدتهم، لأن طفل التوحد صعب عليه نفسيًا أن يجد طفلا فى نفس عمره أعلى منه فى الذكاء، أو يضايقه الأطفال و"يغلسوا" عليه، ولكن إذا خيرونى يين فعلين: إما أن يجلس فى البيت ومشكلته تزيد نفسيًا، أو ألحقه فى مدرسة مع أطفال عاديين يندمج معهم ويكتسب خبرات ومهارات اجتماعية معهم، سأختار الحل الثانى برغم المضايقات التى تواجهه منهم، وأن يعيش طفولته بشكل طبيعى.
وتطالب أن يكون فى كل مستشفى حكومى قسم خاص بأطفال التوحد، وأيضًا أماكن للتطعيم .
فيما تقول "أم مصطفى:"إن الناس تنظر إلى أولادنا على أنهم متخلفون، لدينا معاناة شديدة فى المدرسة، وإخصائيو التأمين الصحى لا يعترفون بأطفال التوحد، ووزارة التربية والتعليم حلت المشكلة، ونصت على إجراء اختبار ذكاء لأطفال التوحد فى أى مكان غير التأمين الصحي، الذى لا يراعى طفل التوحد، كما لا بد من وجود مرافق للطفل للتحكم فى سلوكياته، واستعانت ب"شادو تتشير" ومن يستطيع إحضار هذا الإخصائى واحد فى المليون صعب جدًا، وفى مدرسة ابنها - حكومى لغات - المدرسون كانوا يقولون إن الآنسة التى أحضرتيها تسىء معاملة الولد وتضربه، فهى تأتى مجرد جليسة أطفال فقط، لا تقوم بدورها من أجل الدمج. وتروى "أم مصطفى" أن استخراج قرار مرافقة الأم مع طفلها بالمدرسة من وزارة التربية والتعليم سهل الأمر هذا العام، مما جعلها ترافق ابنها فى المدرسة يوميًا، وتساعده فى إخراج كتبه ومتابعة الدروس، مما عدل من سلوكه حتى نشرت المدرسة على صفحتها تكريما له، وبفضل الله أصبح ابنها متميزا فكريًا مثل أقرانه، وإن ظل سلوكيًا مختلفا عنهم، ففى الامتحانات يريد أن يخرج من اللجنة أو يمزق الورقة، أو يتعب من الجلوس كثيرًا أثناء الامتحانات، لكن الإخصائيين مدركون حالة ابنها ويسمحون لها بالدخول وتهدئته ثم تخرج من اللجنة.